لم يكن يدور في خلد الشاب ماجد المشاري خريج جامعة الملك سعود في الحاسوب أن يصبح يومًا أحد أبرز المتخصصين في مجال الفضاء السعودي. وعلى الرغم من الصعوبات التي واجهته في تحقيق طموحه في تخصص الفضاء إلا أنه استطاع التغلب عليها بالعمل الدؤوب والإصرار والإرادة. كان لرحلة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان أول رائد فضاء عربي مسلم إلى الفضاء في 1985م أثر كبير في جذب انتباه ماجد المشاري، ولا يزال يتذكر انبهاره وجلوسه أمام الشاشة لمشاهدة المكالمة الشهيرة لسموه من المكوك الفضائي مع الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز. ويقول: عرفت حينها أنه لا يوجد مستحيل مع الطموح والشغف والإصرار، وأن الشباب قادر على اقتحام المجالات المتقدمة باقتدار. في هذا الحوار نتناول مع المهندس ماجد المشاري مدير المركز الوطني لتقنية الأقمار الصناعية بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية جملة من التفاصيل حول هذه التجربة. * ما قصة شغفك لمجال الفضاء؟ ومتى بدأت؟ بدأ شغفي في هندسة وتطوير البرمجيات في وقت مبكر لرغبتي في تطوير وخلق منتجات جديدة. ووقت تخرجي في عام 1999م تزامن مع طفرة تطوير المنتجات البرمجية وثورة (الدوت كوم)؛ فرغبت في العمل في هندسة البرمجيات رغم توافر فرص أخرى في مجالات تقنية المعلومات. عرفت عن فرص العمل في مدينة الملك عبدالعزيز من الزميل الدكتور عبدالعزيز بن إبراهيم الحسين، ثم قابلت الدكتور عبدالعزيز الماضي الذي شرح لي طبيعة العمل في تطوير الأقمار الصناعية، والفرص الكبيرة الممكن تحقيقها عبر تطوير منتجات جديدة في هذا القطاع. عند انضمامي لمركز الأقمار الصناعية تشرفت بلقاء سمو الأمير الدكتور تركي بن سعود بن محمد آل سعود رئيس المدينة السابق، وكان لذلك اللقاء أثر في تعلقي بهذا المجال، وكان مصدرًا للإلهام والتوجيه والدعم لمسيرتي العملية. وحظيت بالعمل مع عدد من كبار الباحثين والمختصين مثل الدكتور محمد الماجد المشرف على مركز الابتكار للصناعة 4، والدكتور سامي الحميدي المدير العام لمركز الأمير سلطان للدراسات والبحوث الدفاعية، والدكتور عبدالعزيز الصقير.. الذين كان لعملهم الأثر الكبير فيما وصلت له صناعة الأقمار الصناعية في المملكة. * ما أبرز الصعوبات التي واجهتك؟ توجد صعوبات في كل مجالات الأعمال، لكن لا يوجد مستحيل بعد بتوفيق الله سبحانه وتعالى. لعل أبرز الصعوبات التي واجهتني هي المتعلقة بمرحلة تأسيس أي صناعة فريدة كصناعة الفضاء والأقمار الصناعية؛ إذ لا توجد موارد بشرية كافية وجاهزة لتحقيق الطموحات المنوطة ببرنامج الفضاء السعودي، ولا تتوافر أدوات كافية للحفاظ على المتميزين، كما لا توجد منظومة بيئية على مستوى المملكة تدعم مختلف متطلبات صناعة الفضاء. في الجانب الفني يتميز قطاع الفضاء بدورة تطوير وتصنيع وتشغيل مختلفة؛ إذ تعمل الأقمار في بيئة مختلفة تمامًا عن الأرض، وعند إطلاقها قد يكون من الصعب تدارك الأخطاء وإصلاحها عند حدوث خلل لا قدر الله. وتكمن الصعوبة في تبني الإجراءات الهندسية التي تكفل جودة المنتج النهائي، وتأهيله للعمل في الفضاء. *حدِّثنا عن مراحل توطين تقنية الأقمار الصناعية، خاصة بعد نجاح إطلاق القمرَين (سعودي سات 5أ و5ب)، اللذين تمت صناعتهما في الرياض بسواعد شباب وشابات الوطن.. كان مشروع تطوير وتصنيع وإطلاق وتشغيل القمرَين (سعودي سات 5أ و5ب) ضمن الأهداف الاستراتيجية في برنامج الفضاء السعودي؛ وذلك لتصنيع أقمار صناعية في المملكة، تلبي الاحتياج المحلي عبر كوادر بشرية وطنية، بعد النجاحات التي حققتها المملكة في إطلاق 13 قمرًا صناعيًّا في الفترة من عام 2000م إلى 2014م. ركزت المدينة على تأهيل مستمر للكوادر البشرية عبر برامج التدريب ونقل التقنية والابتعاث، وتم في هذه الفترة تصنيع وإطلاق القمر (سعودي سات 4) في عام 2014م عبر تنفيذ مشروع «أقصر طريق إلى الفضاء» بحمولة علمية بالاشتراك مع ناسا وجامعة ستانفورد. بعدها بدأ العمل على تصنيع قمرين من الجيل الثاني من أقمار الاستشعار الكهروضوئي بناء على مخرجات مشروع أقصر طريق إلى الفضاء. ويتميز القمران المخصصان للتصوير الفضائي عالي الدقة بأنهما الأكبر حجمًا والأعلى