مناخ جامح يضع قدرة العقل الياباني في الميزان

  • 7/24/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

مع بداية العد التنازلي لعام واحد يتبقى على انطلاق دورة الألعاب الأولمبية الصيفية المقررة في العاصمة اليابانية (طوكيو 2020)، تثير موجة الحر الشديد التي تلفح اليابان جدلا بشأن توقيت الأولمبياد المقرر في يوليو وأغسطس من العام القادم، اللذين يشهدان ذروة الحر والرطوبة والمخاطر الصحية المحتملة على الرياضيين والجماهير على السواء. ويفسد الطقس الحار المنتظر في الصيف القادم الفخر الكبير الذي يبديه المنظمون بما جرى إنجازه في الملاعب التي ستجري فيها المسابقات وخاصة في الملعب الرئيسي للدورة. تقدم في الإنجازات نظمت اللجنة المنظمة مؤخرا جولة للصحافيين في الملعب الرئيسي للدورة، معلنة بفخر أنه جرى الانتهاء من 90 بالمئة من الأعمال في الملعب، وأنه سيكون جاهزا قبل نهاية نوفمبر المقبل. وتبلغ تكلفة بناء الملعب الرئيسي 150 مليار ين ياباني (1.3 مليار دولار)، وقد صممه المهندس الياباني كينجو كوما، وفق طراز يسمح بتدفق الهواء بشكل يخفف من المعاناة من درجات الحرارة العالية، وسيجرى تزويده بمراوح كبيرة ورشاشات المياه. وقبل عام واحد من حفل الافتتاح، لم تعد هناك أي شكوك أو مخاوف بشأن الملعب الرئيسي الذي يحتضن حفل افتتاح الأولمبياد في 24 يوليو 2020. هندسة الملعب الرئيسي تسمح بتدفق الهواء بشكل يخفف المعاناة من درجات الحرارة العالية، وسيجرى تزويده بمراوح كبيرة ورشاشات المياه ومن بين المواقع المستضيفة للمنافسات، جرى تشييد ثمانية مواقع لتستخدم على المدى البعيد، وجرى الانتهاء من أعمال البناء في خمسة منها قبل الموعد الذي كان محددا. بينما يبلغ عدد المواقع القائمة بالفعل 25، وجرى تجديد عدد منها، بينما تعد المواقع العشرة الأخرى، مؤقتة. وقال الألماني توماس باخ رئيس اللجنة الأولمبية الدولية “لا يمكنني تذكر مدينة مستضيفة للأولمبياد حققت مثل هذا التقدم في استعداداتها قبل عام من انطلاق الدورة.” وأضاف، “إنه أمر مثير حقا وأتطلع إلى انتهاء هذا العام المتبقي على انطلاق الأولمبياد لسببين.” وأوضح “الأول هو أن اللجنة المنظمة قدمت عملا رائعا في الاستعدادات للدورة، والثاني هو الرغبة في رؤية اتحاد الشعب الياباني خلف الدورة الأولمبية.” ويقام أولمبياد طوكيو من 24 يوليو حتى التاسع من أغسطس، وتقام بعدها دورة الألعاب الأولمبية لذوي الاحتياجات الخاصة (البارالمبياد) بين 25 أغسطس والسادس من سبتمبر. تجدر الإشارة إلى أنها المرة الأولى التي تستضيف فيها اليابان الألعاب الأولمبية منذ 56 عاما. وكان أولمبياد طوكيو 1964 قد أقيم في شهر أكتوبر، الذي تكون فيه درجات الحرارة أقل بكثير مقارنة بشهري يوليو وأغسطس.وأقيمت معظم الدورات الأولمبية الصيفية في شهري يوليو وأغسطس منذ عام 1976 واضطر المنظمون للتكيف مع الطقس الحار في العديد من المدن المستضيفة. ومنحت اللجنة الدولية استثناءات، وأقيم أولمبياد سيدني 2000 في الأسبوعين الأخيرين من سبتمبر للتكيف مع الطقس في نصف الكرة الجنوبي. واشترطت اللجنة الأولمبية الدولية على المدن التي تقدمت لاستضافة أولمبياد 2020 تنظيم الحدث في الفترة بين 15 يوليو و31 أغسطس، واختارت طوكيو الفترة بين 24 يوليو والتاسع من أغسطس. ويقول خبراء، إن التوقيت يُحدد بسبب فراغ جدول المنافسات الرياضية، والأرقام القياسية في المشاهدة، والتسويق الرياضي على شبكات التلفزيون. وأبدت اللجنة المنظمة للدورة المقبلة، انشغالا كبيرا بدرجات الحرارة المرتفعة والأعاصير، معتبرة أنها “قضية رئيسية” بالنسبة لها.