علي العبداني..مرآة صادقة لمجتمعه

  • 7/26/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ولد الأستاذ علي بن حمد بن إبراهيم العبداني في مدينة البكيرية بمنطقة القصيم، وعند بلوغه الثامنة من عمره أدخله والده كتاب المطوع عبد الرحمن الكريديس في مسجد تركي، فحفظ القرآن الكريم وتعلم مبادئ الكتابة والحساب وبعض العلوم. انتقل مع عائلته للرياض عام 1363هـ وبقي بها مدة سنة قبل أن تعود العائلة مرة أخرى إلى البكيرية، وعند افتتاح أول مدرسة نظامية (مدرسة العزيزية) عام 1367هـ التحق بها فواصل تعليمه حتى تخرج بتفوق، ولتميزه ولحاجة المدرسة إلى مزيد من المدرسين فقد عين أستاذاً في هذه المدرسة، وقيل إنه عين مدرساً قبل تخرجه، بل وهو في السنة الخامسة، فكان يدرس طلاب السنة الأولى ويواصل دراسته حتى تخرج وكان ترتيبه السابع على طلاب مدارس المملكة، وواصل تعليمه بالمدرسة بعد التخرج وعرف باسم الأستاذ. وخلال العامين 67- 1368هـ رشحه قاضي البكيرية الشيخ عبد العزيز السبيل ليصبح إماماً في مسجد الحسون، وكان قد حفظ القرآن، فأم المصلين في هذين العامين إضافة إلى دراسته، وكان في الخامسة عشرة من عمره. استمر مدرساً في العزيزية حتى افتتحت مدرسة جديدة في البكيرية عام 1372هـ هي المدرسة السعودية، فاختير للإشراف عليها وإدارتها. قال عنه أستاذه في المدرسة العزيزية إنه يمتلك مذياعاً (راديو) وأنه يستمع بحرص إلى البرامج الثقافية والأخبار السياسية، ويتابع باستمرار إذاعة لندن، وقيل إنه أول من امتلك مذياعاً في البكيرية، ولا غرابة في ذلك فوالده حمد المغامر الجسور الذي ذهب مع العقيلات في رحلات تجارية خارج المملكة، وعمل مع البحارة بالغوص بحثاً عن اللؤلؤ، ما وسع في أفقه ونمىّ وعيه ومعرفته عند معايشته لمن سبق في مجال العلم والمعرفة، ولهذا جاء ابنه علي متأثراً به، رغم معارضة كثير من الناس الذين يصل بهم الأمر إلى تحريم المذياع. في أواخر عام 1372هـ انتقل علي العبداني إلى مدينة الرياض والتحق بالمعهد العلمي بعيد افتتاحه، وقد وصفه زميله بالمعهد محمد بن عبد الرحمن بن دخيل بمقال بصحيفة اليمامة في 16/ 4/ 1379هـ بأنه قوي الحجة، سريع البديهة، متوقد الذهن، حاضر النكتة، وأنه كان متفوقاً علمياً وثقافياً على زملائه، بل حتى على طلبة كليتي العلوم الشرعية واللغة. وعند تولي الملك سعود الحكم وقام بجولة في أنحاء المملكة العربية السعودية، فعند زيارته لمدن القصيم، زار البكيرية منتصف شهر جمادي الآخرة 1373هـ. فاختير علي العبداني لإلقاء كلمة الأهالي ترحيباً بهذه الزيارة فجاء من الرياض، حيث كان يدرس، فقال عنه الشيخ صالح المحمود.. اختير لأنه كان فصيحاً، بليغاً، مفوهاً، فألقى كلمة حازت على إعجاب الملك وإعجاب الحاضرين. وكان وقتها لم يتجاوز العشرين من عمره، وقد سلم بعدها على الملك سعود، الذي أثنى عليه، كما سأله عن اسمه، ودعا له بالتوفيق وكافأه. وخلال دراسته بالمعهد عمل مراسلاً لجريدة (البلاد السعودية) التي تصدر من مكة المكرمة، وكان يوافيهم بأخبار البكيرية. وقد قويت صلته بالشيخ حمد الجاسر عندما كان وكيلاً لمدير المعاهد والكليات فأعجب به، وكان الجاسر يعد لإنشاء أول شركة طباعة في منطقة نجد، وتحويل مجلة اليمامة الشهرية إلى صحيفة أسبوعية، فاختار العبداني لإدارة المطبعة التي أطلق عليها