التأمين الصحي.. ممارسات استغلال ومخالفات جسيمة

  • 4/15/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

أصبح من المعتاد مشاهدة أولئك المرضى الذين يتحاملون على أنفسهم متجاهلين بقدر ما يستطيعون الآلام التي تهد أجسادهم، وهم ينتظرون لساعات متواصلة جالسين على كراسي الانتظار في ممرات المستشفيات الخاصة، تمر ساعات ثقيلة وهم يسألون موظفي المستشفى عن مصير حصولهم على العلاج المنشود، فيرد الموظف بلهجة باردة: لا زلنا ننتظر موافقة شركة التأمين، فيعود المرضى ليصارعوا الآلام والضجر في موقف يجعل إنساناً في لحظة ألمه وضعفه تحت رحمة شركات تحسب أرقام الربح والخسارة، غير معنية بالشعور المرضي ولا الإحساس بآلامهم. ويمثل ربط موافقة بعض شركات التأمين على علاج المرضى الحاملين لبطاقات التأمين الطبي معضلة تقيد عمل الأطباء تجاه مرضاهم، وتحد من رسالتهم السامية، وتشكك في مصداقيتهم وتؤثر في أدائهم تجاه المرضى، كما أنها في الوقت ذاته تشعر المريض وهو في أضعف حالاته بعدم الحصول على الرعاية الطبية بكرامة، وهو أمر معنوي له انعكاساته الكبيرة على الحالة الصحية للمريض. كما أن تقتير العلاج على المرضى وتحديد استفادة المريض من الحصول على الخدمة الطبية والعلاجية بسقف محدد يوحي بشكل صارخ أن حسابات الربح والخسارة تفوق الحرص على تقديم خدمة طبية ترقى إلى قيمة الإنسان وحصوله على أبسط حقوقه في الحياة، فقد تمادت أغلب شركات التأمين في التضييق على مقدمي الخدمات الطبية في سعيهم لتقديم خدمات طبية يحتاجها المرضى، فوثيقة تأمين صحي حدها الأعلى 500 ألف ريال لا يمكنها أن تمنح حاملها لعلاج أسنانه مثلاً سوى مبلغ 2000 ريال كحد أقصى لمن يحملون شريحة VIP من شرائح التأمين الطبي، وهو مبلغ قد لا يغطي علاج سن واحد فقط. يأتي هذا في وقت شهد فيه ارتفاع مستوى الفرد على الخدمات التأمينية في المملكة بزيادة سنوية متوسطة بلغت 11% مابين عامي 2009 و2011، كما ارتفعت كثافة التأمين للفرد من 725ريالا عام 2009 إلى 864 ريالا عام 2013م بزيادة بلغت 19.2%. السوق يحتاج إلى تدخل رسمي لضبط الممارسات السلبية وتصحيح مساره ترى هل ما يحدث من خلال هذه الممارسات في سوق التأمين الصحي في المملكة هو أمر متعارف عليه عالمياً، أم أنها حالة فاضحة من التعامل المادي البحت في مجال إنساني يمثل أبسط حقوق الإنسان؟ وما حقيقة التلاعب ببيع وثائق تأمين طبي للعمالة لا يمكن الحصول بموجبها على أي علاج، وإنما هي فقط لتمرير إصدار الإقامات؟ وما هو حجم التلاعب في سوق التأمين الصحي من قبل بعض شركات التأمين، وما حقيقة أن المستشفيات الخاصة تتلاعب هي الأخرى من خلال زيادة مبالغ فواتير العلاج؟ وأين تقف الجهات الرقابية؟ تلاعب الخبير في مجال التأمين د. فهد العنزي أكد أن الخلل الكبير في مسألة التأمين أن شركات التأمين هي العميل للمستشفيات والجهات الطبية كونها هي التي تدفع، وبالتالي تلك الجهات الطبية تراعي شركات التأمين أكثر مما تراعي المريض بحكم مصالحها مع شركات التأمين، وبالتالي لا يحظى المريض هنا بأي اهتمام أو أهمية بالنسبة لكثير من المستشفيات ومقدمي الخدمات الطبية. وقال: إن بعض شركات التأمين تمارس ضغوطاً على المستشفيات والمراكز الطبية وقد تتدخل في عمل تلك