الأزمة بين واشنطن وطهران تتأرجح بين الحرب والدبلوماسية

  • 7/24/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تتأرجح الأزمة القائمة بين واشنطن وطهران بين الحرب والدبلوماسية، حتى أن دونالد ترامب نفسه قال “إن الأمور بكل بساطة قد تتجه نحو هذا الخيار أو ذاك”، إلا أن الأكيد أن الإستراتيجية الأميركية تبقى غير واضحة المعالم، وخيارات واشنطن باتت محدودة لوقف التصعيد القائم. وتقول سوزان مالوني، الباحثة في مؤسسة بروكينغز للتحليل في واشنطن، “وصلت إدارة ترامب إلى مفترق طرق بشأن ما عليها اتخاذه من قرارات”، مشيرة إلى أن ترامب “يواصل اندفاعه في تطبيق سياسة العقوبات الأقصى” على إيران، لكن هذه السياسة وفي خضم التوترات القائمة منذ ثلاثة أشهر، لا تبعد شبح المواجهة العسكرية المباشرة. وفي ظل التصعيد المتواصل، خاصة من الجانب الإيراني، لم يقدم ترامب جوابا مطمئنا للذين يطالبون بالمزيد من الوضوح في إدارة إحدى أخطر الأزمات الدولية في الوقت الحاضر. واختصر الرئيس الأميركي موقفه بعبارة “الخياران يناسبانني”، وقد واصل فرض عقوبات على إيران تزداد شدة، لكنه في الوقت نفسه كرر الدعوات إلى الحوار مع القادة الإيرانيين. إلا أن القادة الإيرانيين رفضوا الدخول في حوار تحت الضغط. وتكررت الحوادث بين الطرفين في منطقة الخليج: إسقاط طائرة مسيرة، ثم هجمات غامضة على ناقلات نفط، ثم تبادل ضبط ناقلات نفط بين طهران ولندن. وتعتبر سوزان مالوني أن إيران تحاول اختبار “الخطوط الحمر” الأميركية. فالرئيس الأميركي ذهب إلى حد القول “نحن مستعدون للأسوأ على الإطلاق”، لكنه في الوقت نفسه أكد على رغبته في تجنب تدخل عسكري في الخليج.صورة ضعف كشف ترامب في يونيو الماضي أنه ألغى في آخر لحظة توجيه ضربات عسكرية ردا على قيام طهران بإسقاط طائرة مسيرة أميركية. وتعتبر باربرا سلافين، المحللة في مجلس اتلانتيك للتحليل في واشنطن، أن مثل هذه المواقف “عكست صورة ضعف للولايات المتحدة”، والخطورة تكمن في مواصلة الأحداث التي يمكن أن تؤدي إلى نزاع لا أحد يريده من حيث المبدأ. والمشكلة في نظر باربرا سلافين أن دونالد ترامب وضع نفسه في وضع معقد عندما انسحب العام الماضي من الاتفاق النووي الموقع مع إيران عام 2015 والذي يمنع إيران من صنع قنبلة نووية، من دون أن يكون له تصور لما بعد هذا الانسحاب. وتابعت مشيرة إلى أن “التصعيد الإيراني كان متوقعا خاصة عندما تقرر في نوفمبر الماضي وقف الاستثناءات التي كانت تتيح لإيران تصدير قسم من نفطها” إلى عدد من الدول بينها الصين والهند. ويعتبر العديد من الخبراء والدبلوماسيين أن طهران إنما تبغي من وراء هذا التوتر الحصول على “نفحة أوكسجين” اقتصادية لأن العقوبات الأميركية تخنق البلاد فعليا. ويضيفون أن إفساح المجال أمام إيران لتصدير البعض من نفطها أو عدم التشدّد كثيرا في فرض العقوبات، يمكن أن يخففا من حدة الأزمة القائمة حاليا. إلا أن واشنطن وجهت للتو إشارات معاكسة تماما عندما اتخذت إجراءات عقابية بحق شركة صينية متهمة بمواصلة شراء النفط الإيراني، وهذا ما يدفع إليه دعاة التشدد الأقصى بوجه إيران داخل إدارة ترامب. من جهتها