مؤشر حوكمة الشركات مبادرة استراتيجية لزيادة تنافسية السوق السعودية

  • 4/15/2015
  • 00:00
  • 18
  • 0
  • 0
news-picture

يعد نظام حوكمة الشركات الفعال أحد العوامل الرئيسة لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية وتطوير وتنمية الأسواق المالية وكسب ثقة المستثمرين في الاقتصاد وإيجاد نمو اقتصادي مستدام. كذلك يؤدي نظام الحوكمة الجيد إلى تطابق مصلحة الإدارة العليا مع مصلحة المستثمرين. كما يضمن نظام حوكمة الشركات الفعال التوزيع والاستخدام الأمثل للموارد الاقتصادية وتوفير فرص عمل جديدة ويعزز النزاهة والمساءلة وروح المسؤولية الاجتماعية ويشجع الشركات على المشاركة في المشاريع التي تدعم الأعمال التعليمية والخيرية والأعمال الاجتماعية الأخرى. مؤشر حوكمة الشركات (Corporate Governance Index) هو ثمرة شراكة بين جامعة الفيصل والهيئة العامة للاستثمار (SAGIA)، وهذا المشروع المهم في مضمونيه وتوقيته يتم تنفيذه بالتعاون مع مركز كلاركسون لفعالية مجالس إدارة الشركات في جامعة تورنتو الكندية والدكتور ستيفن دافيز نائب المشرف وكبير الزملاء في برنامج حوكمة الشركات في جامعة هارفارد. والجدير بالذكر أن هذا المشروع يتم تنفيذه على ثلاث مراحل. المرحلة الأولى: حوكمة شركات السوق المالية في هذه المرحلة التي بدأ العمل فيها منذ عدة أشهر، قام فريق البحث المشرف على المشروع بتطوير مؤشر لقياس حوكمة الشركات المدرجة في السوق السعودي (Tadawul)، مبني على أفضل المعايير العالمية في حوكمة الشركات (Best practices in corporate governance). ويتكون هذا المؤشر من جزأين: - الإفصاح الإلزامي (Mandatory disclosure)، وهي المعلومات التي يجب على الشركات المدرجة في سوق المال الإفصاح عنها بموجب القوانين المنظمة لسوق المال السعودي مثل قواعد الإدراج في السوق المالي وقانون حوكمة الشركات. - الإفصاح التطوعي (Voluntary disclosure) وهذا الجزء مخصص للمعلومات الإضافية التي تفصح عنها الشركات طوعا من أجل تعزيز ثقافة الشفافية وهي المعلومات المتعارف على تسميتها بأفضل الممارسات في نظام حوكمة الشركات (Best practices in corporate governance). مع العلم بأن الحد الأقصى من النقاط التي يمكن للشركة الحصول عليها في هذين الجزأين الإفصاح الإلزامي والتطوعي، هي 100 نقطة بواقع 50 نقطة لكل جزء. ومن المتوقع أن تحصل معظم الشركات على الـ50 نقطة المخصصة للإفصاح الإلزامي، حيث إنه من البديهي أن تمتثل أغلبية الشركات المدرجة في سوق المال للقوانين المرعية والمنظمة للسوق، لكن المساهمة الحقيقية لمشروع حوكمة الشركات تكمن في جزئه الثاني، أي الإفصاح الطوعي (Voluntary Disclosure) للشركات. وما لا شك فيه أن هذا سوف يوجد بيئة تنافسية بين الشركات السعودية ويثري ثقافة الإفصاح خاصة في التقارير المالية، وهذا بدوره سوف يرتقي بالسوق السعودي ويعزز ثقافة الشفافية والمساءلة وزيادة تنافسية السوق وقدرته على جذب المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء، خاصة المؤسسات الاستثمارية، التي