تشهد العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة، وجمهورية إندونيسيا منذ نشأتها عام 1976، تطوراً ونمواً في مختلف المجالات، خاصة المجال الثقافي، وتعدّ من الشّواهد البارزة على عمق ومتانة العلاقات الأخوية التي تتسم بالتطور وتحقيق ما يلبي طموحات القيادة في البلدين الصديقين، وما يلبي مصالح الشعبين، حيث تميزت العلاقات بين البلدين تاريخياً بنوع من التواشج والتلاقي والتّقارب بين عادات وتقاليد الشعبين، وما يرتبطان به من ثقافة دينية وهوية تقوم على رسالة الإسلام السمحة، ونبذ كل ما هو متطرف في الفكر والخطاب الديني، وذلك للدور المحوري المهم لإندونيسيا إسلامياً وآسيوياً ودولياً، ورغبة إندونيسية واضحة لتمتين العلاقات على المستويات كافة. الإمارات وإندونيسيا تربطهما أواصر تاريخية، وقواسم مشتركة، تجمعها وحدة الموقف، وانسجام الرؤية، والتطلع إلى المزيد من التنمية والحرية ودعم حقوق الشعوب، أما الزيارات المتبادلة والمتواصلة بين قيادتي البلدين الصديقين، فتعكس حرص البلدين والقيادتين على تعميق وترسيخ العلاقات التاريخية بينهما، وبناء مستقبل واعد بالنمو والازدهار للشعبين الصديقين، وبالمزيد من التقارب والانسجام السياسي والاقتصادي والثقافي بين الدولتين، ومنذ مؤتمر باندونغ في إندونيسيا عام 1955، الذي شكل النواة الأولى لنشأة حركة عدم الانحياز والذي خرج بقرارات مهمة لصالح القضايا العربية، وأبوظبي وجاكرتا تسيران في طريق واحد، ومسار واحد، هدفه تعزيز الأمن والسلم العالمي، وخدمة القضايا العربية والإسلامية والإنسانية العادلة، والعمل على توحيد الخطاب الثقافي، نحو «قوة ناعمة» تشكّل حائط صدّ لمواجهة سلبيات «عولمة الثقافة». وفي إطار التعاون الثقافي بين البلدين، شاركت الإمارات في منتدى الأمم المتحدة العالمي السادس لتحالف الحضارات الذي عقد تحت شعار «الوحدة في التنوع الاحتفاء بالتنوع من أجل قيم جماعية مشتركة»، في بالي بإندونيسيا يومي 29 و30 أغسطس 2014، وشارك في المنتدى عدد من وزراء خارجية الدول الأعضاء في مجموعة أصدقاء مبادرة تحالف الحضارات التي تم إطلاقها عام 2005، برعاية الأمم المتحدة، فضلاً عن ممثلي عدد من المنظمات الدولية والإقليمية ومنظمات المجتمع المدني. تعاون إعلامي وثقافي شهد عام 2006 التوقيع على اتفاقية تعاون إعلامي وثقافي بين وكالة أنباء الإمارات، ووكالة انتارا الإندونيسية للأنباء، وهدفت الاتفاقية إلى تعزيز العلاقات بين البلدين الصديقين وتوثيق التعاون بينهما إدراكاً منهما لأهمية التعاون الصحفي في تطوير البلدين واستناداً للقوانين واللوائح السائدة في الدولتين، وتقضي الاتفاقية بتبادل الأخبار، وعلى وجه الخصوص في مجالات الصحافة الثقافية بين الوكالتين واستقبال واستخدام الأخبار التي يبثها الطرفان عبر البريد الإلكتروني لتوزيعها لوكلائهما المحليين، كما قضت الاتفاقية أيضاً بتوسيع التعاون بين الوكالتين من أجل تحسين نوعية وفعالية التقارير الإخبارية واطلاع كل منهما الآخر على الأشياء الأخرى ذات الصلة التي تهم الطرفين. «أبوظبي للكتاب» يحتفي بإندونيسيا من المحطات الثقافية التي تعكس اهتمام الإمارات بالمنجز الابداعي الإندونيسي، ما تمثل في مشاركة كوكبة من أشهر الرسامين والخطاطين، وفناني الرسوم المتحركة ومصممي الجرافيك، والرسوم الهزلية الإندونيسيين، لأسر مخيلة زوار «ركن الرسامين»، ضمن معرض أبوظبي الدولي للكتاب في مايو 2015، وقبل ذلك