تعتبر مجموعة الأزمات الدولية أن “إستراتيجية ترامب بفرض الضغوط القصوى على إيران لم ينتج عنها حتى الآن سوى ارتفاع المخاطر إلى الحد الأقصى وتحقيق الحد الأدنى من النتائج”. اتفاق جديدأمام هذه الوقائع يواصل العديد من المراقبين التساؤل عن الهدف الذي يريد دونالد ترامب تحقيقه، خاصة وأنه سمح للسناتور الجمهوري راند بول بالاتصال بوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف. وهل سيمهد هذا الأمر للتوصل إلى “اتفاق جديد” مع إيران وهو التعبير الذي يستخدمه ترامب؟ تقول سوزان مالوني إن ترامب يعتقد ذلك “لكنه واهم جدا إذا كان يعتقد أنه سيكون من السهل التوصل إلى اتفاق حول أمور شديدة التعقيد”. أما جواب باربرا سلافين فهو قاطع “الأمور سائرة نحو الفشل”. لكن، هل يكون الهدف ربما زيادة الضغوط بشكل متواصل لإضعاف النظام وربما إسقاطه كما يأمل بعض صقور إدارة ترامب؟ قد يكون بإمكان الولايات المتحدة تشديد العقوبات ضد الشركات الأجنبية التي تواصل الاتجار مع طهران، وتشديد الضغوط على البرنامج النووي المدني الإيراني الشرعي، وربما زيادة الضغوط على بعض الشخصيات مثل محمد جواد ظريف مثلا. لكن كثيرين يعتبرون أن ذروة العقوبات تحققت مع إنهاء الاستثناءات بشأن بيع النفط الإيراني. وفي هذا الصدد تقول باربرا سلافين “لم يعد هناك الكثير من المجالات على الصعيد الاقتصادي”. وختمت سلافين بالقول “إذا كان الهدف الوحيد هو إضعاف إيران والقضاء على الاتفاق النووي، فسيعني ذلك تصرف إيران أكثر فأكثر كدولة مارقة”. ولتخفيف الضغط على الموارد الأميركية، حاول البيت الأبيض حشد دعم حلفائه الإقليميين والعالميين الذين تهدد الهجمات الإيرانية إمداداتهم النفطية. لكن ذلك لن يكون سهلا، حيث تسببت إجراءات واشنطن الصارمة تجاه إيران خلال العام الماضي في نفور بعض شركائها الأقرب إليها. ومع ذلك، وحتى لو تمكنت الولايات المتحدة من إنشاء هذا التحالف، لن يكون ذلك كافيا لإبطال سيناريو المواجهة.ويذكّر الخبراء بعمليّة إيرنست ويل التي أطلقها الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان، سنة 1987، خلال الحرب العراقية الإيرانية. في تلك الفترة استهدفت إيران عددا كبيرا من ناقلات النفط الكويتية وغيرها من دول الخليج التي ساعدت في نقل النفط العراقي. وسرعان ما تصاعدت الهجمات مما دفع الولايات المتحدة إلى التدخل نتيجة لتهديد وارداتها النفطية المارة عبر المنطقة. كانت عمليّة إيرنست ويل أكبر عملية بحرية في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، حيث نشرت واشنطن العشرات من السفن والطائرات الحربية في الخليج، ورفعت ناقلات النفط الكويتية علم الولايات المتحدة أين سهرت قوات البحرية الأميركية على حمايتها. وعلى الرغم من حجمه وقوته، لم يتمكن الأسطول الأميركي من منع إيران من مهاجمة العراق وناقلات النفط التابعة لحلفائها عبر ألغام بحرية وزوارق سريعة وصواريخ كروز مضادة للسفن. وأدى ذلك في النهاية إلى سلسلة من الاشتباكات بين القوات الأميركية والإيرانية، بلغت ذروتها مع عملية فرس النبي وهو هجوم شنته القوات المسلحة الأميركية داخل المياه الإقليمية الإيرانية سنة 1988. وانتهت الحرب بين إيران والعراق بعد ذلك بأشهر.