الجهات بما يعيقها عن ممارسة عملها المهني ويساهم في عدم حصول المريض على الرعاية الصحية التي يحتاجها في كثير من الأحيان، وهذا أمر لا شك سلبي، ويفرغ التأمين الطبي من قيمته المهنية والإنسانية التي أقيم وصمم من أجلها، وهو أمر واضح من خلال عمليات تقييد الخدمات الطبية بجميع أنواعها سواء الكشف أو التحاليل أو الإشاعة أو أي إجراء طبي قد يراه المريض مهماً إلا بموافقة الشركة، وهذا في الواقع غير مقبول أن يقيد عمل الطبيب وأن تحجب الخدمة الطبية عن المريض إلا بموافقة مسبقة من شركة التأمين التي من مصلحتها أن يحصل المريض على أقل خدمة طبية ممكنة لكي توفر الأموال لنفسها. وبين أن كثيراً من مقدمي الخدمات العلاجية يقترون على المريض العلاج خشية أن ترتفع فاتورة علاجه، الأمر الذي يجعل شركة التأمين تعاقب تلك المنشأة بعدم الدفع أو المماطلة كعقاب على تلك الفاتورة المرتفعة، وأضاف العنزي: إن مجلس الضمان الصحي التعاوني يقوم بدور جيد، ولكن مثل هذه الممارسات يصعب متابعتها لأن العملية تكون بين مقدمي الخدمة وشركة التأمين خاصة وأنه من أبسط أدبيات مهنة الطب وقيمها أن يتلقى المريض العلاج اللازم الذي تستدعيه حالته الصحية، وعدم ترك الأمر لحسابات الأرباح والخسارة للشركات. وأشار العنزي أن بعض شركات التأمين تمارس تدليساً على المؤمن عليهم من خلال مسميات شرائح التأمين، وقال: مثلا شريحة تأمين "vip" لدى شركة كبرى، يبدو من الاسم أنها قمة الشرائح ويمكن لمن يحصل عليها أن يحظى برعاية طبية عالية في أي منشأة طبية، لكن الواقع غير ذلك، فالشركات في شروطها في العقد تجد أنها بتحايل تجعل المريض أو المؤمن يدفع قيمة تلك الشريحة الغالية ولا يحصل في الواقع إلا على خدمات تأمين محدودة مثل أي تأمين عادي، مثلاً الأسنان في أغلب شرائح التأمين لا يحصل حامل أي شريحة تأمين سوى على حد أعلى 2000 ريال سنوياً لعلاج أسنانه في الغالب، وهو ما يعني معالجة سن واحد كل عام، وهذا يدل على مدى التلاعب الحاصل من قبل بعض شركات التأمين وغياب عملية التنظيم التي تمكن المريض من الحصول على أبسط حقوق العلاج الجيد حسب حالته الصحية بشكل مستقل عن ضغوط شركات التأمين. خلل صالح العمير -الخبير في مجال التأمين- أكد أن المشكلة الرئيسية التي تواجه صناعة التأمين في المملكة تتمثل في عملية الوعي ومستوى ادارك المستفيد لحقوقه كمؤمن عليه، وقال: إنه منذ بداية التسعينيات الميلادية كان الناس وربما بعض المرافق الطبية لا تدرك ما هو التأمين الطبي وعلى ماذا يشتمل، ولم يكن في ذلك أي نظام للتأمين في المملكة، ومع ذلك للأسف استمر عدم معرفة المستفيد بالتأمين كما يجب، أضف إلى ذلك أن ما تدفعه الجهات المؤمنة على منسوبيها في المملكة هي مبالغ قليلة، والشركات أغلبها تعاني من خسائر، وبالتالي لا يبدو أن هناك أحداً راضياً في هذا السوق، ولكن علينا أن نفهم مسألة التغطيات التأمينية الأساسية وهي في حدها الأقصى 500 ألف ريال للشخص الواحد وفي حالة نفاذها يتوقف التأمين على المريض، كما أن هناك تغطيات أخرى منفصلة كالحمل والولادة ولها شروطها حيث إنه إذا كانت الوثيقة عدد أفرادها كبيرا يمكن أن تبدي شركة التأمين مرونة معينة، أما إذا كان عددها قليلا في الغالب تتحفظ الشركة من أجل