يعد حاجز اللغة الصينية بمثابة السور العظيم الذي حال دون انتشار الثقافة الصينية في العالم ووصول ثقافات العالم إلى هذا البلد العريق الذي ينسب إليه الفضل في كتابة أول لغة لا تزال متداولة حتى اليوم. وتقدم تشانغ هونغ يي وهي أكاديمية ومترجمة صينية شهيرة، بعض التفسيرات في حديث لـ”العرب” حول أسباب ضعف حركة الترجمة من وإلى الصينية انطلاقا من خلفيتها في الترجمة بين اللغتين العربية والصينية واقترابها من عوالم اللغة العربية التي ترجمت منها وإليها العديد من الأعمال. وتولت يي منصب عميد كلية اللغة العربية في جامعة الدراسات الدولية ببكين ونائب رئيس لجنة التوجيه لتعليم اللغة العربية التابعة لوزارة التعليم والتربية، ونائب رئيس مجلس بحوث الأدب العربي في الصين، كما تم اختيارها عضوا في لجنة تحكيم جائرة الرواية العربية (البوكر) في دورتها الأخيرة. وساهمت يي خلال مسيرتها الأكاديمية الممتدة لأكثر من أربعين عاما وعملها كمترجمة، في التخفيف من آثار العزلة التي فرضتها صعوبة وتعقيدات اللغة الصينية على عوالم الصين الثقافية والأدبية، فإضافة إلى دورها في تأليف المقررات الجامعية في كليات اللغة العربية والترجمة في العديد من الجامعات الصينية، عملت على ترجمة الكثير من النصوص الأدبية العربية الكلاسيكية والحديثة إلى اللغة الصينية، كما ترجمت كتاب الرئيس الصيني شي جين بينغ الموسوم بـ”حول الإدارة والحكم” إلى اللغة العربية، وترجمت مجموعة من الكتب الصينية الكلاسيكية إلى العربية، كما نقلت بعض الأعمال الأدبية العربية إلى اللغة الصينية، ومنها رواية “المجوس” لإبراهيم الكوني، على سبيل المثال. أصعب لغتين تقول المترجمة الصينية تشانغ هونغ يي، إن عدم معرفة العرب الكثير عن الأدب والثقافة الصينية، أسوة بما يعرفونه عن الأدب اللاتيني والغربي ناتج في الأساس عن صعوبة اللغة الصينية، مؤكدة أن ضعف حركة الترجمة بين اللغتين العربية والصينية قد يكون عائدا لصعوبة اللغتين على حد سواء باعتبارهما أصعب لغتين في العالم على حد تعبيرها، إضافة إلى حداثة دخول هذه اللغة إلى الجامعات الصينية. وتضيف “الصين الحديثة تأسست منذ سبعين عاما فقط، مما يعني أن النشاط العلمي بصورته الجديدة نشأ وتطور ببطء بعد تأسيس الجمهورية، وبالتالي كان تأسيس فروع اللغة العربية في الجامعات الصينية أمرا جديدا، حيث كانت اللغة العربية قبل ذلك تدرس على نطاق ضيق في المساجد والجوامع الدينية وليس في الجامعات، وقد كان أول دخول للعربية، ضمن اهتمامات الجامعات الصينية في 1958، وشهدت الصين نتيجة لذلك تخرج أول جيل من دارسي اللغة العربية في القرن الماضي وبعد ذلك تطور الاهتمام بهذه اللغة”. وجود العديد من العوامل الداخلية في الصين التي ساهمت في تأخر حركة الترجمة ومنها الثورة الثقافية التي أوقفت التدريس والدراسة حوالي عشر سنوات في الصين وتؤكد يي وجود العديد من العوامل الداخلية في الصين التي ساهمت في تأخر حركة الترجمة ومنها الثورة الثقافية التي تقول إنها أوقفت التدريس والدراسة حوالي عشر سنوات في الصين، حيث كان التعليم مقتصرا على عدد قليل جدا من الجامعات، بينما توجد في الصين أكثر من 2000 جامعة. مشيرة إلى أنه حتى اليوم من بين عدد الجامعات الضخم في عموم الصين لا يتم تدريس اللغة العربية إلا في حدود 50 جامعة فقط وهو بحسب تعبيرها عدد قليل جدا. وعن تطور الاهتمام باللغة العربية في المؤسسات الأكاديمية الصينية تقول يي “عدد خريجي اللغة العربية في الجامعات الصينية ليس كبيرا جدا حتى اليوم، فمثلا عند افتتاح فرع للغة العربية بإحدى الجامعات في عام 1964 كان يتم تخريج 48 طالبا فقط في كل عام وإذا