دخل الرئيس الأميركي دونالد ترامب البيت الأبيض وهو يعد بتخفيض القوات الأميركية أو سحبها كلياً من الشرق الأوسط. ويبدو أنه مصمم على حفظ وعوده. وفي ديسمبر 2018 فاجأ فريقه المخصص للأمن القومي بإعلانه سحب القوات من سورية، وقال: «لقد هزمنا (داعش)، ولذلك ستعود قواتنا إلى الوطن. ويجب على تركيا أن تتكفل بما بقي من التنظيم»، ولكن مستشاري الرئيس الأميركي أقنعوه بأن خطوته تلك متسرعة وغير منطقية، وفي نهاية المطاف قرر ترامب السياسة الحالية التي تقضي ببناء منطقة عازلة على طول الحدود التركية - السورية. وباختصار فإن مثل هذه السياسة مضللة حتى لو شاركت فيها قوات دولية. وربما تبدو المفاوضات العقيمة المتعلقة بالمناطق العازلة جيدة، لكن سياسات المبعوث الأميركي إلى سورية جيم جيفري تُذكي التطرف وتعرض الأكراد للوقوع في المذابح التي تذكرنا بمذابح الصرب لمسلمي البوسنة في سربرينتسا قبل ربع قرن من الزمن. فهم التاريخ ولفهم الأسباب التي تجعل سياسات جيفري حول سورية والأكراد مدمرة، من المهم فهم التاريخ السوري، والتركي، والكردي. وفي عام 2004 أرسلت الحكومة السورية، التي قامت بتحالف مصلحة مع الإسلاميين، قوات من الإسلاميين السنة والبعثيين للقضاء على الهوية الكردية في شمال سورية. وسمحت الحكومة السورية أيضاً للمقاتلين الأجانب بدخول العراق لمحاربة الولايات المتحدة. وهذا ما يفسر سبب شعور أكراد سورية بعدم الثقة بالحكومة السورية والمعارضة السورية السنية. وعند اندلاع الحرب الأهلية في سورية رسخ الأكراد سيطرتهم على شمال سورية. وعلى الرغم من أنهم كانوا معزولين ومحاصرين ليس من الحكومتين السورية والتركية فقط وإنما من حكومة كردستان العراق، تمكنت وحدات حماية الشعب الكردي السورية من هزيمة جبهة النصرة التابعة لتنظيم «القاعدة». وهذه مجرد البداية. وخلال الأسبوع الماضي، زرت مدينتي القامشلي، والرقة التي كانت عاصمة «داعش»، وكذلك مدينة عين العرب (كوباني)، وشاهدت المباني المدمرة والسيارات المحروقة، خصوصاً في عين العرب التي تمتد حتى الحدود التركية. وعلى الرغم من أن عين العرب لم تكن هي المعركة الوحيدة التي وقعت في المنطقة مع «داعش» إلا أنها أدت الى تغيير مسار الحرب وتقدم التنظيم الإرهابي واحتلاله المدن والقرى التي يجتاحها. وعلى الرغم من أن الدبلوماسيين الأميركيين رفضوا التفاوض مع أكراد سورية خلال زيارتي الأولى إلى المنطقة خوفاً على الشراكة التركية - الأميركية، إلا أنه بعد أن أصبحت واشنطن مقتنعة من أن القضاء على «داعش» يتطلب التعاون مع الميليشيا الكردية تغير موقف أميركا نحو الأكراد. ومن غير المرجح أن منطقة العزل التي نادى بها جيفري في شمال سورية على الحدود مع تركيا ستنجح، إذ إن السلطات الكردية في المنطقة رفضت المقترح الذي اعتبرته يصب في مصلحة تركيا. وبناءً عليه يقدم جيفري الآن ووزارة الخارجية الأميركية اقتراحاً بقيام قوات دولية بإنشاء منطقة عازلة. وهذا لن يكون مشروعاً مكلفاً ويؤدي إلى تفكك السلطة الكردية فقط بالنظر إلى أن العديد من البلدات والمدن الكردية، بما فيها الرقة والقامشلي تقع على الحدود، وإنما كما كان الحال في مدينة سربرينتسا الصربية، يمكن أن يعرض الأكراد للمذابح بالنظر إلى احتمال أن تكون قوات حفظ السلام غير مستعدة لحماية الأكراد المدنيين من مذبحة قد تقوم بها القوات التركية أو وكلاؤها من المتطرفين. وفي الحقيقة فإن إدارتي الرئيسين الأميركيين السابقين بيل كلينتون وجورج بوش الأب كانتا حكيمتين للوقوف في وجه تركيا بدلاً من ترضيتها. وبالطبع فإن سياسة جيفري لتهدئة خاطر تركيا هي سياسة سيئة وفاشلة بالنظر إلى أن تركيا ما قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كانت ليبرالية، في حين أنها أصبحت تدعم التطرف بعد أردوغان. وبناء عليه ما الذي يجب فعله الآن؟ يجب على جيفري التراجع عن فكرة المنطقة العازلة، فهي لن تعمل على ترضية تركيا، وإنما تشجع أردوغان للمطالبة بالمزيد. وستكون سياسة واشنطن أكثر حكمة إذا منحت الأكراد إدارة في شمال سورية. ويجب على الولايات المتحدة أن تستثمر في المنطقة وتساعد في إعادة البناء. وتشجع أنقرة على التعامل مع المنطقة كسوق لها. وأما ترامب فإنه يمثل نقطة انعطاف في سورية، وهو يدعي أنه هزم تنظيم داعش، ولكن يبدو أنه على وشك ممارسة سياسة لن تقوده إلا إلى الفشل. مايكل روبن من معهد المشاريع الأميركي ربما تبدو المفاوضات العقيمة المتعلقة بالمناطق العازلة جيدة، ولكن سياسات المبعوث الأميركي إلى سورية تُذكي التطرف.ShareطباعةفيسبوكتويترلينكدينPin Interestجوجل +Whats App
مشاركة :