تعودت ربة البيت مريم العدادي على حياة مريحة رغم انتمائها إلى الطبقة الوسطى. كان زوجها الميكانيكي قادرا على تحمل تكلفة استئجار شقة واسعة في أحد الأحياء المركزية بطهران، وكانا يمتلكان سيارة ويستطيعان زيارة المطاعم بانتظام وأن يرفها عن نفسيهما عبر تنظيم رحلات خارج البلاد. اليوم، تعيش مريم (35 عاما) تغييرا في نمط حياتها. وأصبحت أسرتها تعاني من ضائقة مالية أجبرتها على الاستغناء عن بعض المميزات التي كانت تتمتع بها. مثل معظم الإيرانيين، تضررت الأسرة من انهيار العملة الإيرانية وتسارع التضخم وتضاؤل الأجور. ونتجت هذه العوامل عن العقوبات الأميركية. ومن التغييرات التي ساهمت في تدهور الطبقة الوسطى في إيران الارتفاع الحاد في أسعار المساكن، حيث تضاعفت خلال سنة واحدة. ولم يعد بعض المستأجرين قادرين على تحمل كلفة شققهم، وأصبحت ملكية المنازل حلما بعيد المنال بالنسبة لمعظم الإيرانيين. باعت عائلة مريم سيارتها، واقترضت من العائلة والأصدقاء لشراء شقة أصغر في منطقة من ضواحي طهران، وهي أقل فخامة مقارنة بمسكنها السابق. وقالت والدة مريم، شهلا اللهفردي، البالغة من العمر 58 عاما، إن إيران تمر بـ”أصعب فترة على الإطلاق”، حيث كانت حاضرة خلال تاريخ الجمهورية الإسلامية الممتد على 40 عاما.يزداد قلق الإيرانيين بشأن مستقبل بلادهم مع استمرار التوترات بين طهران والغرب. ونتج هذا التصعيد عن انسحاب إدارة ترامب من الصفقة النووية الإيرانية الموقعة في 2015. وتسببت المواجهة بين واشنطن وطهران في قلب حياة الإيرانيين الذين أصبحوا يكافحون لتوفير حاجياتهم الأساسية. استعارت عروس فستان زفاف لأنها لم تستطع شراء أو حتى استئجار واحد. وازداد عدد المتزوجين الجدد الذين يسكنون مع عائلاتهم لتوفير المال. وتراكمت طلبات التأشيرات في السفارات الأجنبية، حيث يتوق الشباب الإيراني إلى البحث عن فرص جديدة بعيدا عن العقوبات. يتساءل البعض عن السقف الذي ترغب واشنطن في دفع حملة “أقصى قدر من الضغط” نحوه. وتقول إدارة ترامب إن العقوبات تهدف إلى دفع إيران إلى إعادة التفاوض بشأن الاتفاق النووي الذي يعرض تخفيف العقوبات مقابل فرض قيود على برنامجها النووي. وتنفي واشنطن أنها تهدف إلى إسقاط النظام الإيراني. ويذكر أن جون بولتون الذي يعتبر مهندس حملة الضغط، دعا إلى تغيير النظام قبل أن يصبح مستشار الأمن القومي في الولايات المتحدة. ويقول البعض إن تصرفات واشنطن عززت موقف الحرس الثوري وغيره من المتشددين على حساب الرئيس حسن روحاني الذي كان أبرز داعم للاتفاق النووي. وقالت الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إيلي غيرانمايه، إن الحرس الثوري أصبح قادرا على تعزيز دوره في الاقتصاد والسياسة الداخلية والسياسة الخارجية تحت ستار الأمن. على الرغم من الاضطرابات الاقتصادية، لم تشهد البلاد سوى احتجاجات متقطعة. وقال المحلل السياسي في الشؤون الإيرانية ورئيس مركز كاربو في ألمانيا، عدنان طباطبائي، إنه يعتقد أن الإيرانيين “يترددون