تمثل العنصر الأساسي لتطوير الأسواق المالية ونضوجها. تقرير مؤشر حوكمة الشركات سوف يتم نشره بشكل سنوي من قبل مركز أبحاث حوكمة الشركات التابع لكلية إدارة الأعمال في جامعة الفيصل ابتداء من العام الحالي وسوف يتكون التقرير من ثلاثة أجزاء: - الجزء الأول، ســــيتــضــمـــن الترتيب الخاص بجميع الشركات المدرجة في سوق المال حسب النقاط التي حصلت عليها في تقييم حوكمة الشركات مع التركيز على الشركات التي حصلت على أفضل النقاط ونشر مقتطفات من تقاريرها السنوية ضمن تقرير مؤشر الحوكمة. - الجزء الثاني، سينشر الشركات حسب القطاع الصناعي على أساس نقاط المؤشر الخاص بكل شركة، مع التركيز على الشركات الأفضل في كل قطاع (صناعة). - الجزء الثالث، سيعرض طرق البحث والتقييم المتبعة في حساب المؤشر. المرحلة الثانية: حوكمة الشركات العائلية خلال السنتين أو السنوات الثلاث المقبلة سيتم توسيع نطاق مشروع حوكمة الشركات ليشمل الشركات العائلية، خاصة الكبيرة منها، حيث إن الشركات العائلية هي الشكل الرئيس لشركات الأعمال في المملكة وتمثل نحو 95 في المائة من الشركات السعودية وهي بمثابة العمود الفقري للاقتصاد السعودي غير النفطي. وهناك أكثر من خمسة آلاف شركة عائلية في المملكة لم تدرج في سوق المال منها سوى أقل من 3 في المائة. ووفقا لغرفة جدة التجارية والصناعية فإن الشركات العائلية تسهم بنحو 25 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ومساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي تتجاوز 50 في المائة، وهذا المعدل يعكس أهمية الشركات العائلية في الاقتصاد السعودي. (The Economic Times: July 26, 2012). هيمنة الشركات العائلية في السوق السعودي تمثل تحديا لحوكمة الشركات، حيث إن المصاعب التي تواجه الشركات العائلية تختلف عن مثيلاتها التي تواجه الشركات المساهمة التي تكون فيها الملكية موزعة بين عدد كبير من المساهمين وتدار غالبا من قبل مديري ورؤساء محترفين من غير الملاك، في حين أن الشركات العائلية خاصة في جيل المؤسسين أو الجيل الثاني تدار من قبل المؤسسين وأعضاء الأسرة الآخرين. ونتيجة لذلك فإن هذه الشركات غالبا ما تواجه تحديات في استقطاب الكفاءات المهنية الجيدة لتولي المناصب الإدارية العليا في الشركة بسبب مقاومة أفراد العائلة وخصوصا المديرين منهم عن التخلي عن سيطرتهم على الشركة أو التخلي عن عادات العمل أو تغيير طريقتهم في تسيير أعمال الشركة. لذلك فإن هذه الشركات، خاصة بعد جيل المؤسسين، تواجه عديدا من التحديات والمشكلات مثل الخلافة، والقدرة على الاقتراض من البيوت المالية لتمويل مشاريعها، والقدرة على استقطاب الكفاءات المؤهلة تأهيلا عاليا لإدارة هذه الشركات، واحتمال الفشل في أعمالها التجارية، إضافة إلى المشكلات العائلية وغياب الاتفاق في الأسرة. هذه بعض الأمثلة عن التحديات الخاصة التي تواجه الشركات العائلية التي قد تصل إلى تهديد وجودها. وفقا لمعهد الشركات العائلية، فإن معدل استمرار الشركات العائلية للوصول إلى الجيلين الثاني والثالث