قلعة نزوى العُمانية مدينة «بيضة الإسلام»... تراث شامخ

  • 4/13/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

مدينة نزوى العُمانية عاصمة للثقافة الإسلامية 2015، هي محط أنظار العالمين العربي والإسلامي. احتفالات ونشاطات للمناسبة تشمل البلدان العربية على مدار العام، وتتشارك معها كل من مدينة ألماتي الكازاخستانية آسيوياً وكوتونو (عاصمة بينين الاقتصادية) أفريقياً. ويبرز شعار المناسبة مزيجاً متناغماً بين أهم معلمَين للمدينة: قبة جامع السلطان قابوس وبرج القلعة تحت كلمة نزوى التي تأتي مظلة للمعلمَين، بينما كتبت جملة «عاصمة الثقافة الإسلامية» بخط الثلث في أسفل الشعار الذي يُعدّ واحداً من أقدم أشكال الخطوط الإسلامية. وتستعد المدينة لتدشين مركز ثقافي متعدد الاختصاصات على مساحة نحو 10 آلاف متر مربع. وتقدّم نزوى إرثها الغني الذي يمتد على مدى 12 قرناً، محتضنة 17 قلعة رائعة وسوقاً قديمة تُعدّ من أهم المواقع المحببة للسياح. ويجري فيها فلج دارس الشهير. ومنذ عام 1500 رسّخت مكانتها مركزاً مهماً للعلم والعلماء والمؤرخين. وهي تشتهر بموروثاتها المتنوعة من العادات والتقاليد والحرف والصناعات التقليدية والمشغولات اليدوية. وطبقاً للمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم «إيسيسكو»، تعتبر نزوى من أهم المراكز الثقافية الإسلامية والعلمية في العالم ومركزاً للتعليم والبحث العلمي وداراً للأئمة والعلماء والمفكرين الذين أثروا الحياة الفكرية والثقافية الإسلامية. كما لعبت المدينة دوراً رئيسياً في تعزيز المعرفة الإسلامية والتعليم والثقافة على مر العصور، بل هي أيضاً موطن مساجد كثيرة، لذا أطلق عليها «بيضة الإسلام». «عين ساهرة» نقصد نزوى التي تبعد عن العاصمة مسقط نحو 164 كلم (ولاية بهلا) للاستمتاع بعبق تراثي أصيل، و«اكتشاف» قلعتها الشامخة التي تنفرد بشكلها الدائري الضخم. وقد أدرجت ضمن لائحة التراث العالمي كمحمية ثقافية مع منطقة واحة بهلا بأسواقها التقليدية وسورها (12 كلم) العام 1987. يبلغ طول الواجهة الشرقية للقلعة 114م والجنوبية 112,5 م، وسورها الشمالي الغربي المقوّس 135م (من البرج الشمالي حتى برج الريح). ويبلغ ارتفاعها 24م وقطرها الخارجي 43م والداخلي 39م. وتتضمن 7 آبار وفتحات متعددة لمرابطة المدافعين عنها وعن المدينة. كانت نزوى في فترات متقطعة بين القرنين الثامن والثاني عشر عاصمة لعُمان لسلسلة متعاقبة من الأئمة، لكنها قاومت «المدّ والجزر السياسيين» وحافظت دائماً على مكانتها البارزة كمدينة للعلم والمعرفة. ويعود تاريخ بناء اثنين من المساجد التاريخية فيها إلى فجر الإسلام. ويذكر أن مسجدي الشواذنة وسعال شيّدا في عامي 623 و629. ويُحتمل أن يكون التحصين الأصلي من عمريهما أو حتى أقدم منهما. ووفق تقديرات موثوقة يمكن اعتمادها في تحديد تاريخ بناء الأساسات السابقة للبناء الحالي للقلعة، يعود تاريخها إلى القرن التاسع الميلادي عندما تولّى الإمام الصلت بن مالك الخروصي الإمامة في عُمان. وتشير مصادر تاريخية إلى أن الإمام ناصر بن مرشد اليعربي رممها في القرن السابع عشر الميلادي (نحو 1650). وأنعشت السيادة البحرية التي حققها اليعاربة خلال فترة حكمهم (1644 – 1744)، حركة التجارة الداخلية وجلبت معها ثروات كبيرة. وفي هذه البيئة المفعمة بالازدهار، شيّدوا مباني ضخمة مثل حصن جبرين وحصن الحزم، وأعادوا بناء قلعة نزوى التي بحكم موقعها الاستراتيجي المهيّمن على الطرق التجارية الرئيسية، كان في إمكان قاطنيها ضمان سير التجارة من عُمان وإليها، إذ تشرف القلعة من موقعها المطل بمكان مرتفع في وسط المدينة على واحة خصبة من أشجار النخيل يرويها فلج دارس أكثر الأفلاج وفرة بالمياه في السلطنة. وقد صممت القلعة لحراسة الواحة ومصادر المياه في الجبال المجاورة، ووفرت ملاذاً آمناً في أوقات الشدّة وحافظت على الصناعات الحرفية التي اشتهرت بها المدينة لفترة طويلة. كانت المدينة في العصور الماضية محاطة بسور شكّل خط الدفاع الأول عنها، علماً أن القلعة التي تنتصب عالياً فوق المدينة كانت تُعدّ أقوى دفاعاتها. ويتألف هيكل البناء الرباعي الزوايا وفقاً للتصميم التقليدي العربي من الحصن والقلعة، وشيّد الأول لأغراض السكن والأمور الإدارية، والثاني لأغراض الدفاع ويتكوّن من برج عالٍ ذي منصة دائرية للمدفعية وإطلاق النار. ولاحقاً