جمعني حوار مطول وشائق مع مبتكر الخريطة الذهنية mind map البريطاني الشهير، توني بوزان. سألته عن شعوره وهو يرى خريطته الذهنية التي تعتبر من أشهر وأبسط وسائل ترتيب الأفكار في العصر الحديث، فقال لي: «محمد، لا تتخيل شعوري وأنا أرى من خلال محرك البحث غوغل، أن هناك أكثر من نصف مليار موضع يتحدث عن هذه الخريطة، التي رأيتها في المناهج الدراسية العربية والصينية والإنجليزية والأمريكية وغيرها» انتهى كلامه. شخصياً، معظم مقالاتي تبدأ بخريطة ذهنية، وكذلك الحال عن الإعداد للقاء تلفزيوني أو مؤتمر مهم. فهي عبارة عن فكرة بسيطة تضع من خلالها أفكارك أو قراراتك أو خططك، أو ما تعلمته في أي مكان في خريطة ملونة ومدعمة برسومات بسيطة، إن أمكن، تجعل عملية تذكر التفاصيل في غاية السهولة. وهذه الخريطة تحاكي فطرة تفكير الدماغ، لأنها تقوم على فكرة رسم دائرة أو وضع رسمة أو صورة في منتصف الصفحة للفكرة أو عنوان الموضوع الرئيس، ثم تتفرع منها خطوط مائلة كالأغصان، التي تتفرع منها أغصان أخرى أصغر (أفكار فرعية أو أمثلة أو استشهادات). هذه الوسيلة لقيت انتشاراً منقطع النظير عالمياً، لبساطتها، ولأنها تتماشى مع فطرة تفكير العقل، فدماغ الإنسان تتحكم فيه مليارات الخلايا المترابطة، التي هي عبارة عن دوائر تفسر لنا كل صورة أو رسمة أو تجربة أو صوت أو كلمة نراها أو نشعر بها. بعبارة أخرى، حينما تقول أو تسمع كلمة «لبنان»، يتفرع من الخلايا الدماغية في لحظة كل ما يشغل بالك حالياً عن هذا البلد، سواء مأكولاته أو مشروباته أو ملبوساته أو ثقافته وذوقه الرفيع، بل حتى صراعاته الدائرة. بعبارة أخرى، عندما تسمع مديراً في اجتماع أو محاضراً يحذر من «تداعيات سلوك ما»، هنا يمكن كتابة هذا السلوك في الدائرة الوسطى، ثم نفرع منها خطوطاً مائلة فيها رؤوس أقلام من كلمة أو ثلاث كلمات، ما إن نراها حتى نتذكر الموضوع نفسه. ووجدت أن هذه الطريقة فعالة في اللقاءات التلفزيونية الخاطفة، خصوصاً القنوات الإخبارية، إذ ليس هناك متسع كافٍ من الوقت لقراءة جمل تتجاوز الأربع كلمات. والأمر نفسه يحدث، إذا كان أحدنا يستمع مثلاً إلى أكثر من شخص في اجتماع ما، فيمكنه رسم دائرة لكل متحدث، ثم يتفرع منها خطوط كأشعة الشمس، أو الأغصان التي تحمل كل منها كلمة مفتاحية (key words)، وذلك لأن الكلمة تسهل علينا «التذكر»، وتمنحنا «الحرية» في تفريع كلمات أكثر غير مرتبطة بأمر محدد. فمثلاً، حينما تكتب في الدائرة الرئيسة الوسطى كلمة «التقرير»، أفضل من أن تدون «متطلبات التقرير»، لأن الحالة الأولى أشمل، وتعطينا مرونة في تفريع أمور أخرى نوقشت أو تود الحديث عنها، مثل النقاط الفرعية، كنتائج التقرير، أو المشاركين فيه، أو ميزانيته، وهذه هي فكرة الخريطة، لأنها تمنح عقولنا حرية التوسع بالأغصان، لتجمع أكبر قدر ممكن من أفكارنا، أو ما تعلمناه أو ما نعتزم القيام به من مشاريع أو قرارات. وعليه، فإن الكلمة الوسطى تكون عامة (قرص الشمس)، ثم يتفرع منها «أشعة» أو أغصان أكثر تحديداً (نقاط فرعية). وقد أخبرني بوزان أن خريطته الذهنية، ترفع معدل تركيز وانهماك المستمعين، وهو ما لمسه في ورش عمله حول العالم. وذكر أن رئيس الوزراء الماليزي، مهاتير محمد، دعاه بنفسه لمساعدته في تطبيق هذه الخريطة في مناهج التعليم، مثلما فعلت سنغافورة، التي «صار كل طفل تسأله في الشارع: هل استخدمت أو سمعت عن الخريطة الذهنية؟ سيقول لك: نعم»، على حد قوله، لأنها أدخلت في المناهج، لكونها طريقة ممتعة في تلخيص ما تتعلمه، فتتذكره بسهولة لاحقاً، شريطة استخدام الألوان التي أثبتت الدراسات أن لها تأثير قوي في التفكير والتذكر، الأمر الذي دفع الرئيس المكسيكي ووزارة التعليم، إلى دعوته لتفعيل هذا الأمر في المناهج التعليمية. وحتى الرئيس الأمريكي الأسبق كلينتون ونائبه آل غور، أشادا علناً بقوة تأثير الخرائط على مستقبل الإنسان وتفكيره. طباعةEmailفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App
مشاركة :