منع الخسائر المحتملة، وفي الغالب لكل تغطية حدا أعلى مثلاً في الحمل الولادة قد تصل إلى 15 ألف ريال حسب أسعار المستشفيات مثلاً. ممارسات غير أخلاقية تنتج وثائق تأمين وهمية للعمالة من أجل إصدار الإقامة وأكد أن وثيقة التأمين على الأسنان في المملكة هي من أرخص الوثائق عالمياً، مبيناً أن العميل قد يحصل على 5000 ريال كحد أقصى، فإذا كان عدد المؤمن عليهم في الوثيقة 50 شخص مثلاً فإنه بالنسبة لشركة التأمين تعد خسارة محققة، فإذا كانت الوثيقة مثلاً فيها 30 ألف مؤمن عليه أو عدداً أكبر من ذلك فإن الشركة تستطيع أن تحقق توازنا أو ربحا معينا، فليس كل تأمين هو مربح لشركات التأمين. والتأمين على الأسنان ليس له علاقة في الغالب بوثيقة التأمين الرئيسية وعلينا أن ندرك ذلك. وأضاف: التأمين الطبي يُعد عالمياً من أسوأ أنواع التأمين بالنسبة لشركات التأمين على مستوى العالم، وكل شركات التأمين تتمنى لو أنها تربح 2% أو 4%، وهذا مؤشر على تدني ربحية تلك الشركات من التأمين الصحي، لذلك نحن في حاجه إلى برنامج وطني تدخل به الحكومة والقطاع الخاص من أجل تجربة تأمين طبي ناضجة ومكتملة تعود على المؤمن عليهم بتأمين قادر على توفير رعاية طبية مرضية، والآن القطاع الخاص ملزم بالتأمين على منسوبيه، ولكن نحتاج مزيدا من تطوير هذا القطاع ليكون قادراً على المضي قدماً في تطوير هذه الصناعة، والنظام واضح يعطي القطاع الخاص فرصة لأن تدفع تأمينا طبيا جيدا على منسوبيها، ولكن أغلب شركات القطاع الخاص تدفع الحد الأدنى للخدمة في تأمينها على منسوبيها. ونفى العمير أن تكون شركات التأمين هي صاحبة اليد الطولى حالياً في التأثير في ملف التأمين، مبيناً أن المستشفيات ومقدمي الخدمة الطبية هي صاحبة الكلمة حالياً، وقال: ربما في بدايات التأمين كانت بعض الشركات هي التي تسيطر على ملف التأمين بشكل قوي، إلا أن المستشفيات الخاصة ومقدمي الخدمة الطبية اليوم هم أصحاب الكلمة الفصل في عملية التأمين والدليل الاشتراطات الكبيرة التي تضعها تلك الجهات الطبية على شركات التأمين من حث الضمانات البنكية وبعض الاشتراطات الأخرى التي تؤكد أنها من يملي الشروط في هذا المجال. وأضاف: مشكلة التأمين على المواطن أنه انسحب عليه ما يقدم من تأمين على العمال الوافدين، ففي كل بلدان العالم يحظى المقيمون بخدمات التأمين ولكن المواطن قصة مختلفة حيث يجب أن يحظى المواطنون وخاصة كبار السن بحكم أنه ناحية اجتماعية يمكن أن تتولى رعايتهم الدولة مثلاً. وبين العمير أن من أبرز السلبيات الحاصلة حالياً في سوق التأمين الطبي أن التأمين على السعوديين لازال دون لمأمول من حيث التغطية، وقال: يجب أن يعاد النظر في التأمين على السعوديين حيث إن التأمين عليهم في الوضع الحالي لا يرقى إلى متطلبات وحاجة المواطن خاصة في التغطيات الفرعية لازال ضعيفاً، ويجب على الشركات أن تعيد النظر فيه، ويجب على المشرع أن يصدر قانوناً يُمكن المواطنين من الحصول على تغطية تأمينية توفر له الرعاية الصحية بشكل كامل وصحيح. وأضاف: إن التأمين على العمالة وتدهور الوضع إلى درجة أن بعض الشركات تبيع تأمين طبي للعمالة فقط للإقامة وليس للعلاج، هذا أساء لسوق التأمين وهذا خطأ كبير، ويجب أن يواجه بعقوبات وردع لأنه