دقة في سلسلة الأقمار السعودية، وتم بناؤهما عبر فريق من أكثر من 120 مهندسًا ومهندسة، والعديد من المختصين والمختصات في المركز الوطني لتقنية الأقمار الصناعية، وأكثر من 100 موظف ومختص من الإدارات والمراكز المساندة في المدينة. * أطلقت المملكة، ممثلة في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، القمر السعودي للاتصالات (SGS-1) بنجاح. حدثنا عن تفاصيل وكواليس هذا الإنجاز.. القمر السعودي للاتصالات (SGS-1) هو أحد أبرز مخرجات برنامج الفضاء السعودي الهادف إلى توفير خدمات الأقمار الصناعية لقطاعات الدولة المختلفة، وهو قمر للاتصالات، تم تصنيعه بالتعاون مع شركة لوكهيد مارتن الأمريكية ليوفر خدمات اتصالات النطاق العريض والاتصالات الآمنة للقطاعات المعنية كهدف رئيسي مع أهداف أخرى، تتمثل في تأهيل كوادر بشرية على عمليات التصنيع والاختبارات لأقمار الاتصالات والاحتكاك بالشركات الرائدة في هذا المجال. يتم في هذا المشروع أيضًا استخدام تقنيات مطورة محليًّا لاستخدامات الاتصالات الآمنة، ومنع التشويش على قنوات الاتصال. تشرفنا في المشروع بزيارة سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان لمقر الشركة في ولاية كاليفورنيا، وكان له حديث محفز للفريق المشارك، ثم قام سموه بالتوقيع على آخر قطعة على القمر بعبارة «فوق هام السحب»، وهي عبارة وافقت المقام؛ إذ تم إطلاق القمر فوق هام السحب بطموح وهمة السعوديين التي كانت دائمًا فوق السحاب. قامت المدينة بالتعاقد مع شركة لوكهيد مارتن، وأدارت المشروع عبر فريق فني وإداري متخصص. ويعد المشروع شراكة متميزة مع القطاع الخاص؛ إذ عملت المدينة مع شركة عربسات للاستفادة من المدار 39 درجة شرقًا، وإطلاق القمر على ذلك المدار. * كلمة لكل من يفكر جديًّا بالتخصص في مجال الفضاء.. يشهد قطاع الفضاء على مستوى العالم حاليًا ثورة كبيرة كما ذكرت سابقًا، وأصبح قطاعًا مولدًا للوظائف بطريقة مباشرة وغير مباشرة، كما نشهد في المملكة مرحلة جديدة لصناعة الفضاء، تتمثل في تأسيس الهيئة السعودية للفضاء التي ستُعنى بمختلف أنشطة الفضاء في المملكة العربية السعودية؛ لذا أشجّع كل المهندسين والمهندسات من مختلف التخصصات على التخصص في مجال الفضاء والأقمار الصناعية بالذات؛ إذ سيجد المهندس نفسه يعمل في فريق من مختلف التخصصات الهندسية؛ وهو ما يتيح له فرصة ذهبية للمشاركة في بناء نظم متقدمة، تعمل فيها أنظمة فرعية مختلفة لتحقيق هدف واحد. وتعد بيئة الفضاء مختلفة عن بيئة الأرض؛ إذ سيتعرف المهندس على مختلف مراحل التصميم والبناء، ويمارس أعمال المحاكاة والاختبارات للتأكد من توافق التصاميم والمواصفات مع البيئة التي سيعمل فيها القمر، وهي تجربة مختلفة عن الأعمال الهندسية الأخرى. * * * الضيف في سطور * تخرج ماجد المشاري في كلية علوم الحاسب والمعلومات بجامعة الملك سعود عام 1999م، وبعد تجربة قصيرة في القطاع الخاص انضم لمعهد بحوث الفضاء والطيران بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية في سبتمبر 2000م، وعمل في محطة تشغيل الأقمار الصناعية ومتابعة حالة الأقمار، ثم عمل مهندسًا لبرمجة أنظمة التشغيل وأنظمة التحكم الأرضية ضمن مشاريع الأقمار للفترة من 2001م حتى 2005م. * حصل على الماجستير في هندسة البرمجيات من جامعة كارنيجي ميلون الأمريكية 2007م، وعمل في عدد من المشاريع مثل مشروع إثبات النظرية النسبية لآينشتاين في جامعة ستانفورد. * عمل في مشروع القمر سعودي سات 4، ومشروع تطوير نظام تتبُّع السفن الذي يُستخدم من قِبل عدد من الجهات العسكرية والأمنية، ومشروع النظام الوطني للمعلومات الفضائية. * في 2014 كُلف بإدارة المركز الوطني لتقنية الأقمار الصناعية في المملكة. * * * هذا رأيي في شباب وشابات الوطن أكد المهندس المشاري أن الشباب والشابات السعوديين استطاعوا إثبات وجودهم في صناعة الأقمار السعودية التي ستُعنى بمختلف أنشطة الفضاء من خلال مهندسين ومهندسات في أنشطة الصناعات كافة ذات الجودة العالية، وبناء منظومات ذات تقنية عالية، والتوافق مع المواصفات العالمية من خلال كوادر، تم تدريبها على أفضل التقنية.. وهي تجربه مختلفة عن الأعمال الهندسية الأخرى.
مشاركة :