"نفايات البلاستيك" وتراكمها فى الأنهار والمحيطات، أصبحت ظاهرة دولية يرصدها العالم لأخطارها على الإنسان والبيئة، إذ يتم التخلص من أكياس وعبوات ومنتجات البلاستيك بإلقائها في القمامة والصحراء والبحار والأنهار والمجاري المائية بصورة يومية دون إدراك أو وعي بمدى خطورتها.تراكم النفايات أصبح آفة كبيرة يصعب حلها، جراء التوسع في استخدام البلاستيك، وباتت هذه النفايات إشكالية بيئية ومشكلة يعجز الإنسان على التعامل معها، وتحولت إلى كارثة تهدد كوكب الأرض، الأمر الذي يحتم على البشر الرجوع خطوة للخلف للحفاظ على حق الأجيال القادمة في الحصول على موارد طبيعية سليمة.قبل نحو ٧٠ عاما ظهر البلاستيك، وغزا حياة الإنسان مغيرا كل شيء فيها، ومازالت كل المنتجات البلاستيكية منذ بدء تصنيعه وحتى اليوم موجودة بصورة أو بأخرى، وقد بلغ إجمالي حجم البلاستيك الذي أنتج منذ بدء تصنيعه وحتى الآن 8.3 مليار طن، منها 3.6 مليار طن في صورة نفايات، 79 فى المائة فقط من تلك النفايات مدفونة في أماكن التخلص من النفايات أو البيئة الطبيعية، طبقا لما أشارت إليه أبحاث علمية.ورغم التنوع الكبير لمنتجات البلاستيك التي يستخدمها الإنسان، إلا إن الأكياس البلاستيكية تعد المتهم الأول في قضية النفايات، مما أدى إلى توجيه الدعوة للحد من استخدامها في التغليف والتعبئة على أمل السيطرة على وضع بائس يهدد التوازن والتنوع البيئى، وقد انتهجت دول متقدمة سياسات جادة وصارمة للحد من استخدام هذه الأكياس تراوحت بين فرض رسم يدفعه المستهلك مقابل كل كيس بلاستيك توضع فيه مشترياته إلى استبدال الأكياس البلاستيكية بالأكياس الورقية.وتصل ملايين الاطنان من البلاستيك إلى الانهار والبحار والمحيطات كل عام مما يؤدى إلى تلوثها، ويعرض الحياة البحرية للخطر، حيث يؤكد العلماء أن عملية التحلل العضوى الحيوى الطبيعى لنفايات البلاستيك من الممكن أن تستغرق عقودا، أما الخطر الذي يشكله على البيئة، فيكمن فى كونه مادة لا تتحلل بسهولة، عكس المواد العضوية الأخرى.وتشير الابحاث الحديثة الى ان المواد الكيميائية التى تتسرب من الأكياس والزجاجات التى تملأ البحار تلحق الضرر بالكائنات البحرية الصغيرة التى لها دور اساسى فى الوجود الانسانى، وتتراوح مخاطرها ما بين نفوق الكائنات البحرية الى انخفاض معدلات خصوبة الاسماك إلى اختلال الهرمونات وانخفاض الخصوبة والعقم، والإصابة بأمراض القلب والاوعية الدموية والسكر والسرطان لدى البشر. كما تؤدى المخلفات البلاستيكية إلى حرمان الأرض من مصدر من مصادر الاكسجين، حيث يخفض البلاستيك اعداد البكتيريا التى تشارك فى انتاج الأكسجين خلال العقود المقبلة حيث تعيش بكتيريا "بروكلوروكوكس "فى المياه وتنفذ عملية البناء الضوئى الذى ينتج حوالى 10 فى المائة من الأكسجين الذى يتنفسه الإنسان. وتبدو مشكلة نفوق الكائنات في البيئة البرية أو البحرية بسبب النفايات البلاستيكية خطرا بعيدا عن الإنسان، لكن واقع الأمر يؤكد أن اختلال التوازن البيئي بسبب تلك