يقارب المتابعون لسوق الانتقالات الصيفية الحالية نشاط الأندية وكيفية تحرّكها لتعزيز خطوطها من زاوية مستوى وقيمة اللاعب القادر على الإمضاء لهذا الفريق أو ذاك، لكن حقيقة العقود تكشف العديد من الأمور التي تتجاوز أحيانا اللاعب والنادي في ظل سوق مفتوحة لا تعترف سوى بمن يدفع أكثر. وفي موسم انتقالات عرف الكثير من الجدل حول انتقال بعض النجوم بينهم نجم أياكس أمستردام الهولندي ماتيس دي ليخت إلى أندية كبرى، ظهرت الكثير من التوقعات لكنها كانت في مجملها غير صائبة. وأحيانا تكون رؤية البعض محدودة في تقييمهم لسؤال غاية في الأهمية، لماذا يقرر هذا النجم أو ذاك الإمضاء لهذا الفريق دون غيره رغم التقارير التي تكاد لا تتوقف وتربطه بأكثر من ناد منذ افتتاح سوق الانتقالات إلى غاية الكشف عن إمضاء اللاعب على العقد؟ الجواب بكل بساطة تحدده قيمة السعر الذي يراهن هذا النادي أو ذاك على تقديمه لإغراء النجم المطلوب بالالتحاق بصفوفه، مقابل عجز كشفت عنه الأرقام والصحف العالمية لمعظم الأندية وخصوصا الألمانية والإسبانية في مستوى رصيدها من السيولة لجلب لاعبين جدد رغم أنها في حاجة ملحة لعقد صفقات. وأثار النجم الهولندي دي ليخت الكثير من التساؤل منذ انطلاق الميركاتو الصيفي الحالي وحيّر الخبراء والمتابعين لأخباره وربطه البعض بالانتقال إلى أكثر من فريق كبير في أوروبا. وفي النهاية تمكن نادي يوفنتوس بطل الدوري الإيطالي لكرة القدم في المواسم الثمانية الأخيرة من الظفر بخدمات هذا الشاب لمدة خمسة أعوام، جاعلا منه أغلى مدافع في العالم. الأغلى أجرا رغم مرور أكثر من أسبوع على إمضاء هذه الصفقة، لكن صداها لا يزال يتردّد في الأوساط الرياضية، حيث يرى مهتمون بسوق الانتقالات أنه بالنظر إلى قيمة الصفقة المالية فإن يوفنتوس اللاهث وراء لقب دوري الأبطال لم يعد منشغلا بالقيمة المالية بقدر انشغاله برؤية الأمور تتوضّح داخل الفريق خصوصا في المراكز التي عانى منها كثيرا في الموسم الماضي. وبلغت قيمة الصفقة 75 مليون يورو إضافة إلى 10.5 ملايين يورو مكافآت ليكون دي ليخت ثالث أغلى لاعب في تاريخ نادي السيدة العجوز بعد البرتغالي كريستيانو رونالدو (105 ملايين يورو عام 2018 قادما من ريال مدريد الإسباني) والأرجنتيني غونزالو هيغواين (90 مليون يورو عام 2016 قادما من نابولي). وبات دي ليخت أغلى مدافع في العالم بعدما تفوق على مواطنه قائد منتخب هولندا وفريق ليفربول الإنكليزي فيرجيل فان دايك الذي انتقل إلى صفوف الأخير قادما من ساوثهامبتون مقابل 84 مليون يورو في يناير 2018. وتعكس هذه الأرقام قدرة الفريق الإيطالي على الإنفاق في سوق انتقالات يصفها البعض بـ“المجنونة”، حيث بات السيدة العجوز “ملك” الصفقات القياسية بكل المقاييس وفق ما يرى مهتمون بانتقالات اللاعبين في وقت تعاني فيه أندية أخرى من توفير السيولة الكافية لاستقدام بعض اللاعبين في مراكز حساسة على غرار ما يعيشه الآن فريق بايرن ميونيخ الألماني وريال مدريد الإسباني لتعويض رحيل بعض الوجوه التي غادرت الفريقين. يبدو أن التعطش للألقاب والإعجاب الكبير بالمدافعين الإيطاليين منذ الصغر قد دفعا الدولي الشاب إلى التعاقد مع يوفنتوس وكان يوفنتوس أعرب عن سعادته بالتعاقد مع قائد أياكس أمستردام، مشيدا بمدافعه الجديد من حيث “المهارة الفنية، القوة البدنية الهائلة، الرؤية الثاقبة فوق الملعب، إضافة إلى الإدارة والديناميكية الدفاعية والحسّ التهديفي وخصوصا بالرأس”، في خلاصة اعتبرها النادي بمثابة توليفة مثالية للمدافع الحديث. ومن جهته صرّح دي ليخت في مقطع فيديو إلى جمهور يوفنتوس لدى وصوله تورينو لإكمال الفحوصات الروتينية