موافقة الملك سلمان على استضافة قوات أميركية على الأراضي السعودية تعزز أمن واستقرار المنطقة، وتقوي من العلاقات التاريخية بين البلدين، والتعاون العسكري بينهما، وتؤكد أن المملكة لا تخوض حرباً بمفردها مع إيران، وإنما العالم يشاركها مشروع التصدي للسلوك الإيراني بحزم.. لينعم الجميع بالسلام.. قدر المملكة أنها تدافع عن أمن المنطقة واستقرارها - وليس كيانها فقط - أمام أي محاولات إيرانية للفوضى، ونشر الإرهاب، والطائفية، والتدخل في شؤون الدول العربية الداخلية، وقدرها الكبير أيضاً أنها تحمل رسالة السلام على الأرض، وتسعى إلى تحقيقه بالحوار والدبلوماسية والتعاون المشترك، وتخاطب العالم بكل لغاته للتمسك بالسلام خياراً استراتيجياً. هذه الأقدار لم تكن المملكة فيها منعزلة عن واقعها، أو ترسم حدود مصالحها بعيداً عن مصالح المنطقة الحيوية، بل على العكس كانت المملكة ولا تزال تؤمن بأن أمن المنطقة جزء لا يتجزأ من أمنها الوطني، وبالتالي هي تتعامل بمسؤولية وحكمة وبُعد نظر، وتستثمر علاقاتها ومكانتها الدينية والاقتصادية في تعزيز ذلك الأمن والاستقرار. سلوك النظام الإيراني يشكّل اليوم تهديداً مباشراً للأمن والسلم الدوليين، من خلال الاعتداءات المتكررة على الناقلات النفطية بالقرب من مضيق هرمز، وآخرها ناقلة النفط البريطانية، كما يعد هذا السلوك تحدياً معلناً بإشعال فتيل الحرب من طرف واحد، حيث لا تزال عقلية النظام هناك قائمة على مبدأ تصدير الثورة بأي ثمن وتحت أي ظرف، وليس دبلوماسية الدولة التي تراعي مقتضيات القانون الدولي في احترام الاتفاقيات والمواثيق قبل كل شيء. إيران لديها مشروع تقاتل من أجله منذ أربعة عقود ولا تزال، وترى المملكة عقبة كبرى نحو تحقيقه، بل هي من كشف وتصدى لذلك المشروع على كل المستويات، ومن هنا كان العداء واضحاً، والتخطيط والتآمر مستمراً على المملكة، والأسوأ أن هناك دولا في المنطقة ومنظمات وجماعات تمارس الدور الإيراني ذاته، وعلى رأسها حتماً قطر و"داعش" وجماعة الإخوان الإرهابية، حيث لا تزال تلك القوى واهمة أو متوهمة بتحقيق أهدافها أو محاولة النيل من المملكة أرضاً وإنساناً. المملكة تدرك أنها لا تخوض حرباً بمفردها مع إيران، وإنما يشاركها حلفاؤها وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية في التصدي للعبث الإيراني المتكرر بأمن المنطقة، حيث يجمع بين الرياض وواشنطن تاريخ طويل من علاقات الصداقة الراسخة والاستراتيجية منذ 80 عاماً، فضلاً عن التعاون العسكري المشترك على أعلى مستوى من عقود التسليح والتدريب والاستخبارات، وكلها تعزز من قوة ومكانة تلك العلاقة، وتثبت جدواها في وقت الشدة قبل الرخاء. موافقة الملك سلمان على استضافة قوات أميركية على الأراضي السعودية لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة - مؤشر آخر على قوة العلاقات السعودية - الأميركية، وإثبات مهم أن المملكة ليست الوحيدة التي تواجه المشروع الإيراني ووكلاءه في المنطقة، وتصميم سعودي أميركي على أن العبث الإيراني يجب أن يتوقف، إلى جانب أن موافقة الملك تمثّل استشعاراً مبكراً بأن هناك خطرا إيرانيا تجاوز حدود المواجهة التقليدية إلى محاولة افتعال الأزمات الدولية، وجرّ العالم إلى صراع حقيقي مباشر لن يُستثنى منه أحد. القوات الأميركية ليست المرة الأولى التي تصل فيها إلى المملكة؛ حيث سبقتها قوات في أزمة الخليج واستمرت إلى عام 2003، وتعود اليوم بعد عقد ونصف، ولكن ليست بالكثافة ذاتها على مستوى الأفراد والمعدات كما في السابق، وهو مؤشر مهم على أن المملكة لديها القدرة على رد أي عدون يستهدف أرضها أو مقدراتها، ويعزز في الوقت ذاته من تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة. أجواء المنطقة توحي في ظاهرها بعمل عسكري ضد إيران، ولكن الواقع يفرض حلولاً دبلوماسية أخرى، وإن وصلت متأخرة عن موعدها، أو كلّفت أكثر من الوقت والجهد؛ حيث تبقى الحرب في تفاصيلها مدمرة مع طرف لم يعد لديه شيء يخسره، أو يراهن عليه بعد أن توقف مشروعه عن الحياة، وهذا لا يعني أن نضخم إيران إلى درجة الخوف والقلق منها، بل على العكس التعامل معها على أنها مشروع متعثّر لا يمكن أن يرى النور ما دامت العقوبات الأميركية متواصلة ومتزايدة عليه، كما ننتظر أن يسقط المشروع من الداخل، وتتساقط معه رؤوسه، وينقطع المدد عن عملائه في الخارج.
مشاركة :