استقطبت الجامعة القاسمية بإمارة الشارقة في 19 سبتمبر 2018، وفداً من سفارة جمهورية إندونيسيا في الدولة، برئاسة معالي الوزيرة المفوّضة للشؤون الإعلامية والاجتماعية والثقافية روفيتا دجاماوار، وكان في استقبال الوفد الدكتور رشاد سالم، رئيس الجامعة القاسمية، حيث تم خلال اللقاء مناقشة آلية استقطاب الطلبة من جمهورية إندونيسيا ليمثلوا بلادهم على أرض إمارة الشارقة، وفي رحاب الجامعة القاسمية. من جانبها، أبدت الوزيرة روفيتا دجاماوار إعجابها بتجربة الجامعة القاسمية الرائدة، وأشارت إلى أنهم على استعداد لبحث سبل التعاون معها، خاصة في ترشيح الطلبة للدراسة بعد استيفاء كافة متطلبات وشروط القبول المعمول بها في الجامعة. وفي ما يتصل بالنشر وصناعة الكتاب، حضرت إندونيسيا في النسخة الـ 37 من معرض الشارقة الدولي للكتاب الذي استضاف الكاتبة والشاعرة والمهندسة المعمارية الإندونيسية أفيانتي أرماند، مؤلفة كتاب «النّساء اللاتي محيت أسماؤهن» التي أعربت عن سعادتها بوجودها في المعرض، مؤكدة أنّه منصة تستقطب هواة ومحبي القراءة من جميع أنحاء العالم، مشيرة إلى انتهازها هذه الفرصة لتقدم العديد من الحلقات النقاشية حول التقارب الثقافي بين الإمارات وإندونيسيا، واستكشاف العديد من الكتب الإماراتية لمبدعين يعكسون روح الثقافة الإماراتية التي لا تختلف كثيراً عن الروح والهوية الإندونيسية، بما يعني أن هناك قواسم ثقافية وفكرية مشتركة بين البلدين الصديقين. وقال أفيانتي أرماند في إحدى حلقاتها النقاشية في المعرض: يسود في إندونيسيا رأي يفيد بأن الأدب يجب أن يكون لطيفاً ومفيداً للمجتمع، وهو رأي يتمتع بتقليد طويل يعتمد عليه الأدب الإندونيسي، وتبيِّن الأهمية الكبيرة التي يوليها القرَّاء «للاقتباسات الملهمة» إلى أي مدى يُحدِّد هذا الرأي حول الأدب حتى في يومنا هذا التوقُّعات من القراءة، وهذا في تقديري لا يختلف كثيراً عما هو موجود في الحياة الثقافية في الإمارات، حيث وضعت القيادة الحكيمة هنا، وتحديداً في عام 2016 استراتيجية وطنية للقراءة المستدامة، ترسم مستقبلاً جميلاً للدولة والعالم العربي في تعزيز المعرفة والنهوض باقتصاد المعرفة، بجانب مشروع تحدي القراءة العربي، وآثاره العظيمة ثقافياً وفكرياً على المستويات كافة. اكتشاف وأطلقت سفارة جمهورية إندونيسيا في الدولة، في يونيو 2017، برنامجاً ثقافياً دولياً بعنوان «اكتشاف الثقافة الإندونيسية» وغطى البرنامج الموجه للطلاب والطالبات من الإمارات والذي تم تنفيذه في إندونيسيا، ورشات لغوية وثقافية، والتعرف على طبيعة الحياة في المجتمع الإندونيسي، بالإضافة إلى إتاحة الفرصة للمشاركين في البرنامج لفهم الجوانب الديناميكية للمجتمع الإندونيسي بشكل أفضل في الماضي والحاضر والمستقبل، كذلك التّعرف على أهم المعالم السياحية والتاريخية، ومن ذلك إطلاع وفد المشاركين من الإمارات على حديقة «تامان ميني» أو «الحديقة المصغرة لإندونيسيا الجميلة» بالعاصمة الإندونيسية جاكرتا، حيث تتقاطع ثقافات البلاد كافة لتشكل توليفة تترجم التنوع والثراء الثقافي المحلي، وأنشئت، الحديقة الخلابة عام 1975، وهي شبيهة بمرآة تختزل ميزات ولايات إندونيسيا، والغنى الثقافي وأنماط المعيشة التي تتمتع بها كل ولاية، كما تحتضن «تامان ميني» فعاليات ثقافية مثل الفن، والفنون اليدوية التقليدية، والمسرح والرقص الشعبي، وتتكون من أقسام عدة، أبرزها المتحف وحدائق المياه والصبار والأقحوان