هو 30 في المائة و12 في المائة على التوالي، بينما نسبة الشركات العائلية التي تستمر على قيد الحياة والوصول إلى الجيل الرابع هي 3 في المائة فقط. بناء على هذه الإحصائيات فإن نحو 90 في المائة من الشركات العائلية السعودية الموجودة اليوم لن تستمر على قيد الحياة بعد الجيل الثاني. لأجل هذا، فإن أي حديث لتطوير حوكمة الشركات في السوق السعودية لن يكتمل ما لم يتطرق الحديث للتحديات الخاصة التي تواجه الشركات العائلية. إن إنشاء نموذج مناسب (Appropriate model) لحوكمة الشركات العائلية يساعد هذه الشركات على بناء نظام حوكمة فعال ويحسن نظم الرقابة الداخلية وإدارة المخاطر لهذه الشركات. ويوفر النموذج ضمانات للمقرضين وطمأنة بأن مصلحتهم سيتم الاعتراف بها ومعالجتها، وهذا بدوره يساعد في تخفيض تكلفة الإقراض لهذه الشركات (Williamson, 1975) ويحسن من صورتها ويقوي جاذبيتها للمستثمرين عندما تطرح هذه الشركات للاكتتاب العام في المستقبل. المرحلة الثالثة: الوزارات والهيئات الحكومية خلال السنوات الأربع أو الخمس المقبلة سيتم توسيع مشروع مؤشر حوكمة الشركات ليشمل الوزارات والهيئات والإدارات والمصالح الحكومية. إن نظام الحوكمة الجيد أمر أساسي لأي منظمة وهي سمة مميزة لكل جهة تعمل بشكل جيد بصرف النظر عن شكلها القانوني. والإدارات الحكومية في المملكة لها تاريخ طويل أسهمت خلاله في دفع عجلة التنمية الاقتصادية، والتعليمية، والصناعية، والاجتماعية في المملكة بشكل فعال. وأيضا عملت كمحركات لتطوير وتنمية المجتمع وأسهمت في إنشاء البنية التحتية الضرورية لتقديم الخدمات الأساسية المهمة مثل التعليم والصحة وتوفير الأمن وفرص العمل وبناء وتشكيل هويتنا الوطنية. لكن التطوير مطلوب للارتقاء بأداء القطاع العام وتحسين أدائه والحفاظ على المال العام، حيث إن نظام الحوكمة الجيد في الإدارات والأجهزة الحكومية يعزز ثقافة النزاهة والشفافية والمساءلة وتحسين التخطيط ومراقبة الأداء وتحسين الثقة العامة في النظام السياسي وأداء الحكومة وموظفي القطاع العام (Deloitte, 2014). كذلك فإن نظام الحوكمة الجيد يعزز قدرة الجهات الحكومية على استقطاب المهنيين المؤهلين تأهيلا عاليا للعمل في القطاع العام وتطوير أدائه. الشراكة مع مجتمع الأعمال والمهتمين بحوكمة الشركات من أجل نجاح مشروع حوكمة الشركات يجب أن تكون هناك شراكة حقيقية بين مركز أبحاث حوكمة الشركات التابع لكلية إدارة الأعمال بجامعة الفيصل ومجتمع رجال الأعمال، والجهات التنظيمية والرقابية والمهنية والمتخصصين في حوكمة الشركات وجميع الأطراف الأخرى المهتمة بهذا الموضوع الاستراتيجي والحيوي. والهدف من هذه الشراكة هو العمل معا من أجل تحسين ثقافة حوكمة الشركات في السوق السعودي من خلال برنامج طويل الأجل يسعى إلى التحسين التدريجي المدروس الذي يستمد الحكمة من جميع الاتجاهات. خلال الأشهر القليلة الماضية قامت كلية إدارة الأعمال بجامعة الفيصل بالاتصال بعدد من الجهات التنظيمية والرقابية والمهنية والشركات من أجل بناء جسور هذه الشراكة. وقد تم