الدرس الذي يجب استخلاصه من منطق الإصلاح وروحه

  • 7/24/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

بينت التجارب التي تحياها العديد من البلدان العربية التي شهدت تحولات سياسية بأن الوعي المبكر بمتطلبات التغيير والتطوير السياسي هو الطريق الاسلم لتجنب الهزات السياسية التي يختلط فيها الحابل بالنابل ويصعب معها أن تكون الإصلاحات المناسبة في وقتها المناسب. وفي هذا السياق نستذكر على مستوى التجربة الوطنية أن المشروع الإصلاحي الذي قاده جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله منذ العام 2001م قد كان سابقا زمنيا موجة ما سمي بالربيع العربي، بل وكان مدركا لما تحمله التحولات الدولية والإقليمية من انعكاسات ومخاطر، بالإضافة إلى استحقاقات الواقع المحلي وضغوطاته وتطلعاته المشروعة نحو حياة أفضل، مما استدعى استشراف المستقبل، حيث كان الوعي المبكر بأهمية البدء فورا بالإصلاح السياسي وبناء مجتمع ديمقراطي، من بين العناصر التي يسرت استشراف تطور المجتمع البحريني الذي يتسم بالحركية والتفتح والتعددية السياسية والاجتماعية والمذهبية، مجتمع أكثر استعدادا لتقبل البناء الديمقراطي، وأشد حرصا على تكريسه ودعمه وحمايته.  ولذلك لم يكن التحول الديمقراطي البحريني طفرة خارج السياق، بل كان أقرب إلى الخيار السياسي المناسب في اللحظة التاريخية المناسبة، فكان تحولا هادئا جدا، بما أثبته من قدرة على إدخال الإصلاحات وفق جدول زمني تصاعدي متدرج، يراعي الخصوصيات الوطنية، ويقي البلاد من مخاطر القفز في المجهول. فكانت التعددية السياسية أحد أهم أوجه انطلاقة الإصلاح السياسي، مع مطلع المشروع الإصلاحي الذي اعتمدها كتأكيد على جدارة الشعب بحياة سياسية ديمقراطية تتجسد في تعددية الجمعيات السياسية والتنظيمات المدنية، كما أحاط ممارستها في ذات الوقت بجملة من الضوابط والقواعد التي من شأنها أن تحفظها وتضمن لها أسباب النجاح والتواصل.. إلا أن التحدي الذي واجه هذا المشروع هو كيف تكون التعددية السياسية المكرسة حزبيا حصنا منيعا يحول دون توظيفها للإساءة للدولة وللمنجزات التي تحققت أو للإساءة للوحدة الوطنية وثوابتها.  وبالرغم من أن عددا من الجمعيات السياسية قد اختارت توجهات سياسية وبنية تنظيمية وأيديولوجية (طائفية)، فإن التعددية السياسية ظلت مع ذلك قائمة ونشطة. وبالرغم من أن البعض قد استفاد من التجربة الديمقراطية باختزالها في صندوق الاقتراع فقط، ولم يجتهد في تجاوز الخطابات التقسيمية إلا قليلا مما أثر سلبا على أسس الدولة وركائز المجتمع، فإن التجربة التعددية قد مضت في البداية في طريق مثمر من خلال المشاركة في المؤسسات الدستورية والعمل على تطوير الحياة السياسية والتشريعية والاقتصادية والمعاشية وحققت العديد من الإنجازات المهمة لصالح المواطنين. ولذلك كان الخروج من هذه المؤسسات خطأ فادحا، أضر بهذه التجربة الواعدة. كما أن المشروع الإصلاحي مهتما بتطوير الجانب الاجتماعي وجعله من مضامين هذه التجربة، حيث تأكد للمشروع الإصلاحي، أنه لا يمكن تحقيق توازنات المجتمع إلا عبر التمسك بمجتمع عادل ومنسجم يجد فيه الجميع مكانا، فكان مفهوم التوازن وتكافؤ الفرص السمة البارزة في هذا المشروع: التوازن في الإصلاح بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية حيث تميز بالتوازي والتناسق في المقاربة انطلاقا من الإيمان بمبدأ التلازم بين الإصلاحات السياسية الرامية إلى إرساء نظام ديمقراطي تعددي يضمن الحريات ويصون حقوق الإنسان، والإصلاحات الاقتصادية التي تنشد تركيز اقتصاد متحرر تنافسي متفتح على العالم متوثب لرفع تحديات العولمة والانخراط فيها واستغلال ما تتيحه من إمكانات لخدمة الإنسان، والإصلاحات الاجتماعية التي تتأسس على تأمين الحقوق الأساسية التي تجسم العدالة الاجتماعية وتشيع التضامن والانسجام والاستقرار، فكانت من نتائج هذا التوازن تحسن جذري وملموس في كافة المؤشرات التي تهم تنمية البشرية، حيث حصلت البحرين خلال السنوات القليلة الماضية على مراكز متقدمة في أكثر من مجال تنموي واجتماعي وخاصة تساوي الحظوظ بين المرأة والرجل عبر تكريس المساواة أمام القانون وفي شغل الوظائف، فضلا عن اكتساب المرأة حقوقها السياسية كاملة دون نقصان، وخروج هذا الموضوع من خانة المزايدات عبر الإرادة السياسية الحاسمة، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بدعم وصيانة حقوق المرأة وضمان المتابعة اللازمة لحمايتها، فحققت نقلة نوعية هامة في وضعها ومنزلتها في المجتمع بما ساعد على جعلها شريكا كامل الحقوق للرجل بما يعزز توازن الأسرة والمجتمع.  وباختصار فقد كان هذا المشروع الاصلاحي، مدركا لما تحمله التحولات الدولية والإقليمية من انعكاسات ومخاطر، بالإضافة إلى استحقاقات الواقع المحلي وضغوطاته وتطلعاته المشروعة نحو حياة أفضل، مما استدعى استشراف المستقبل والاهتداء بمنطق سنة التطور والحاجة الدائمة إلى المراجعة والإصلاح، ولقد اختار المشروع الانخراط في إرساء مشروع مجتمعي يحتضن الجميع ويشارك فيه الجميع، يقوم على منظومة من القيم الإنسانية القائمة على التسامح والتضامن والعدل والحرية والحوار وصولا إلى بناء الديمقراطية، والعمل على تحقيق التوازنات بما يكفل الاستقرار والتقدم، وكان على هذا النوع من العمل السياسي أن يقوم على عدد من الضوابط والقواعد الأخلاقية والقانونية التي تنير السبيل في كل ما يقع اعتماده من اختيارات وتوجهات في نطاق تسيير الشؤون العامة، وقد بادر المشروع بإرساء قواعد الممارسة في كل الميادين التي تناولها بالإصلاح وعيا منه بما يتيحه تطور المجتمعات وتسارع التقدم العلمي والتكنولوجي من فرص ومزالق. وبهذه الصورة رسم المشروع الإصلاحي ملامح بحرين المستقبل في سياق التبصر، ولذلك يؤمل ان تكون السنوات القادمة حبلى بالمزيد من التطوير والتنمية للحياة السياسية والسيطرة على احتياجات الناس الأساسية من تعليم وإسكان وفرص عمل، وقد أثبتت معادلة الإصلاح التي اعتمدها المشروع استعدادها لرفع تحديات المرحلة القادمة وقدرتها على تأمين تواصل مسيرة البناء في كنف الوحدة الوطنية والتنمية بكافة ابعادها لأنها تنزل الإنسان في مركز اهتماماتها.

مشاركة :