كشفت دراسة جديدة أجراها فريق من جامعة نيويورك أبوظبي، عن إمكانية تصنيع الإسمنت من الطين المالح الناتج عن عملية تحلية المياه، وعن أن دولة الإمارات في مكانة مميزة لتصبح الرائدة في هذا المجال الجديد والفريد من نوعه للبناء المستدام. وتضم دولة الإمارات أكثر من 70 محطة تحلية تؤمّن مياه الشرب، وعلى الرغم من ذلك، تعود هذه الكميات الكبيرة من المياه الصالحة للشرب بفاتورة بيئية عالية القيمة، حيث لا يقتصر الأمر فقط على حرق كميات كبيرة من الوقود الأحفوري لتسخين مياه البحر، والذي يؤدي لإطلاق ثاني أكسيد الكربون في الجو، بل يمتد الأمر إلى النفايات المتبقية (المياه المالحة عالية التركيز)، والتي تضخ مجدداً إلى الخليج، لتزيد من مستويات ملوحة مياه الخليج العربي، والذي يُعد واحداً من المناطق المائية الأكثر ملوحة في العالم. وعلاوة على ذلك، تترك مصانع الإسمنت التقليدية بصمة كربونية أكبر، حيث يعتبر «الإسمنت البورتلاندي» الذي تم تطويره في القرن التاسع عشر في إنجلترا النوع الأكثر استخداماً في قطاع البناء العالمي. ويتم إنتاج هذا النوع من الإسمنت في مصانع ذات أفران ضخمة، حيث يتم تسخين الحجر الكلسي والطين والصخور الرسوبية إلى درجات حرارة عالية جداً بين (1450 و1550) درجة مئوية، لإنتاج المسحوق ذي اللون الرمادي المألوف، والذي يعتبر شريان الحياة لقطاع البناء. ويتم تأمين هذه الدرجات العالية من الحرارة من خلال تسخين الوقود الأحفوري، والذي يجعل مصانع الإسمنت واحدة من أكبر المنشآت المولدة لانبعاثات الغازات الدفيئة. وأوضح كمال تشيلك، الأستاذ المساعد في الهندسة المدنية في جامعة نيويورك أبوظبي، أن المنتجات الثانوية للصناعات الأخرى توفر بديلاً مستداماً للأسمنت البورتلاندي، ويتمثل أحد هذه الخيارات في مادة أوكسيد المغنيسيوم عالي التفاعلية، والذي يمكن لدولة الإمارات الوصول إلى إمدادات هائلة منه، مضيفاً أنه يمكن استخلاص هذه المادة من المحلول الملحي المتبقي من عملية تحلية مياه البحر. وتابع: يتم إنتاج الإسمنت المصنوع من أوكسيد المغنيسيوم عالي التفاعلية بدرجات حرارة أقل بكثير من الإسمنت البورتلاندي، وبذلك لن تحرق المعامل كميات كبيرة من الوقود، ما يحفّز من عملية محايدة الكربون، لافتاً إلى أن الإسمنت الذي توصلنا إليه يمتص ثاني أوكسيد الكربون أثناء عملية التصلب لأن قوته تعتمد على ذلك، وبإمكانه الاستمرار في امتصاص ثاني أوكسيد الكربون لفترة طويلة بعد خلطه في الخرسانة، ما يجعله ذا أثر كربوني سلبي. وبناءً عليه، فإن الطرقات والمباني المصنوعة من هذا النوع من الإسمنت ستمتص فعلياً ثاني أوكسيد الكربون من الجو على مدار السنوات، لتساعد في مواجهة التغير المناخي. وقال تشيلك: «لا يتميز هذا النوع من الإسمنت بمزايا الاستدامة البيئية فقط بل بالكفاءة من حيث التكلفة أيضاً، حيث تستطيع محطات التحلية البدء ببيع نفاياتها لمصانع الإسمنت وتحقيق الأرباح منها، ليوفر المنتج وضعاً مربحاً للجميع». وأوضح أن الفحوصات المخبرية أثبتت أن الإسمنت المصنوع من أوكسيد المغنيسيوم عالي التفاعلية يمتلك صلابة الخلطة البورتلاندية نفسها. التفاعلات الداخلية تسهم الدراسات المستقبلية في تزويد الباحثين بفكرة حول نوعية التفاعلات الداخلية الأخرى التي ستحدث على المدى الطويل، والتي من الممكن أن تؤثر على الطريقة التي يستخدم فيها هذا المنتج الجديد. كما أن العمل جارٍ على قدم وساق لتسريع عملية الكربنة، حيث يقوم فريق الأبحاث الخاص اليوم بجمع مياه البحر من الخليج العربي لصنع عينات الاختبار، ويأملون البدء بالحصول على المواد اللازمة من محطات التحلية المحلية في وقتٍ قريب.
مشاركة :