النفايات، سيؤثر على الإنسان وصحته وطعامه وشرابه، فتظهر أمراض جديدة تؤثر فى قدرته على العمل والإنتاج، وتؤثر بالتالي على تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي حددتها الأمم المتحدة، حيث يتم إهدار حق الأجيال القادمة في الحصول على موارد طبيعية سليمة. وتتوقع بعض الدراسات زيادة نسبة التلوث إلى ثلاثة أضعافها بحلول عام 2050، في ظل تزايد الاستخدام لهذه المواد البلاستيكية، وعدم وجود نظام لجمع النفايات والتخلص الآمن منها، وعدم وجود بدائل أفضل، وثقافة استخدام الأنواع الأخرى من العبوات والأكياس غير منتشرة، كذلك فكرة إعادة جمع وتدوير هذه المخلفات لإنتاج مواد أخرى.التوعية بمخاطر النفايات البلاستيكية شديدة الأهمية وتبدأ من الفرد ذاته بتقليل استهلاكه من البلاستيك مما يترتب عليه قلة نسبة نفاياته، ومع التوسع في دوائر التوعية بين الأفراد على مستوى كبير بالتعاون مع الدعم الحكومي يتم الوصول إلى حلول وقوانين وعقوبات تجرم تلوث البيئة بالبلاستيك، واقتناع الأفراد بضرورة الالتزام الواعي بها مما يجعلها إجراءات فعالة تحقق الهدف. مبادرات محلية فردية وغير حكومية تتبناها مصر ذات تأثير فاعل في الحد من استخدام البلاستيك بصفة عامة، وما يترتب عليه من نفايات بصفة خاصة، لتواكب دول العالم في هذا الصدد، حيث انضمت مدن مصرية لقرار حظر استخدام الأكياس البلاستيكية في تداول السلع الغذائية واستخدام أكياس صديقة للبيئة بدلا عنها، الغردقة ثم مرسى علم والبقية تأتي، حيث وصلت نسبة تنفيذ قرار إخلاء الغردقة من أكياس البلاستيك إلى 90 فى المائة، وصولا إلى الهدف المنشود بإعلانها مدينة خالية منها تماما من الأكياس البلاستيك نهاية شهر يوليو الحالي، وهو قرار أحدث صدى في مختلف أنحاء العالم، سيرفع تصنيف مدينة الغردقة في مجال السياحة البيئية والمحافظة على البيئة البحرية حيث أشادت به شركات السياحية العالمية. ومن المقرر أن يقوم غواصون بالتعاون مع وزارة البيئة يومي ١٥و١٦ أغسطس المقبل بتنظيف مياه نهر النيل من النفايات البلاستيكية، وإلى جانب المبادرات الفردية تقوم بعض الشركات المصرية الناشئة بتصنيع بدائل للأدوات البلاستيكية وتبني أكبر حملة لتنظيف شواطئ الساحل الشمالي يوم الجمعة المقبل.وللجامعات المصرية دور أيضا في رفع الوعي لدى طلابها تمثل في جهودها لتنظيف البيئة من البلاستيك من خلال حملة تبنتها جامعة عين شمس لتنظيف شواطئ مرسى مطروح تحت رعاية الدكتورعبد الوهاب عزت رئيس الجامعة، والدكتورة مها فاروق عبد الغني عميدة كلية الصيدلة، والدكتور محمد ضياء زين العابدين عميد كلية طب الأسنان بجامعة عبن شمس بالتعاون مع وزارة البيئة ومحافظة مطروح، حيث قام طلاب الكليتين بتجميع كميات كبيرة من المخلفات البلاستيكية والصلبة أثناء مشاركتهم بدورة إعداد القادة ومعسكر الجامعة بمدينة مرسى مطروح مؤكدين أنهم على اقتناع كبير بالدور الذي قاموا به ومدى أهميته في المحافظة على البيئة من أجل حماية الكائنات الحية والتنوع البيولوجي.
مشاركة :