قبل التوقيع على العقد، قائلا “مرحبا ‘بيانكونيري’ (لقب يوفنتوس استنادا إلى لونيه الأبيض والأسود)، هذا ماتيس وأنا سعيد بالتواجد هنا”. وفي تصريح لتلفزيون أياكس، كشف دي ليخت الذي نشر على وسائل التواصل الاجتماعي صورة له مرتديا قميص يوفنتوس حين كان طفلا، “لقد أحببت أسلوب الدفاع على الطريقة الإيطالية، ولهذا السبب قمت بهذا الخيار. أنا مفتون بالدفاع الإيطالي منذ أن كتب صغيرا. العديد من اللاعبين القدوة خلال نشأتي كانوا إيطاليين، مثل مالديني، باريزي، نستا، كانافارو وغيرهم”. وبحسب وسائل الإعلام الإيطالية، فإن الراتب السنوي لدي ليخت يتجاوز 7.5 ملايين يورو ويمكن أن يصل إلى 12 مليون يورو مع المكافآت. وفضلا عن ذلك، فإن عقده يتضمن بندا بخصوص الشرط الجزائي والذي يبلغ 150 مليون يورو اعتبارا من صيف 2021. ورغم أن عالم كرة القدم لا يعترف سوى باللاعبين الخالدين في ذاكرة أي متابع لأجواء الكالشيو، لكن ما هو معلوم أن هذا الدوري تفنّن، إضافة إلى الطابع المشحون الذي يضفيه على منافساته، في خلق نجوم كبار بمركز خط الدفاع بالأساس، وهو ربما ما فكر فيه دي ليخت مليا قبل حسم وجهته بالانتقال إلى يوفنتوس. وساهم الواعد دي ليخت (19 عاما) في تألق فريقه أياكس أمستردام الموسم الماضي في مسابقة دوري أبطال أوروبا عندما بلغ دور الأربعة بإطاحته ريال مدريد الإسباني حامل اللقب من ثمن النهائي ويوفنتوس بالذات من ربع النهائي قبل أن يخرج على يد توتنهام الإنكليزي بفارق الأهداف (فاز 1-0 في لندن، وخسر 2-3 في أمستردام). وكان المئات من مشجعي يوفنتوس في انتظار دي ليخت أمام المركز الطبي للنادي حيث خضع للفحوص الطبية التقليدية الروتينية. وبات دي ليخت أحد أبرز المدافعين المطلوبين من أندية القارة الأوروبية، بينها باريس سان جرمان الفرنسي وبرشلونة الإسباني. وعلق مينو رايولا وكيل أعمال دي ليخت على الصفقة، قائلا “كان المشروع الرياضي حاسما”، مضيفا “بالنسبة لأي مدافع، فإن إيطاليا هي الأفضل دائما”. ويتقن الدولي الهولندي الفارع الطول (1.89 م) اللعب بكلتا القدمين ويحسن التمركز في أرضية الملعب بشكل رائع. وفي فريق مثل يوفنتوس يمني هذا المدافع الشاب النفس بأن يكون مشواره خير تجربة يتمكن خلالها من الاحتكاك بأفضل المدافعين ويكسب خبرة إضافية في هذا المركز، باعتباره سيتبارى مع أكثر المدافعين نشاطا في الكالشيو المعروف بقوة وصلابة مدافعيه. وسيجاور دي ليخت في يوفنتوس وبإشراف المدرب ماوريتسيو ساري “أساتذة الدفاع” جورجو كييليني (34 عاما) وليوناردو بونوتشي (32 عاما)، وسيكون بمثابة تشبيب لخط الدفاع الثلاثيني لنادي السيدة العجوز: استهل كييليني مسيرته الاحترافية صيف 2000 عندما كان دي ليخت، المولود صيف 1999، يبدأ خطواته الأولى في الحياة. وفي ذلك الحين، لم يكن أحد يتنبأ بمصير نجم كرة قدم بالنسبة لدي ليخت الذي كان منبهرا أكثر بالهوكي على العشب وهو طفل. وبالنسبة إلى مدرب هولندا رونالد كومان، فالمسألة بسيطة للغاية “دي ليخت سيصبح على المدى القصير أحد أفضل المدافعين في العالم”، فيما علق ناديه السابق أياكس على انتقاله قائلا “اعتنوا به”. وبحسب صحيفة “ألخيمين داغبلاد” اليومية الهولندية، فقد تم إقناع دي ليخت بصعوبة للالتحاق بمدرسة شباب أياكس عندما اكتشف مواهبه أحد الوكلاء في سن التاسعة.