فى مثل هذا اليوم 26 يوليو 1956، أعلن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر من ميدان المنشية بالإسكندرية تأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية كشركة مساهمة مصرية وبنقل جميع ما لها من أموال وحقوق وما عليها من التزامات إلى الدولة المصرية، وأن تحل محل جميع الهيئات واللجان القائمة حاليًا على إداراتها.وذلك بعدما احتكرت الشركة الأجنبية امتياز القناة والسيطرة على مواردها منذ حفرها عام 1869، ولم يكن لمصر دور يذكر فى الادارة ولم تحصل إلا على مبالغ ضئيلة من ايرادات القناة التى بلغت 34 مليونًا جنيه إسترليني عام 1955. وجاء قرار التأميم مصريًا من أجل استعادة حق مصر فى ادارة القناة وايراداتها، وحرصت مصر وهى تسترد هذا الحق على المحافظة على المواثيق الدولية وكل الاتفاقيات الخاصة بحرية الملاحة فى القناة، وتعتبر قناة السويس هي أسرع ممر بحري وتوفر نحو 15 يومًا في المتوسط من وقت الرحلة عبر طريق رأس الرجاء الصالح. وفى 27 يوليو أعلنت بريطانيا وفرنسا أنهما ترفضان الاعتراف بقرار التأميم، وأنهما سيتخذان التدابير اللازمة لسلامة رعاياهما واحترام مصالحهما، كما قامت إنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة أيضًا بتجميد كل ما لمصر لديهم من أرصدة.ويعد قرار التأميم من أخطر القرارات السياسية التى اتخذت وكانت بمثابة نقطة تحول فى تاريخ العالم وعلى مستوى الوطن العربى، فالقرار كان بمثابة الشرارة الأولى فى تحدى ثورة 23 يوليو للإمبراطوريات الاستعمارية، خاصة البريطانية والفرنسية فى وقت كانت تسيطر فيه هذه الامبراطوريات على معظم الدول الإفريقية والآسيوية، ولم تنبع خطورة القرار من توقيت اتخاذه فقط وإنما من الصمود فى تحمل ومواجهة ردود أفعاله.وفي سرية تامة استدعى "عبدالناصر "المهندس محمود يونس، رئيس الهيئة العامة للبترول، فى ذلك الوقت، فى يوم 24 يوليو 1956، إلى مقر مجلس الوزراء وأبلغه بعزمه على تأميم قناة السويس، وأنه سيصدر قرارا بذلك مساء يوم 26 يوليو 1956 أثناء خطبته فى الإسكندرية، وكلفه بتنفيذ هذه المهمة، وفى اللقاء نفسه استدعى الرئيس جمال عبد الناصر المهندس عبد الحميد أبو بكر سكرتير عام الهيئة العامة للبترول فى ذلك الوقت، وأبلغه بأنه قرر تأميم قناة السويس، وأنه مكلف مع المهندس محمود يونس بالتنفيذ، وأن كلمة السر هى " ديلسيبس " التى سيذكرها فى خطبته فى المنشية، وقد طلب المهندس محمود يونس من الرئيس جمال عبد الناصر أن ينضم إليهما المهندس محمد عزت عادل، السكرتير المساعد للهيئة المصرية العامة للبترول فى ذلك الوقت، فوافق الرئيس على هذا الطلب، وعهد إلى محمود يونس بالبدء فورًا فى مهمة اختيار المجموعة التى ستتولى تنفيذ المهمة تحت قيادته، على أن يكون الإختيار من بين الأفراد الموثوق فيهم، ومن ذوى الخبرة والكفاءة، وكلفه أيضًا بإعداد خطة عملية لتنفيذ التأميم والمحافظة على السرية التامة.تم تجميع أعضاء مجموعة التأميم، وهم ثمانية من القوات المسلحة، وأحد عشر من قطاع البترول، وواحد من الشرطة، واثنان من الفنيين، وأربعة من وزراء التجارة الذين كانوا ضباطًا جامعيين، فى الثانية عشر ظهر يوم 26 يوليو 1956، فى مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، بكوبرى القبة، ولم يفصح لهم عن المهمة الحقيقية المكلفين بها، وكانت التعليمات الأولية لهم أن المجموعة مكلفة بمأمورية سرية جدًا فى الصحراء الغربية.التقى فريق التأميم فى الساعة الثانية والنصف ظهرًا يوم 26 يوليو، ومعهم كل من المهندسين محمود يونس، وعبد الحميد أبو بكر ومحمد عزت عادل، وأقلت المجموعة ست سيارات، وبدأت السيارات مغادرة مقر القيادة اعتبارًا من الساعة الثالثة بعد الظهر على فترات متفاوتة، وعند وصولهم إلى معسكر الجلاء بالإسماعيلية انضم إليهم بعض كبار المسئولين بمحافظات القناة وسيناء، وأبلغهم المهندس محمود يونس أن المهمة المكلفين بها هى تأميم قناة السويس.قسم فريق التأميم إلى ثلاث مجموعات تنفيذية تتولى المجموعة الأولى السيطرة على الإدارة الرئيسية للقناة بالإسماعيلية، والمجموعة الثانية إدارة فرع بورسعيد، والمجموعة الثالثة إدارة فرع السويس، أما مكتب القاهرة فقد كلفت به مجموعة تركت فى القاهرة، وكُلف سلاح الإشارة بالإشراف على محطات الإرشاد على طول القناة، وكان عددها إحدى عشرة محطة وإداراتها، وعندما سمعت كلمة السر (ديلسيبس) فى خطاب الرئيس عبدالناصر بدأ تحرك المجموعات، ونفذت كل مجموعة ما عهد إليها من تعليمات، بمعاونة المحافظين ورجال الأمن والقوات المسلحة. فعلى سبيل المثال تم الاستيلاء على مبنى القناة بالإسماعيلية خلال ربع ساعة فقط وفى أواخر عام 1955 وأوائل عام 1956 جرت مباحثات بين مصر والبنك الدولى للإنشاء والتعمير، وتم الإتفاق المبدئى على عقد قرض لمصر بمبلغ 200 مليون دولار تسحب منه عند الحاجة لإنشاء السد العالى، كما أبدت حكومتا الولايات المتحدة وبريطانيا استعدادهما لتقديم عون مقداره 70 مليون دولار للمساهمة فى تنفيذ المرحلة الأولى للمشروع، ولكن حدث أن أعلنت حكومة الولايات المتحدة فى 19 يوليو عام 1956 سحب عرضها السابق فى تمويل السد العالى، وأصدرت فى هذا الصدد بيانا بالأسباب التى دفعتها إلى هذا القرار.وبناءًا على ذلك اتخذ جمال عبدالناصر قرار تأميم قناة السويس ردًا على قرار البنك الدولي والولايات المتحدة وبريطانيا بسحب تمويلهم لبناء السد العالي، والذي علم به جمال عبد الناصر يوم الخميس 19 يوليو 1956م.وتم تعويض المساهمين وحملة حصص التأسيس مما يملكونه من أسهم وحصص بقيمتها مقدره بحسب سعر الاقفال السابق على تاريخ العمل بهذا القانون فى بورصة الأوراق المالية فى باريس، ويتم دفع هذه التعويضات بعد استلام الدولة لجميع أملاك وممتلكات الشركة المؤممة، كذلك نص القرار على أن تحتفظ الهيئة المصرية الجديدة التى ستتولى إدارة القناة بجميع موظفى الشركة المؤممة وحقوقها فى جمهورية مصر العربية وفى الخارج.
مشاركة :