في نقل مظالمهم إلى الشارع” في الوقت الراهن خوفا من التسبب في المزيد من الفوضى وخشية رد السلطات. وتقلص الناتج المحلي الإجمالي الإيراني بنسبة 4.9 بالمئة من مارس 2018 إلى مارس 2019. ومن المتوقع أن يتقلص بنسبة 5.5 بالمئة خلال السنة التي ستنتهي في مارس 2020، وفقا لتقرير صادر عن المركز الإحصائي الإيراني. وارتفع معدل التضخم الرسمي إلى 35 بالمئة، من 23.8 بالمئة خلال الفترة الممتدة من مارس 2018 إلى مارس 2019. وقال علي دادباي -وهو أستاذ مختص في الشؤون المالية بجامعة دالاس- إن مالكي العقارات مترددون في بيع ممتلكاتهم ويزيدون في كلفة إيجارها بسبب انهيار العملة. وذكر أن 490 ألف منزل أصبحت فارغة في العاصمة وحولها، بما في ذلك أكثر من 40 ألف شقة أضيفت خلال السنة الحالية. في الوقت نفسه، لا يلبي قطاع البناء الحاجة السنوية التي تقدر بـ1.2 مليون منزل جديد على مستوى البلاد. ويعيش حوالي 25 بالمئة من سكان طهران في شقق مستأجرة، وأصبح أغلبهم غير قادرين على تحمل زيادات الأسعار. تمتلك عائلة بيمان المتكونة من زوجين مسنين وأبنائهما الثمانية شقة مساحتها 110 أمتار مربعة (1180 قدما مربعة) في منطقة فقيرة في طهران، أين تنتشر مشاكل المخدرات وغيرها من الآفات الاجتماعية. ومنذ أكثر من عشر سنوات، عرضت عائلة بيمان الشقة للإيجار واستغلت الدخل الإضافي للانتقال إلى منطقة أفضل.لكنهم اضطروا للعودة إلى شقتهم القديمة وتجديدها بعد زيادة الإيجار التي لم يستطيعوا تحملها. وقال رب الأسرة، الذي يبلغ من العمر 65 سنة، “كان علينا الرجوع إلى هنا لأنه لم يعد أمامنا خيار آخر”. وتعدّ المنطقة 22 واحدة من أحدث المناطق في طهران، وما زالت في طور البناء شمال غرب المدينة. وهي تتألف من شقق شاهقة ومراكز تسوق حول بحيرة اصطناعية تسمى تشيتجار. هناك، اشترت مريم العدادي وزوجها شقة مساحتها 82 مترا مربعا (880 قدما مربعة) في ديسمبر، وهي أقل من شقتهم السابقة بمقدار الثلث. وقالت إن مستوى معيشة العائلة انخفض، وعبرت عن ندمها على تركها وظيفتها الحكومية قبل أربع سنوات عندما ولد ابنها رامي. وقال دادباي إن العقوبات الأميركية أثبتت أنها مدمرة للطبقة الوسطى الكبيرة في إيران. وأضاف “هذه هي الطبقة التي تعتمد على الاقتصاد العالمي ومهارات أفرادها الذين يكسب معظمهم دخلا ثابتا”. يمكن أن يشكّل الانكماش الاقتصادي السياسة الإيرانية المحلية، وتحولت الانتخابات البرلمانية في فبراير إلى اختبار أولي. عادة ما يفضل الناخبون من الطبقة الوسطى المرشحين الإصلاحيين، لكنهم قد يفوتون التصويت بسبب غياب البدائل والخيارات المتاحة، مما يعزز مواقع المتشددين. يرتبط السياسيون المؤيدون للإصلاح الذين يفضلون انفتاحا أكبر على الغرب ارتباطا وثيقا بالاتفاق النووي. وقالت إيلي غيرانمايه “مع تعثر الصفقة، أصبح المتشددون (بمن فيهم الحرس الثوري) أكثر رسوخا في الساحة السياسية الإيرانية”. وتتوقع أن الحرس الثوري “سيصبح قوة لا يستهان بها خلال السنوات القادمة”.
مشاركة :