كان هادئا في البداية، خجولا، بدينا، لكن سرعان ما غير وضعه، ليصبح محترفا في سن المراهقة، ثم دوليا، ثم قائدا. وبدأ دي ليخت مسيرته الاحترافية في سن السادسة عشرة وتحديدا في سبتمبر 2016، وارتدى قميص المنتخب البرتقالي في عمر 17 عاما فقط وتحديدا في مارس 2017. وخاض النجم الهولندي 117 مباراة في مختلف المسابقات بقميص أياكس، وسجل 13 هدفا، بينها 10 أهداف بالرأس. وحيا يوفنتوس الأهداف الثلاثة التي سجلها دي ليخت برأسه على الصعيد الأوروبي في مغامرة الفريق إلى المربع الذهبي الموسم الماضي، علما وأنه سجل هدف الفوز في عقر دار يوفنتوس وساهم في إقصاء النادي الإيطالي من الدور ربع النهائي بإلحاق الهزيمة به إيابا 1-2، بعد التعادل 1-1 ذهابا. وأوضح فريق السيدة العجوز أن لاعبا واحدا فقط سجل أهدافا أكثر منه بالرأس الموسم الماضي هو زميله الجديد في فريق السيدة العجوز البرتغالي كريستيانو رونالدو الذي سجل أربعة أهداف. وكانت العديد من وسائل الإعلام كشفت أن رونالدو طلب من دي ليخت الانضمام إلى صفوف يوفنتوس عقب مباراة الفريقين في إياب ربع نهائي مسابقة دوري الأبطال الموسم الماضي. جاء للفوز بكل شيء الأكيد أن الحلم الذي يراود هذا الشاب الطموح قبل إمضاء عقد انتقاله إلى السيدة العجوز هو الفوز باللقب الأبرز في أوروبا، دوري الأبطال، وقد كان اختياره ذكيا وفق بعض المتابعين، لجهة الدور الذي يقوم به فريق يوفنتوس في السنوات الأخيرة من أجل الحصول على هدفه والانتدابات التي قام بها في هذا المستوى. وكشف قلب الدفاع الدولي دي ليخت أنه قرر القدوم إلى يوفنتوس الإيطالي من أجل الفوز بكل شيء. وقال ابن الـ19 عاما أمام وسائل الإعلام “هناك ثلاث بطولات نشارك فيها، ربما أربع مع الكأس السوبر: الدوري، كأس إيطاليا ودوري أبطال أوروبا. نريد الفوز بكل شيء، أعتقد أن هذا هو الأمر الأهم. تريد الفوز بكل شيء تشارك فيه وفريق مثل يوفنتوس يريد الفوز، وبالتالي لن يختلف الأمر هذا العام”. ويبدو أن التعطش للألقاب وإعجابه الكبير بالمدافعين الإيطاليين منذ الصغر دفعا الدولي الشاب إلى التعاقد مع يوفنتوس، مع أن برشلونة الإسباني وباريس سان جرمان الفرنسي كانا مهتمين بخدماته أيضا. وأشار دي ليخت إلى أن الحديث الذي أجراه معه نجم يوفنتوس كريستيانو رونالدو بعد نهائي دوري الأمم الأوروبية بين البرتغال وهولندا، حيث حثه على الانضمام إلى بطل إيطاليا في المواسم الثمانية الأخيرة، لم يؤثر على قراره “لكن بالطبع، هذا أمر جميل أن يطلب منك لاعب مثل كريستيانو رونالدو الانضمام إلى يوفنتوس. إنه إطراء كبير”. وفي المقابل، كان لقدوم مدرب نابولي وتشيلسي الإنكليزي السابق ماوريتسيو ساري إلى يوفنتوس دور مؤثر على قرار المدافع الهولندي لأنه “سمعت عنه الكثير من القصص الجيدة، الطريقة التي يلعب بها، فلسفته، أساليبه الكروية، كيف يجهز الخط الدفاعي.. بالتأكيد، شكل (ساري) حافزا كبيرا لي من أجل القدوم”. وفي تصريح لتلفزيون أياكس كشف دي ليخت “لقد أحببت أسلوب الدفاع على الطريقة الإيطالية، ولهذا السبب قمت بهذا الخيار. أنا مفتون بالدفاع الإيطالي منذ أن كنت صغيرا. العديد من اللاعبين القدوة خلال نشأتي كانوا إيطاليين، مثل مالديني، باريزي، نستا، كانافارو وغيرهم”. وضمن مسعاه لفك النحس وتحقيق حلم إحراز لقب دوري أبطال أوروبا الذي انتهى الموسم الماضي في ربع النهائي برأسية من دي ليخت بالذات (2-1 إيابا في تورينو)، ارتفع عدد القادمين إلى يوفنتوس هذا الصيف إلى سبعة لاعبين. وعاد إلى “بيانكونيري” في صفقة انتقال حر حارسه المخضرم جانلويجي بوفون الذي تركه الموسم الماضي للدفاع عن ألوان باريس سان جرمان الفرنسي الذي خسر أيضا لاعب وسطه أدريان رابيو لصالح “السيدة العجوز” دون مقابل. كما انضم إلى عملاق تورينو لاعب الوسط الدولي الويلزي أرون رامسي بانتقال حر بعد انتهاء عقده مع أرسنال الإنكليزي، والأرجنتيني كريستيان روميرو من جنوى، لوكا بيليغريني من روما والتركي ميريه ديميرال من ساسوولو.
مشاركة :