والعصافير. كما شهد شهر ديسمبر 2018، اهتماماً خاصاً من المثقفين والدبلوماسيين ورجال الإعلام الإندونيسيين، بالاحتفالية التي نظمتها سفارة الدولة في جاكرتا، بمناسبة اليوم الوطني الـ 47 لدولة الإمارات العربية المتحدة والتي اشتملت على فعاليات ثقافية وفنية عكست تراث الإمارات وثقافتها التي لقيت ترحيباً من الجمهور الإندونيسي. بالمقابل احتفت المنصات الإعلامية والصحافة بالإنجازات العظيمة التي تحققت ولا تزال في الإمارات، بفضل الجود الحثيثة للقيادة الحكيمة، واهتمامها بالتنوع والتعدد الثقافي، واستقطاب ثقافة العالم ضمن مشروعها في الانفتاح على الثقافات وحوار الحضارات والأديان. حضور سينمائي شاركت السينما الإندونيسية في عدد كبير من الأفلام في فعاليات النسخة السادسة لمهرجان دبي السينمائي الدولي، ونظم في ديسمبر عام 2009، وضم 168 فيلماً من 55 دولة، وشكّل حضور المخرج وكاتب السيناريو والمنتج الإندونيسي ريري رضا - مواليد 1970، حالة نوعية وتحدث عن مسيرة السينما الإندونيسية، كما أبدى إعجابه بإنجازات مهرجان دبي السينمائي على الصعيد الدولي، والإسهام في صناعة سينما إماراتية متقدمة. تـــراث إندونيسيا في أحضـان دبـي في مارس من عام 2016، شاركت جمهورية إندونيسيا، بجناح نوعي في القرية العالمية بإمارة دبي التي تعد بيئة حاضنة لثقافات شعوب العالم، والتي تأخذهم في رحلة ساحرة وثرية إلى مختلف قارات العالم كل موسم، وتبدو ملامح قارة آسيا جلية. وتفرد الجناح الإندونيسي بمظهرة البديع وواجهته التي تحاكي مسجد عبد الرحمن الكبير بتفاصيله الزاخرة بالتراث الإندونيسي العريق وساده اللون الأبيض الذي يعكس النقاء والصفاء، بالإضافة إلى القباب والمآذن التي تثري المدخل الخارجي لهذا الجناح الذي قدم عبر أركانه توليفة منتجات متنوعة تشمل الأعشاب والصابون الإندونيسي المصنوع يدوياً والزيوت العطرية من مدينة بالي بنفحات الخزامى وزهر الفرانجيباني، إلى جانب أصناف متعددة من الشاي الأخضر وغيرها الكثير، هذا إلى جانب تقديم روح الثقافة الإندونيسية، من عادات وتقاليد وفلكلور ومشغولات يدوية، وتحف تذكارية، وكتب ومنشورات وملصقات تبرز أهم الأماكن والمعالم السياحية والتاريخية في هذا البلد الذي يعتبر سياحياً بامتياز. اللوفر أبوظبي في الفترة الممتدة ما بين 25 أبريل، ولغاية 23 يوليو 2019، نظم متحف اللوفر أبوظبي، معرضه العالمي الرابع، في الموسم الثقافي «تبادل فتفاعل»، تحت عنوان «العالم بعدساتهم: أولى الصور الفوتوغرافية 1824 - 1896»، وتضمن 250 صورة سلطت الضوء على تطور التصوير الفوتوغرافي منذ اختراعه، وذلك عبر مجموعة نادرة من أولى الصور الفوتوغرافية، وسجل المصور الإندونيسي الشهير كاسيان سيفاس (1845 - 1912) وهو أول إندونيسي يمتهن التصوير الفوتوغرافي، حضوراً نوعياً في هذا المعرض، وحظيت أعماله باهتمام جماهيري ونقدي لافتين. في شهر مارس من عام 2018، زارت الإمارات «فرقة ثلاثي إينسولا» للموسيقى الشعبية الإندونيسية، وفنون الجاز، وقدمت عروضاً فنية ناجحة في قصر الإمارات بالعاصمة أبوظبي، وعروضاً مماثلة في إمارة دبي، وضم الثلاثي كلاً من عازف العود الجزائري رضا بن عبد الله، والدكتور في العلوم الموسيقية من جامعة باريس، وعازف البيانو المارتينيكي ماهر بوروي، والموسيقي البرازيلي ادريانو تينوريو، وإلى جانب الأمسيات الموسيقية التي أحياها الثلاثي، قدمت للجمهور حواراً حول الثقافات في إندونيسيا.
مشاركة :