وقالت يوريكو كويكي رئيسة بلدية طوكيو، “نعم في السنوات الماضية تعيش طوكيو واليابان في أجواء حارة كل يوم. وبالنسبة للرياضيين، فأنا واثقة من أنهم يتدربون ويتمتعون بصحة جيدة، لكن بالنسبة للجماهير لا يمكننا الحديث عن أنها تتدرب للوصول إلى حالة صحية جيدة”. وأضافت، “كيف نتعامل مع موجة الحر؟ هذه أحد الأمور التي يجب التعامل معها من أجل نجاح الأولمبياد”. فقبل عام واحد، شهدت اليابان موجة حر قياسية استمرت لنحو أسبوعين قبل وقوع أعاصير. وسجلت اليابان حالات وفاة بسبب ضربات الشمس وغيرها من الأسباب المتعلقة بالطقس في يوليو 2018 تعادل أكثر من ثلاثة أضعاف عدد الحالات المسجلة قبلها بعام واحد، حيث وصلت إلى 1032 حالة وفاة، منها 127 حالة في طوكيو.نقلت سيارات الإسعاف إجمالي 7449 شخصا إلى المستشفيات بسبب التعرض لضربة الشمس، خلال شهري يوليو وأغسطس من العام الماضي، وهو عدد لم يسجل في أي مقاطعة أخرى باليابان. ودفعت توقعات درجات الحرارة المرتفعة اللجنة المنظمة لتغيير مواعيد بدء بعض المنافسات التي تقام في الهواء الطلق، منها سباقات الماراثون للرجال والسيدات حيث جرى تقديم موعد انطلاقهما ساعة واحدة ليبدآن في الساعة السادسة صباحا بالتوقيت المحلي لتفادي درجات الحرارة المرتفعة. وقال فريق من الباحثين الدوليين جمعوا بيانات عن الحرارة والرطوبة وغيرها من الظروف المناخية على امتداد مسار ماراثون طوكيو في أواخر يوليو ومطلع أغسطس عامي 2016 و2017، إن الظروف قد تضع الرياضيين والمتفرجين أمام مخاطر تزداد فيها احتمالات الإصابة بضربات شمس، وحثوا المنظمين على توفير المزيد من المناطق التي يتوفر بها الظل. وقال ماكاتو يوكوهاري أستاذ الدراسات البيئية بجامعة طوكيو الذي شارك في إعداد الدراسة ويقدم المشورة للجهة المعنية بتنظيم الأولمبياد، “أخشى أن تكون الظروف في طوكيو الأسوأ في تاريخ الأولمبياد”. وقرر المنظمون أيضا تغطية مسار الماراثون وغيره من الطرق الرئيسية بأكثر من 10 كيلومترات من مادة الراتينغ التي تعكس الأشعة تحت الحمراء وتقلل من حرارة الأرصفة بما يصل إلى 8 درجات مئوية. وفي الوقت الذي تواصل فيه اللجنة المنظمة العمل في جوانب واستعدادات محددة، تقوم حكومة طوكيو بتنفيذ مشروع تغطية مسافة 136 كيلومترا في طرق وسط المدينة بطبقة خاصة للتخفيف من تأثير الحرارة.وخلال المراحل التجريبية في صيف العام الحالي، ستقيم حكومة المدينة مراوح وخيام ورشاشات رذاذ بالقرب من مواقع استضافة الفعاليات الأولمبية. وقالت يوريكو كويكي، “طورنا تكنولوجيا رذاذ الضباب في حجم حبيبات النانو، وفي ما يتعلق بالشوارع هناك العزل الحراري، فعلى سبيل المثال لو كان الإسفلت عليه طبقة العزل الحراري سيساعد ذلك على تقليل درجات الحرارة بنحو 8 درجات مئوية”. وقال ماسا تاكايا المتحدث باسم دورة أولمبياد طوكيو، “نحن نجهز لاتخاذ إجراءات مضادة للحر في كل الجوانب المحتملة”. أولمبياد إعادة الإعمار أولمبياد طوكيو تصف اللجنة المنظمة أولمبياد طوكيو، بأنه “أولمبياد لإعادة الإعمار”، وذلك في إشارة إلى جهود التعافي في شمال شرق اليابان، من زلزال عنيف وموجات مد عاتية (تسونامي) وقعت في 2011 وأدت إلى تدمير ثلاثة مفاعلات في محطة “فوكوشيما دايتشي” النووية. وكانت تلك الكوارث الطبيعية قد خلّفت أكثر من 18 ألفا من القتلى والمفقودين بينما لم يتمكن عشرات الآلاف من العودة إلى منازلهم في المناطق القريبة من محطة فوكوشيما دايتشي، نظرا للمخاوف من التلوث الإشعاعي. وأثيرت المخاوف بشأن مركز الألعاب المائية واستحوذت الشركة المكلفة بتنفيذ النظام الهيدروليكي على الاهتمام بشكل كبير إثر بيانات تتعلق بالسلامة في حالة وقوع زلازل. ونتيجة لذلك، قامت الشركة بتبديل النظام للتصدي لأي عواقب محتملة. كان من المفترض أن يكتمل العمل في المركز مع نهاية