لقد مر المجتمع بكافة أطيافه وطبقاته بأزمة اجتماعية؛ جراء امتناع بعض الدول السماح للرعايا من النساء العاملات بالقدوم إلى بلادنا للعمل، وتفنن البعض في وضع شروط مجحفة بحق المواطن السعودي، الذي لا أدعي أنه من أفضل الشعوب، وأن أفراده كلهم أخيار، وأنهم لا يمارسون بعض العنجهيات ضد العاملات في بيوتهم من عدم مراعاة وقت للراحة عدا سويعات قليلة، إلا أن هذه الشريحة لا تمثل كل أطياف المجتمع.. أما المنع والتشدد في الشروط، فهو استجابة لما أوحت به الصحف وأجهزة الإعلام في تلك البلدان، التي تلتقط ما ينشر في صحافتنا وتتخذ منه صوراً مشوهة عنا، على أننا همجيون، ولا نستحق أن تقدم لنا أي خدمة؛ لأننا لا نتورع في إيذاء أولئك المسكينات القادمات لطلب الرزق الحلال. وتصوروا عندما تنشر صحيفة أن امرأة من البلاد الفلانية وجدت في حاوية القمامة ميتة، وواحدة هربت لأن ربة البيت تزرع في جسمها المسامير، وأخرى تعرضت للكي والحرق في أجزاء من جسمها، ومثل هذه الأفعال التي يندى لها الجبين تنشر في الصحف بعناوين بارزة ولا مانع من إرفاق الصور الدالة على فداحة تلك الأفعال المشينة، التي لا نرتضيها لأنفسنا.. وقد تذهب هذه الصحف للخارج، وتنقل بالحرف الواحد ليقرأها المواطن في تلك البلاد، فلا يسعه إلا التنديد وعدم السماح لابنته أو زوجته أو أخته الحضور إلى هذه البلاد مهما بلغت بهم الحاجة والفاقة من شدة الفقر؛ لأن الروح الإنسانية والكرامة والمحافظة على الصحة من أهم مرتكزات الحياة الإنسانية التي يعيش الإنسان من أجلها.. وقد تضطر إلى معاناة الجوع للحفاظ عليها دون التفريط في شيء منها. لتتولد لدينا تلك الأزمة الخانقة التي خصص رسوم وأجور العاملات «استقدام العاملات في المنازل» مجالاً للمتاجرة؛ وذلك بسبب ما ينشره بعض المراسلين الصحفيين مثل الصحفي الذي يكتب أخباراً داخلية، حرائق، سطو، هجوم على المنازل دون أن يتأكد من صحة تلك الأخبار، فإذا قرأها المواطن يشعر بعدم الأمان، وأن كل بيوتنا ومدارسنا معرضة للحريق وبنوكنا معرضة للسرقة، إضافة إلى المبالغة في كثرة الحوادث على الطرق والمبالغة في عرض نتائج الحوادث من أضرار نفسية ومادية. ثم طلعت علينا فئة من المراسلين والمراسلات بأخبار وعناوين تلفت الأنظار، فإذا قرأ الإنسان ما تحت ذلك العنوان وجد أن ذلك الخبر صادر من أمريكا وباريس، هانوي، كلكتا، اليابان، لكنه مكتوب إلى جانب اسم المخبر: الدمام، ليؤكد استباحة المعلومة التي قد لا تكون صحيحة، علماً بأن تلك الأخبار لا تهمنا ولا هي قريبة من مرابضنا، إلا أن الناس يصدقون بمثل تلك الدعاوى وهم لا يعلمون أن آفة الأخبار هي رواتها، أجارنا الله وإياكم من شر تخبطهم وعدم بحثهم عن الحقيقة، التي تبدو ناصعة أمام الناس الذين يعتمدون على ما تنقله بعض الصحف التي يعدونها ثقة حتى تنجلي الغشاوة عن أعينهم فتسقط الجريدة والمراسل في سلة الاهمال. لذلك فقد عمدت دور الصحافة والإذاعة العريقة إلى الغير موثقة تخصيص قسم لمراقبة الأخبار واختيار المذيعين والمذيعات من مقدمي البرامج.. وقد كنت في زيارة للقاهرة في الستينات من القرن الماضي، فدعاني مرافقي لزيارة الإذاعة، وإلقاء كلمة أسجل فيها انطباعاتي عن تلك الزيارة، فعلمت أن في الإذاعة قسم مراقبة يرأسه الأستاذ محمد حسن الشجاعي، وكذلك يوجد قسم مماثل في جريدة الأهرام وجريدة أخبار اليوم لهذه المهمة، أما ما تنشره بعض وسائل الاتصال الحديثة فقد فقدت مصداقيتها من كثرة ما تتناقله من الشائعات في مجتمعهم.
مشاركة :