اسم شركة الطباعة والنشر الوطنية - مطابع الرياض- فصدرت جريدة الرياض الأسبوعية يوم الأحد 1 صفر 1375هـ 18 سبتمبر 1955م، وشهد له زملاؤه بالمطابع بدقته في المواعيد وحرصه ومواظبته ونشاطه فأحبه الجميع وأعجبوا به وكسب حبهم وتقديرهم. إضافة لعمله الإداري أصبح يكتب بالجريدة. فكانت أولى مقالاته في العدد 13 ليوم الأحد 25/4/ 1375هـ بزاوية بعنوان: (صوت الجمهور) وكان مقاله الأول (في محيط التعليم: البيت والمدرسة) في الصفحة الأولى. ومن العدد 93 أصبح عنوان الزاوية: (في الصميم). وكان يكتب في الشأن العام متلمساً حاجة المواطنين من خدمات ومعالجة مشكلاتهم الاجتماعية، ومطالباً بالاهتمام والرقي بالصحة والتعليم. إضافة لكتابات أخرى كرسالة البكيرية ضمن راوية (رسائل المدن والأقاليم) كما كتب سلسلة قصصية بعنوان: (قال الشيخ لتلميذه). قال عنه الأستاذ سليمان الحديثي في كتابه (يوم بكت الصحافة): «.. ومن يطالع مقالاته يرى فيها صدق اللهجة، والجرأة، والبحث المستمر عن حلول المشكلات التي يعيشها المجتمع، ومطالبة المسؤولين بتأدية واجبهم تجاه الوطن والمواطن، كان كاتباً وطنياً، سخر قلمه لخدمة المجتمع والدفاع عن قضاياه اليومية. حارب الفساد الِإداري، وكشف جشع التجار، مطالباً بوضع حدٍ لطمعهم وجشعهم، طالب بإصلاحات في التعليم والصحة، وأمانة مدينة الرياض، والطرق، والمواصلات، وسكة الحديد، والمطار .. وغيرها. وبالإجمال فقد كان مرآة صادقة لواقع المجتمع.. وكان القلم الأمين الذي حمل هموم عامة الناس وأوصلها إلى الجهات المعنية، ذات الاختصاص، وقد واجه في سبيل ذلك مجموعة من المتاعب والمصاعب، كما هو واضح من المقالات التي كتبت في تأبينه. وكما سمعت من بعض معاصريه..». وكما يقول الحديثي : «.. كان علي العبداني - إضافة إلى عمله مديراً لمطابع الرياض- أحد محرري جريدة اليمامة، وكتابها الدائمين. وأحياناً إذا غاب رئيس التحرير الشيخ حمد الجاسر يتولى هو رئاسة التحرير نيابة عنه، وكتب آخر ما نشر له في اليمامة بعنوان: أسبوع في جدة. وقد عدت لمقاله الأخير: «أسبوع في جدة» الذي نشر في العدد 187 وتاريخ 10/ 3/ 1379هـ الموافق 3/ 9/ 1959م فوجدته يتحدث ويشيد بمصنع الأسمنت بجدة، ويعرض ما يلاقيه من مشاكل، وذكر أهمها عدم توافر الأيدي العاملة الوطنية.. وحتى لا يعتمد المصنع وغيره على العمالة المهرة من الخارج.. يطالب بالتعليم المهني لأبناء هذه البلاد حتى تتغلب على هذه المشكلة، ومنها منع التجار من استيراد الأسمنت حتى لا ينافس إنتاجنا ويصاب بالكساد، وضرب مثلاً في فشل مصنع الصابون، واختتم مقاله بقوله : «.. إننا لا نقول بالاحتكار وترك المصانع الداخلية تبيع بالسعر الذي يعجبها، لا بل نرى التشديد في مراقبتها وتحديد الأسعار المعقولة لها، وإنما الذي نقوله هو حمايتها من الاستيراد الخارجي ومراقبة التجار الذين يستوردون بدون حساب ...» ص9. ثم جاء خبر موته في حادث انقلاب سيارة قادمة من المدينة المنورة إلى جدة قرب ذهبان في ليلة الخميس 21/ 3/ 1379هـ، وذكرت جريدة البلاد أنه توفي في المستشفى العام بباب شريف، حيث نقل إليه بعد الحادث..». وقد نشرت جريدة البلاد خبر موته تحت عنوان «حديث الساعة» بقلم عبد اللطيف المي، أثنى فيه على الفقيد العبداني. وذكر ما يلاقيه الصحفيون من حوادث وهم يؤدون عملهم.. كما نعته