أساء لسوق لتأمين وبخس العمال حقهم في العلاج من خلال التأمين الذي دفعوا قيمته أو دفعه كفلاؤهم، وللأسف إلى الآن لم يُجرم أي شخص تلاعب بهذا التأمين، وهذه سرقة ويجب أن يواجهها تجريم وعقاب حفاظاً على حقوق الناس وتصحيحا لمسار سوق التأمين الطبي. مماطلة نضال النعمي -مدير الموارد البشرية بإحدى الشركات الوطنية- يؤكد أن بعض شركات التأمين تتلاعب كثيراً بصحة الناس من خلال محاصرتها لأي مصروفات قد تضر بأرباحها، وقال: إننا نخوض معارك كبيرة مع شركات التأمين عامة وبعض الشركات خاصة فيما يخص التأمين الطبي أو المركبات وغيرها، وما يعانيه المؤمن عليه بسبب ضعف الأنظمة والتشريعات والرقابة في هذا المجال وعدم التقيد بها من قبل شركات التأمين، والمشهد العام يبرهن صحة ذلك فهناك تلاعب وتحايل كبير من بعض شركات التأمين العاملة في السعودية وللأسف الشديد لا توجد رقابة ولا تشريعات صارمة تجاه هذه الشركات. وأضاف: إن الضحية هنا هو المواطن أو المقيم على حد سواء ناهيك عن المخالفات التي تمارس من بعض هذه الشركات أو وسطاء التأمين وانتشار عدة ممارسات سيئة تتمثل في وثائق التأمين الوهمية للعمالة الوافدة بحجة تجديد الإقامة، إضافة إلى تلاعب ومماطلة شركات التأمين بحقوق المواطنين والمقيمين الذين تضطرهم الظروف إلى التعامل معها لا سيما في حوادث السيارات، ما يجعل الحصول على مبالغ التعويض أمرا غاية في الصعوبة. وأكد النعمي أن من سلبيات التأمين الصحي انتشار وثائق التأمين الصحي الوهمية للعمالة الوافدة التي ترغب في تجديد الاقامات، وقال: إن مجلس الضمان الصحي ما زال مستمرا في محاربة شركات التأمين التي تصدر وثائق التأمين الوهمية، إلا أن جهوده لم تثمر بعد عن تحجيم المشكلة ومحاصرتها. والمشكلة الأخرى في التأمين الطبي، هي الاستثناءات التي تحتوي عليها بعض وثائق التأمين الطبي في عدم علاج بعض الأمراض الوراثية، ما قد يضطر حاملي التأمين دفع مبالغ مادية كبيرة تفوق دخله الشهري، وهذا قد يسبب له مشاكل أخرى ويدخله في دوامه هو في غنى عنها، وهنا يتضح لنا جليا أن شركات التأمين لا تهتم بشيء يضاهي اهتمامها بالربحية أكثر من العميل؛ لذا نجد تركيزها الشديد عند وضع سياستها وأنظمتها ينصب على الأخذ بكل وسيلة تؤدي للربحية مهما كانت وتستبعد الخسارة؛ بغض النظر عما قد تسببه هذه السياسة من احراجات والمماطلة والتلاعب بحقوق المواطنين والمقيمين خصوصا عندما ترتبط الأمور بالتحاليل الطبية والإشاعات والعمليات وصرف الأدوية وهنا تسمع الكلمة الشهيرة في المستشفيات والمراكز الطبية (في انتظاره موافقة شركة التأمين). وتابع يقول: يجب ألا ننسى أمرا مهما أيضا وهو المستشفيات الخاصة وغيرها، وأطالب بسن العقوبات والقوانين الرادعة للمستشفيات الخاصة والشركات الأخرى، من استغلالهم لشركات التأمين، وتحميل شركات التأمين المزيد من التكاليف، معتبرا ذلك بأنه يأتي على حساب صحة المواطن والمقيم وهناك اختلاف للتشخيص الطبي بين المستشفيات الحكومية والخاصة، بالإضافة لاختلاف الفحوصات الطبية والتي لا يكون لها مبرر، لا سيما إذا تأكد المريض بعد قيامه بها أن النتائج الطبية سليمة، غير أن المستشفيات تستخدم مرضه لاستغلال ما يدفعه التأمين الطبي لكسب مزيد من الأرباح.

مشاركة :