العام الجاري، لكن سيجرى افتتاحه في فبراير المقبل. وتواجه اللجنة المنظمة مشكلة أخرى، تتمثل في ازدحام السكك الحديدية والاختناقات المرورية في العاصمة. ويتنقل في العاصمة طوكيو يوميا 8 ملايين مواطن، ويتوقع أن يزيد العدد بواقع 650 ألف شخص في أيام الذروة خلال فترة الأولمبياد. وتتوقع اللجنة المنظمة أن يتضاعف الازدحام على طرق وسط العاصمة طوكيو في الصيف المقبل، إن لم يجر اتخاذ التدابير لتفادي الأمر. ويحذر الخبراء من أن نظام النقل عبر الأنفاق سيخضع للاختبار قريبا، عندما يتوجه الملايين من المسافرين الأجانب إلى طوكيو، لمواكبة الألعاب الأولمبية الصيفية. أولمبياد طوكيو ويقول مسؤولون يابانيون إن شبكة المترو تتحمل الآن العمل بأكثر من طاقة استيعابها، ما يبعث المخاوف بشأن كيفية نقل العدد الإضافي للزائرين خلال الألعاب، خاصة في أوقات الذروة. ويحذر هؤلاء من اللجوء إلى العمل بنسبة 300 بالمئة من طاقة الاستيعاب، وهو ما قد يشل نظام الشبكة بكاملها. وتدفع ثقافة العمل اليابانية بالناس الذين يلجأون إلى مواجهة العواصف، بالمكوث أكبر وقت ممكن في مكان العمل، وهو ما يعد في حد ذاته مشكلة، وسببا في انهيار نظام النقل بسبب رداءة الأحوال الجوية. وأمام هذه التحديات قدمت الحكومة اليابانية خطة، تأمل من ورائها التخفيف من حدة مشكلة الاكتظاظ، وتتمثل في تشجيع الشركات على تغيير ساعات عمل موظفيها، وإحداث مكاتب عمل فرعية بعيدة عن المناطق المكتظة المعتادة أو العمل من المنازل، في الصيف المقبل. أولمبياد طوكيو وتقول أكبر شركة اتصالات في البلاد وهي “أن.تي.تي” إنها اعتمدت الخطة سنة 2016 وكانت مثمرة بالنسبة للشركة، ولكن هناك الكثير الذي ينبغي فعله كما تقول، لكي تتغير عقلية العمال اليابانيين. واعتبارا من الاثنين الماضي، بدأت الحكومة والشركات في طوكيو عملية تجريبية لتدابير من شأنها أن تخفف الازدحام خلال الأولمبياد القادم، منها العمل عن بعد أو في توقيتات تتسم بالمرونة. وتعد حالة بعض محطات المترو أكثر سوءا من غيرها، مثل محطة شينجوكو وهي أكثر المحطات ازدحاما في العالم، إذ يرتادها 3.5 مليون مسافر يوميا. ويتوقع أن يشارك 600 ألف مواطن في البرنامج التجريبي الذي سيستمر حتى السادس من سبتمبر المقبل. المزيد من التذاكر أولمبياد طوكيو من ناحية أخرى، أعلنت اللجنة المنظمة في وقت سابق من يوليو الجاري أن المرحلة الأولى من عملية بيع تذاكر الأولمبياد سجلت بيع نحو 3.2 مليون تذكرة. وفي ظل الإقبال الهائل وغير المتوقع على شراء التذاكر اضطر المنظمون لإعادة تقييم حجم التذاكر المطروحة أمام الجمهور الياباني وسيعاد فتح باب الشراء مرة أخرى في أغسطس المقبل لمن فقد فرصة نيل تذاكر في المرحلة الأولى للبيع. وقال ماسا تاكايا، “كانت هناك طلبات هائلة في المرحلة الأولى وهذا فاق توقعاتنا بالتأكيد”. وأضاف “نحن سعداء بهذا الحماس الشديد بين جماهيرنا في اليابان وعلى الأرجح ستكون هناك مرحلة ثالثة لبيع التذاكر بين المواطنين”. وأشار منظمون إلى أن 7.5 مليون تقدموا بطلبات للحصول على بطاقة المشجع المطلوبة للحصول على التذاكر ومن المتوقع طرح 7.8 مليون تذكرة أخرى. وقدرت اللجنة المنظمة عدد التذاكر التي ستكون متاحة بأكثر من 9 ملايين تذكرة، حسب ما نقلته وكالة أنباء “كيودو” عن مصادر لم تكشف عنها. وتنطلق الشعلة الأولمبية من فوكوشيما في 26 مارس المقبل وتستمر جولتها لمدة 121 يوما في كل اليابان. وقالت عمدة طوكيو، “أمامنا عام واحد فقط على انطلاق الأولمبياد، سنستعد جيدا بكل ما لدينا من طاقة، حيث إننا نأمل في أن تحمل الدورة الأولمبية ذكريات رائعة للرياضيين ولسكان طوكيو والشعب الياباني وكذلك الزوار من جميع أنحاء العالم.”

مشاركة :