تتبع فريق دولي يضم 150 عالماً من 26 دولة، حوالى ألفي سمكة قرش عبر الأقمار الاصطناعية، وجمع بياناتها من خلال استقبال الإشارات اللاسلكية القادمة من أجهزة الاستشعار "tags" المثبتة على زعانف هذه القروش. وكشفت هذه الدراسة، التي نشرتها مجلة "نيتشر ريبورتس"، أنه حتى المناطق النائية في المحيطات لا تقدم ملاذاً أمناً لأسماك القرش من أساطيل الصيد الصناعية خلال هجرتها المستمرة. وقام أستاذ علوم البحار في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) الدكتور كارلوس دوارتي، المشارك في هذه الدراسة البحثية، بجمع الباحثين المهتمين بدراسة هجرة هذه الكائنات البحرية الضخمة، والعمل على تحديد مواقع تكاثر أسماك القرش وتجمعها في المحيطات بدقة غير مسبوقة. يقول دوارتي: "توضّح هذه الدراسة مدى الحاجة إلى التعاون البحثي الوثيق بين العلماء من حول العالم لشرح تحديات حماية البيئة البحرية والحفاظ عليها بصورة أفضل في المحيطات المفتوحة". وأدت الانخفاضات الإقليمية في وفرة بعض أنواع أسماك القرش الكبيرة، مثل "الماكوس" ذات الزعانف القصيرة (أسرع سمكة قرش في العالم) إلى نداءات دولية واسعة لتقنين أنشطة الصيد في أعالي البحار، خصوصاً أن أسماك القرش الكبيرة التي تعيش في المحيطات المفتوحة تمثل أكثر من نصف أسماك القرش التي تم تحديدها في مصايد الأسماك المستهدفة حول العالم. وتكمن المعضلة في تحديد الأماكن الواسعة التي تتجمع فيها أسماك القرش في المحيطات، ومعرفة كمية أنشطة صيد الأسماك التي تتم في تلك الأماكن. لهذا السبب يعكف فريق الباحثين الدوليين على عمل تحليلات للبيانات الضخمة الجديدة عن المحيطات بهدف حمايتها بشكل أفضل. ويقول دوارتي: "من خلال جمع الخرائط العالمية التي ترصد تعداد وهجرة أسماك القرش من أكثر من 150 باحثاً في جميع أنحاء العالم، إضافة الى جمع بيانات حركة سفن الصيد التجارية وتحديد مواقع أنشطتها عبر نظام تحديد الهوية الآلي للسفن، تمكنا من رسم خريطة عالمية توضح بدقة المخاطر التي تواجه أسماك القرش من أنشطة صناعة صيد الأسماك في المحيطات. وسيساعد هذا العمل على تعزيز الحفاظ على الحياة البحرية لهذه الكائنات خصوصاً تلك المهددة بالانقراض". ووجد الباحثون أن معظم أماكن تكاثر وتجمع أنواع أسماك قرش البحار المفتوحة تقع في الغالب في المناطق الأمامية من المحيطات، وهي حدود بحرية بين كتل مائية مختلفة ذات وفرة عالية وغنية بالغذاء. وحسب الباحثون لاحقاً المساحات التي تتقاطع فيها هذه البيئات البحرية الغنية مع أنشطة أساطيل سفن الصيد التي تستخدم صنارات صيد طويلة جداً، وهي من معدات الصيد المخصصة لصيد معظم أسماك القرش البحرية، ويمكن لكل سفينة نشر صنارات صيد طويلة بطول 100 كيلومتر مثبت عليها حوالى 1200 طعم بصورة يومية. وجد الباحثون أن 24 في المئة من متوسط المساحة الشهرية التي تستخدمها أسماك القرش في المحيطات العالمية تقع تحت تأثير المصايد السمكية الصناعية التي تستخدم الصنارات الطويلة. بالنسبة لأسماك القرش المستغلة تجارياً مثل القرش شمال الأطلسي الأزرق وقرش "الماكوس" ذو الزعانف القصيرة، كان التأثير أعلى بكثير، إذ كان متوسط المساحة الواقعة تحت تأثير الصيد بين 76 و62 في المئة من المساحة التي توجد فيها هذه القروش على التوالي. ولم يسلم من هذا التأثير حتى الكائنات البحرية المهددة والمحمية دولياً، مثل القرش الأبيض الكبير وقرش "البوربيجل" والتي يتجاوز تقاطع عمليات الصيد الصناعي مع بيئاتها نسبة 50 في المئة. ويقول الدكتور ديفيد سيمز، المؤلف المشارك في هذه الدراسة، وأحد القائمين على مشروع الهجرة العالمية لأسماك القرش الضخمة في مختبر جمعية الأحياء البحرية في بليموث، في المملكة المتحدة: "تُظهر نتائجنا أن أنشطة صيد الأسماك في أعالي البحار تتركز حالياً في المناطقة الحيوية المهمة من الناحية البيئية لأسماك القرش في جميع أنحاء العالم". يُذكر أن هذا الدراسة تؤكد على أن هذا التقاطع الكبير بين خطوط الصيد الصناعي وأماكن تكاثر القروش قد يؤدي الى زيادة متوقعة وكبيرة في أنشطة الصيد، الأمر الذي سيشكل "تهديد مزدوج" لأسماك القرش من ناحية خفض تعدادها والتأثير على جودة ووفرة بيئاتها. وتكشف الدراسة أن مخاطر تعرض أسماك القرش لمصايد الأسماك في أعالي البحار هي واسعة للغاية وتمتد عبر نطاق المحيط بأكمله لأنواع معينة من هذه القروش، حتى أن بعض أسماك القرش الكبيرة المهددة بالانقراض ليست بمنأى عن هذا التهديد في المستقبل. يقترح الباحثون أن الخرائط التفصيلية لمناطق تجمع أسماك القرش ومصايد الأسماك التي قاموا بجمعها يمكن أن توفر "مخططاً" للاستخدام في تحديد مناطق إنشاء محميات بحرية واسعة في أعالي البحار بهدف الحفاظ على أسماك القرش، إضافة الى ضرورة تقنين أنشطة الصيد الصناعي في الأماكن الأخرى. ويقول سيمز: "قد تتلاشى بعض مناطق تكاثر أسماك القرش التي قمنا بدراستها في غضون سنوات إذا لم يتم وضع تدابير لإدارتها والحفاظ عليها وعلى البيئات التي تستمد منها الغذاء".