الإذاعة السعودية يوم وفاته، ونشرت جريدة أم القرى نعياً رسمياً من المديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر مع تعزية لأسرته وأسرة تحرير جريدة اليمامة، وقد وصفته المديرية في هذا النعي بدماثة الأخلاق والإخلاص في خدمة الوطن. وقال الحديثي: «ظلت الصحف عدة أسابيع تنشر التعازي والمقالات والقصائد في تأبينه، .. فكتبت عشرات المقالات والقصائد أكثرها لكتاب سعوديين، وبعضها لكتاب عرب وشعراء مثل: عثمان شوقي من السودان، وعلي مهدي الشنواح من اليمن.. وقال إن هذا أمر يستدعي الانتباه، .. أما أن يحدث ذلك لشاب في السادسة والعشرين من عمره، ولم يستقر بالرياض إلا قبل خمس سنوات وأشهر، فهذا ما يثير الاستغراب، ولا أجد له تفسيراً إلا أن هذا الشاب يملك قدرة عالية في تفكيره، وأخلاقه، وتعامله، وعمله، جعلته يكتسب هذه المحبة الكبيرة، والشعبية الجارفة في سنوات معدودة من شتى طبقات المجتمع..». وحين علم الملك سعود بوفاة العبداني تأثر تأثراً بالغاً، فأمر أن يصـرف لوالدته وزوجته وأولاده راتباً شهرياً يساوي راتبه قبل الوفاة. وأمامي الآن العدد 190 من جريدة اليمامة الصادر يوم الأحد 2 ربيع الآخر 1379هـ الموافق 4/ 10/ 1959م وقد حفل بمقالات ترثيه وتشيد بأخلاقه وإخلاصه وتعدد مناقبه ومنهم: سعد البواردي (أبو نازك) يخصص افتتاحية العدد تحت عنوان «العصامي الذي افتقدناه». عبدالله بن خميس بعنوان «مات العبداني». عبدالله بن أدريس بعنوان «إنسانيتنا تجاه الفقيد». عبد الكريم الجيهمان (أبو سهيل) بعنوان «الشاب الذي افتقدناه». عثمان شوقي بعنوان «دموع وأشجان على فقيد الشباب علي حمد العبداني». محمد بن دخيل «عزاء إلى كل قارئ». عبد المحسن بن محمد التويجري، العنوان «هل انتهى العبداني». إبراهيم المحمد الدامغ – قصيدة بعنوان «رعشة الخطب». عبد الرحمن أبو بكر - مطابع الرياض قصيدة بعنوان «لم يفجع الدهر مثلي». وقد خُصصت صفحة نشر بها التعازي من مختلف مناطق المملكة منهم: جريدة الخليج العربي، الراجحي، مدير فندق الحرمين بجدة، إبراهيم السليمان العبداني، موظفو القراجات الملكية، علي العجمي، محمد العبدالله الشعيبي، أبناء الجوف عنهم عافت مناع بن زيد، فالح عواد الجابر، محمد علي محمود فندق مكة، شكر من أسرة اليمامة. كما خصصت اليمامة افتتاحية عددها التالي (191) للفقيد «تحية القلم إلى القلب الرحيم» بقلم: علي حسن فدعق تشكر فيه الملك سعود على عزائه ورعايته لأسرته». هذا وقد أحصى له الدكتور عبد العزيز بن سلمة في كتابه (اليمامة وكتابها) 44 مقالاً في جريدة اليمامة. وذكر لحديثي في كتابه عن العبداني «.. وقد تزوج علي العبداني صغيراً، وهو في السابعة عشرة من العمر» من أم محمد نورة بنت عبد العزيز الحديثي، وكان زواجه منها عام 1370هـ ورزق منها بثلاثة أولاد: محمد وعبدالله ورقية. وقد قامت أمهم الفاضلة بتربيتهم خير تربية، حتى أصبحوا من خيرة الناس ديناً وأخلاقاً.. أما محمد فقد ترقى في السلم الوظيفي بفضل كفاءته، ونشاطه، وإخلاصه، وهو الآن وكيل وزارة المالية المساعد لشؤون الميزانية والتنظيم. وعبدالله أكمل دراسته الجامعية بجامعة ميزوري في الولايات المتحدة الأمريكية متخصصاً في الهندسة الكهربائية، ثم عمل في الشركة السعودية للكهرباء وهو الآن مدير إدارة تخطيط التوزيع في هذه الشركة».

مشاركة :