ما هي النقاط التي تتكرر اليوم يستخلص خبراء في مركز ستراتفور الأميركي العديد من الدروس المهمة عبر مقارنة ما حدث في الثمانينات بما حدث مؤخرا. – أولا، لا يضمن البرنامج أن إيران ستنهي (أو تقلل) هجماتها على ناقلات النفط التي تشق طريقها عبر مياه الخليج. وتعدّ هذه النقطة أبرز في هذه الفترة مما كانت عليه خلال حرب الخليج الأولى نظرا لانتشار الأهداف المحتملة في المنطقة دون عدد كاف من المرافقين لحمايتها كلّها. – ثانيا، كان الدافع وراء الهجمات الإيرانية في الثمانينات مرتبطا بأزمة أعمق وهي الحرب المستمرة مع العراق. في المقابل، تعكس الهجمات الأخيرة التي تعرضت لها ناقلات النفط حالة من القلق العميق في إيران مع تراكم العقوبات الاقتصادية الشديدة التي فرضتها واشنطن عليها. ولم يعد لطهران الكثير لتخسره، حيث جعل وضعها المالي المتدهور حكومتها أكثر استعدادا لشن عمليات محفوفة بالمخاطر. بالإضافة إلى أوجه التشابه المذكورة، يجب تحديد كل ما تغير بين الأمس واليوم. ويبرز التحول في واردات النفط من المنطقة على مدار الأربعين عاما المنقضية كأهم العوامل. خلال الحرب بين إيران والعراق، كانت الدول الأوروبية والولايات المتحدة من بين كبار مشتري النفط الخليجي. لكن، تحول هذا الاعتماد نحو دول الهند والمحيط الهادئ، بما في ذلك شركاء الولايات المتحدة الرئيسيين مثل الهند وكوريا الجنوبية، وخصومها مثل الصين. إلى جانب هذه الديناميكية المتغيرة، يذكر نهج إدارة ترامب المختلف بشأن كيفية التعامل مع تهديدات الأمن القومي. على عكس ريغان الأكثر تشددا مع إيران، أعطى ترامب الأولوية لجهود خفض التزامات الولايات المتحدة الأمنية خارج حدود بلاده. كما لا يبدي رغبة في تحمل أعباء الموارد العسكرية اللازمة لتأمين حركة ناقلات النفط في الخليج. نتيجة لذلك، يضغط البيت الأبيض على حلفائه في الخليج وعلى الدول التي تستورد النفط في المنطقة (مثل اليابان وكوريا الجنوبية والهند والدول الأوروبية) للمساهمة بنسبة أكبر في برنامج حماية الناقلات، وتردد هذه الدول التي يرتبط البعض منها بعلاقات مع إيران، يعطي هذه الأخيرة الدافع نحو المزيد من الاستفزاز والتصعيد. حل أوّلي لمشكلة أعمقلا يعد حجم العملية جوهر القضية، بل تكمن المشكلة الحقيقة في هدف هذه المبادرات المقتصر على “معالجة الأعراض وتجاهل أسباب العدوان الإيراني الجذرية”. ويقول الخبراء في ستراتفور إن إيران تسعى إلى مواصلة الانتقام مما تعتبره جهودا أميركية لتغيير النظام وإضعاف البلاد، واختارت الخليج وغيره من المسارح الأخرى في الشرق الأوسط للرد على هذا الطرف الغربي. لذلك، كلما استمرت الولايات المتحدة في زيادة الضغط على طهران زاد خطر تصاعد التوترات إلى صراع مباشر (سواء كان هذا “حادثا” آخر في الخليج، أو صراعا في مكان آخر من المنطقة، أو مواجهة مرتبطة ببرنامج إيران النووي)، وبالتالي فإن الأمور في النهاية ستحتاج إلى تحديد هذا الخيار أو ذاك، وهو أمر قد يكون مرتبطا بالانتخابات الأميركية القادمة أكثر حتى من ارتباطه بالتهديدات الإيرانية نفسها.

مشاركة :