تدشين مشروع حوكمة الشركات وعقد اجتماع الطاولة المستديرة الخاص بمناقشة معايير حوكمة الشركات أمس الأول تحت رعاية الدكتور توفيق الربيعة وزير التجارة والصناعة في جامعة الفيصل وبحضور نخبة من قادة مجتمع الأعمال من رؤساء وأعضاء مجالس إدارة ومديرين تنفيذيين ورؤساء ومحافظين الهيئات التنظيمية والرقابية والمهنية والمختصين والأطراف الأخرى المهتمة بموضوع حوكمة الشركات. في الختام، فإن مشروع حوكمة الشركات مبادرة استراتيجية تأتي في الوقت المناسب، ونحن هنا نثني على جامعة الفيصل لتبني هذا المشروع الذي سوف يعطي كلية إدارة الأعمال في جامعة الفيصل ميزة تنافسية فريدة في مجال تعليم وممارسة حوكمة الشركات في المملكة، وربما في المنطقة لعدة سنوات مقبلة. ذلك نود أن نشكر الهيئة العامة للاستثمار (SAGIA)، لا سيما المحافظ المهندس عبداللطيف العثمان ونائبه الأمير سعود بن خالد الفيصل لتبنيهما هذه المبادرة الطموحة ولتعهدهما بدعمها ورعايتها حتى يشتد عودها وتؤتي ثمارها في المستقبل القريب بمشيئة الله عز وجل. مشروع حوكمة الشركات مبادرة واعدة ومن المرجح أن تحدث نقلة نوعية في ثقافة حوكمة الشركات في السوق السعودي لعدة أسباب، هي: أولا، من المقرر أن يتم السماح للمستثمرين الأجانب وخاصة المؤسسات الاستثمارية بالاستثمار المباشر في السوق السعودي خلال هذا العام، ومشروع حوكمة الشركات مهم جدا للسوق السعودي ويطرح في الوقت المناسب حيث من المتوقع أن يسهم في نمو السوق وتطوره وزيادة قدرته التنافسية. تظهر نتائج البحوث بأن نظام حوكمة الشركات الجيد أحد العوامل الرئيسة في اتخاذ القرارات الاستثمارية، ولا سيما في الأسواق الناشئة. كما تظهر الأبحاث بأن نظام حوكمة الشركات أصبح أحد المبادئ الأساسية التي تستخدم على نطاق واسع من قبل المستثمرين كأداة لفحص وتحديد الفرص الاستثمارية الجيدة. ثانيا، المشروع يوجد فرصا كبيرة في مجال التعليم والتدريب والاستشارات المتعلقة بحوكمة الشركات وهذا سوف يؤدي إلى ظهور صناعة حوكمة شركات قوية توفر مصدر عمل مستدام للشباب السعودي وتسهم في تنمية وتنويع قاعدة الاقتصاد. ثالثا، مشروع حوكمة الشركات يوفر فرصة ثمينة لتدريب طلبة المحاسبة حيث من المتوقع أن ينضم عدد منهم للمشروع في كل عام وسوف يقدم المشروع لهؤلاء الطلاب فرصة لا مثيل لها من شأنها أن تثري تعليمهم الأكاديمي وإكسابهم مهارات عملية ومهنية مطلوبة في سوق العمل. أخيرا: مركز أبحاث حوكمة الشركات التابع لكلية إدارة الأعمال في جامعة الفيصل يسهم في نجاح المشروع حيث إنه سيتم توفير المعلومات المتعلقة بالحوكمة للباحثين سواء أكانت المعلومات الخاصة بالشركات المدرجة في سوق المال أو العائلية أو الإدارات والمصلحة الحكومية. إضافة إلى ذلك فإن المركز سوف يتبع ويرصد ممارسات الحوكمة في السوق السعودي وتحديد التحديات والصعاب التي يواجهها مشروع حوكمة الشركات وإجراء البحوث المتعلقة بحوكمة الشركات وإصدار التوصيات التي تهدف إلى مساعدة صانعي السياسات المتعلقة بتعزيز أنظمة السوق وتحسين حوكمة الشركات.

مشاركة :