وسّعت المباني العسكرية التقليدية لتشكّل معقلاً دائرياً ضخماً قطره 36م وارتفاعه 30م. «متاهات» محصنة وعدّ هذا المعقل فريداً من نوعه في الفن المعماري العُماني كونه مطموراً بالتراب والحجارة إلى مستوى يصل إلى 15م، ومتوّجاً بممشى ذي فتحات يمكن من خلالها إطلاق قذائف 23 مدفعاً بنصف قطر. وتمتد جدران البرج أعلى الممشى لتحجب الحافة الداخلية التي تؤمّن ممراً للحراسة، حيث يستطيع المدافعون إطلاق النار بأمان في عتمة فتحات سور البرج. واقترن اسم القلعة التي كانت غاية في الإبداع والإتقان في زمانها، بأفخاخ مصممة ببراعة، إذ نصبت سلالم من أجل القبض على الدخلاء الفالتين من قبضة الحراس. وتقطع هذه السلالم حفر عميقة واسعة يوضع فوقها ألواح خشبية تُزال بسرعة عند الإنذار بوجود دخلاء. وهذه الأفخاخ مموهة خلف كل من الأبواب السبعة القوية في الممر المظلم الضيق المتعرّج، الذي يقود إلى الحصن. وإذا تمكّن المهاجمون من النجاة من «حفر الموت» تلك التي تتقدّم كل باب، فإنهم بالتأكيد سيقعون بعدذاك ضحية في الحفرة المميتة للجانب الآخر. معرض التاريخ حوّلت مساحة السجن السابق مع متاهات زنزاناته وغرفه في الحصن إلى قاعة عرض تحوي مجموعة تضم أكثر من 20 جناحاً يشرح كل منها موضوعاً محدداً يتعلّق بتاريخ نزوى وتراثها. وأبقي على غرفة واحدة لتعطي فكرة عن السجن القديم حيث توجد مشغولات حرفية يدوية مثل أغلال القدمين، ما يوحي بالأجواء التي كان السجناء فيها ينفّذون الأحكام الصادرة بحقهم. كما أبقي على مخازن التمور والآبار ودورات مياه في حالتها الأصلية. وتعدّ أجنحة العرض «كنزاً» مصوراً للمعلومات والحرف اليدوية. وتوفر تكنولوجيا العروض السمعية والبصرية الاطلاع على معلومات غنية عن نظام القلاع والحصون في عُمان، إضافة إلى مواد تفتن الناظر إلى التاريخ والفن المعماري والترميم المتعلّق بمباني القلعة وسوقها. ويُظهر إفريز الجدار في صالة مجاورة خرائط تاريخية وأبرز ما قاله الرحالة والجغرافيون الأوائل عن نزوى. كما حظي الإسلام والتعليم بعناية واهتمام خاصين في أجنحة العرض، إذ تبث عبر شاشة بلازما صور على شكل ملصقات مصوّرة لجوامع نزوى ومساجدها، وجمالها المعماري ومراجعها التاريخية. وتغدو الشخصيات التي مرّت بتاريخ القلعة والحصن حية من خلال الشرح. وتدور إحدى أكثر القصص رواجاً حول شاوٍ (راع) عاش في الحصن. كان يرعى ماشية الإمام ويجمع الحيوانات الضالة ويضعها في زرائب الحصن وإسطبلاته حتى يأتي أصحابها ويطالبون بها، ويلزمهم أحياناً بدفع غرامة لعدم سيطرتهم عليها. أما الحيوانات التي لا يطالب بها أصحابها فتباع في مزاد علني في السوق، وتوزّع أثمانها على فقراء المنطقة. كما تضم الأجنحة حرفاً عُمانية فريدة من الفضة والنحاس، والنيلة والأقفال والمفاتيح السعفيات. وأعدّ في بعض الغرف جو حقيقي للورش الحرفية، وبذلك يتكوّن لدى الزوار انطباع حي واضح عن الأدوات المستخدمة والمهارات الضرورية للإنتاج في هذا المجال. وعُلقت صور فوتوغرافية من الحجم الكبير لرجل متسلّق نخلة، وأبواب خشبية مزخرفة في قاعة الأقفال والمفاتيح. ومما تتضمنه غرفة النيلة، مشغولات يدوية أساسية مثل جرّة خلط كبيرة ومزّاجة وثلاث راقودات صباغة (خوابي). ويمكن التعرّف إلى عملية الصباغة عبر وثائقي يعرض تفاصيلها. كما توضح صور ضخمة الأماكن التي كانت النيلة تزرع فيها، وطرق التجارة التي كان يتم من خلالها توزيع النيلة وبيعها. ويرتبط جانب من القلعة بمحال خارجية تقليدية لبيع المنتجات القديمة والحديثة الخاصة بسوق نزوى. ويرتبط بالمنطقة معرض كبير يحوي مجسّماً للمدينة. ويوجد أمام مدخل القلعة والحصن عريش من سعف النخيل، هو مقهى في الهواء الطلق يتيح للزوار الاستراحة والاستمتاع بتناول وجبات خفيفة وارتشاف القهوة العُمانية بالطريقة التقليدية. ويقع خلفه مبنى متناسق ينفتح على أقواس تقود إلى مناطق الحرفيين وورشهم، حيث تصنع الحلوى العُمانية في مرجل نحاسي كبير، وتنشر في الساحة رائحتها القوية العابقة بالهال وماء الورد والزعفران واللوز. ويمكن مشاهدة الصائغين والصفارين (النحاسين) يصنعون أدوات جميلة بأساليب قديمة. ويطل على الباحة الداخلية معرض التراث الذي يزخرفه أثاث قديم أنيق، حيث يتاح للزوار شراء منتوجات حرفية أصيلة بما فيها النحاس والفضة، وأخرى تراثية مثل الفخار والسعفيات والمنسوجات والمجوهرات.

مشاركة :