حسبنا عدد الخريجين الإجمالي فإن المجموع تقريبا بين 800 و1000 طالب جامعي درس اللغة العربية وهو عدد ضئيل لا يسد الحاجة أبدا، فمعظم الطلاب الخريجين يذهبون إلى المصانع والشركات والمحلات التجارية، وذلك يفسر بالتالي عدم وجود عدد كاف من المترجمين المتخصصين من الصينية إلى العربية، بالنظر إلى أن مستوى الخريجين لا يتناسب مع الاحتياجات المعرفية التي يجب أن تتوفر في المترجم المحترف، كما أن أربع سنوات من دراسة اللغة العربية لا تخلق مترجما جيدا، فمن الصعوبة بمكان إجادة اللغة خلال هذه الفترة الوجيزة التي يمكن أن تجعل الطالب الصيني قادرا على أن يصبح مدير شركة مثلا ويتحدث العربية ولكن ليس بالإمكان أن يكون مترجما أو يكون باحثا”. شغف شعريتلفت يي إلى أن تعليم اللغة العربية في الصين شهد نقلة نوعية في مطلع التسعينات حيث فُتحت أقسام الدراسات العُليا للحصول على درجة الدكتوراه في العديد من الجامعات التي تضم أقساما للغة العربية، غير أن عدد الحاصلين على هذه الدرجة العلمية كان ولا يزال محدودا حيث لم يتجاوز في كل كلية على سبيل المثال 2 أو 3 فقط، كما أن كل هؤلاء الأساتذة ذهبوا لينهمكوا في التدريس بجامعاتهم، والإشراف على الندوات والجلسات العلمية بها، وكل هذه المهام شغلت أوقاتهم ولم تترك لهم مجالا للانخراط في مجال الترجمة الذي يتطلب الكثير من الوقت والشغف. نسأل الأكاديمية تشانغ هونغ يي، لماذا لا توجد استراتيجية لدى الحكومة الصينية لنشر الثقافة الصينية بشكل ممنهج، عبر خلق قنوات للترجمة والنشر من اللغة الصينية إلى اللغات الحية في العالم، فتجيبنا “في الحقيقة إن الصين قد بدأت بتنظيم خطة لنشر ثقافتها أو بعبارة أدق بدأت بالاهتمام بما يسمى التبادل الثقافي قبل نحو ثلاثين عاما، وسعت من خلال ذلك لرفع مستوى كفاءتها الثقافية بالتوازي مع الكفاءة الاقتصادية، وفي هذا السياق تم إطلاق مشروع ‘معهد كونفوشيوس‘ الذي لديه اليوم 11 فرعا في الدول العربية وربما أكثر من ذلك، إضافة إلى مشروع ترجمة الكتب الكلاسيكية من الصينية إلى العربية ومن العربية إلى الصينية الذي يحظى بدعم الحكومة”. وعن تجربتها الخاصة في الترجمة بين العربية والصينية، تقول يي “أنا جديدة على الترجمة نسبيا، حيث أخذ العمل الأكاديمي معظم وقتي، إضافة إلى انشغالي بحضور الاجتماعات والنشاطات وانهماكي في التدريس وإعداد البحوث، وبسبب ذلك لم أجد الوقت الكافي للترجمة، لكني الآن وبعد أن أصبحت متقاعدة تحولت إلى مترجمة وبدأت بترجمة كتاب ضخم جدا يسمى “الزهرات الذابلات الثلاث” وربما أصبح هذا الكتاب موضوعا على الرفوف، كما شاركت في مشروع شي جين بينغ وأيضا ترجمت بعض الوثائق لمؤتمرات مهمة وتحولت إلى مجال الترجمة قبل خمس سنوات فقط”. لدى الأكاديمية والمترجمة تشانغ هونغ يي العديد من الآمال في ما يتعلق بطموحاتها في مجال الترجمة من العربية إلى الصينية ونقل الأدب العربي إلى القارئ الصيني، وفي حديثها لـ”العرب” قالت إن لديها قائمة في عدد من الكتاب العرب المفضلين لديها والذين تتمنى أن تتوفر لها الفرصة لتترجم بعض كتبهم إلى الصينية، مشيرة إلى أن شغفها بالأدب العربي نابع من تخصصها الأدبي في الشعر، حيث كان بحثها لنيل درجة الدكتوراه حول: الشعر العربي في ظل العولمة.. دراسة في شعر فاروق جويدة”. وتضيف “قرأت كثيرا لنزار قباني ومحمود الدرويش وعبدالله البردوني، وأيضا للشعراء القدامى مثل أبي نواس وأبي تمام والبحتري وغيرهم، ولديّ رغبة شديدة جدا في أن أترجم أشهر أشعار العرب القدماء وأيضا الحديثين إلى اللغة الصينية، ليس هذا فحسب بل أطمح إلى ترجمة شعر الرئيس ماو تسي تونغ إلى اللغة العربية”.
مشاركة :