لا ينفرد مشروع إيلون ماسك في البحث عن تكامل الدماغ البشري مع الذكاء الاصطناعي، لكنه يتصدر ذلك السباق، الذي قد لا نعرف عنه سوى القمة الطافية من جبل الجليد، التي تقدمها لنا التقارير الإعلامية. مشروع إيلون ماسك، الذي بدأ قبل عامين بتأسيس شركة نيورالينك (Neuralink) دخل اليوم مرحلة جديدة بالسعي لإجراء تجارب عملية على البشر، بعد إنجاز البحوث العلمية، التي تسعى لتمكين البشر من مواجهة مخاطر هيمنة الآلات الذكية على حياتنا. ينطلق ذلك مع رؤية ماسك أن الروبوتات الخارقة ستفكر حتما في التحكم بحياة البشر وأنها ستقضي علينا ذات يوم إن لم تتكامل عقولنا مع الذكاء الاصطناعي وترتبط بالكمبيوتر لنتمكن دوما من التفوق عليها. ذلك المشروع ليس الوحيد، فهناك عشرات التجارب والمشاريع المعلنة التي تحاول توصيل الدماغ بالإنترنت وكذلك ربط أدمغتنا ببعضها لتكوين دماغ بشري خارق. لكن التقارير الإخبارية لا تقدم سوى جانب ضئيل من ملامح المشاريع المعلنة وما يمكن أن نفهمه ونتقبله منها. يمكننا ببساطة أن نتخيل وجود الكثير من المشاريع السرية، التي تقودها وتمولها أجهزة الاستخبارات ووزارات الدفاع وتعد من الأسرار القومية بسبب علاقتها بسباقات التسلح والتوازنات بين الدول العظمى. وقد تكون هناك تجارب عسكرية من قبل دول شمولية لا تمنعها أيّ قواعد أو ضوابط قانونية أو أخلاقية عن خلق جنود خارقين لحماية الأمن القومي لتلك الدول وبقاء الأنظمة الحاكمة. المشكلة في هذه البحوث أنها تكتسب زخمها الخاص وقد تخرج عن نطاق سيطرة الجهات التي أطلقتها وكذلك السلطات التنظيمية لتفتح الأبواب أما عواقب قد تدمر مستقبل حياة البشر على هذا الكوكب.قيادة إيلون ماسك هناك تجارب كثيرة في هذا المجال، لكنها دخلت في مدار آخر منذ اقتحامها من قبل الملياردير المغامر إيلون ماسك، الذي سبق أن نجح في إحداث انقلابات كبرى في ميادين عديدة من السيارات الكهربائية إلى السفر بسرعة الرصاصة من خلال أنفاق الهايبرلوب وصولا إلى فتوحاته الكبرى في مجال الفضاء من خلال شركة سبيس اكس. ويقول ماسك إن برنامج نيورالينك يسعى “لحفظ النوع البشري من خلال مواصلة التفوق على الآلات خارقة الذكاء” ويقول إن الهدف بعيد المدى للبرنامج هو خلق تكامل بين الدماغ البشري والذكاء الاصطناعي. وأوضح أن الروبوتات الخارقة ستهيمن في المستقبل على حياتنا وأن البشر سوف يحتاجون للتفكير مثل الآلات لتجنب تدميرهم من قبلها. وهو يرى أن الروبوتات ستصبح فائقة الذكاء والتطور ومتقدمة جدا وأنها ستحاول الإطاحة بصانعيها البشر. ويرسم ماسك صورة قائمة لمستقبل البشر إذا لم ندخل المنافسة مع الروبوتات بتوصيل أدمغتنا بالكمبيوتر. ويقول “إذا بقينا على قيد الحياة فسوف نكون مقيدين وربما يتم إقصاؤنا إلى محميات نائية مثل الشمبانزي”. ويحذر من أن الذكاء الاصطناعي ينمو بوتيرة سريعة وأن مساهمة الذكاء البشري في المستقبل ستكون قليلة جدا. ويقول على سبيل المثال إن الآلات تعمل بسرعة تريليون بايت في الثانية، بينما يعمل الدماغ البشري عادة بسرعة 10 بايت. ويرى أنه سباق غير متكافئ ومن شأن ربط الدماغ رقميا بأجهزة الكمبيوتر أن يحدث نوعا من التكامل بين الاثنين. ويشير موقع نيورالينك على الإنترنت إلى أنه يطور روابط برودباند كبيرة القدرات لربط الدماغ بالكمبيوتر. ويقول ماسك إن البرنامج سيركز أولاً على التطبيقات الطبية لكنه سيطور الرقائق الإلكترونية الدماغية للوصول إلى تكامل الدماغ مع الذكاء الاصطناعي. التطبيق العملي في المدى المنظور هناك فوائد مباشرة لزراعة رقائق الكمبيوتر في الدماغ، منها علاج بعض الأمراض، مثل باركنسون، لكن إيلون ماسك يودّ تجاوز الحدود بشرائح دماغية تتصل بالإنترنت وبالبيانات السحابية الإلكترونية. الانتقال إلى التطبيق العملي أكده رئيس نيورالينك ماكس هودال، الذي قال إن الشركة تسعى حاليا للحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) لبدء إجراء تجارب على البشر بحلول العام المقبل من خلال زرع أجهزة في الدماغ تعزز قدراتهم الإدراكية بشكل كبير. ويقول ماسك إن الشركة تريد أن يكون لديها أول مريض مجهز بهذه التكنولوجيا قبل نهاية العام المقبل وأن عمليات زرع الأجهزة في الدماغ ستكون بنفس سهولة عمليات جراحة العيون بتقنية الليزيك. ويقلل ماسك من شأن هذه القفزة الكبيرة بالقول إن “البشر مرتبطون بشدة بالفعل بالهواتف الذكية دون أن يدركوا ذلك” الهاتف الذكي حاليا هو بالفعل امتداد للبشر وهو يقود حياتهم بالفعل. وتتلخص التجارب الأولية المقترحة بحفر أربعة ثقوب بحجم 8 ميليمترات في جماجم أشخاص مصابين بالشلل وزرع أجهزة داخل أدمغتهم، تمنحهم القدرة على التحكم في الأجهزة الإلكترونية باستخدام أفكارهم. ويشير هودال إلى فوائد كبيرة لتلك التجارب بالقول “ستكون هناك أشياء عظيمة في هذا المجال في العقد المقبل، وينبغي أخذ الأمر على محمل الجد”. وجدد تحذيراته التي أطلقها مرارا من انفلات الذكاء الاصطناعي وطغيانه على الذكاء الإنساني، ليصبح أقوى كثيرا من البشر. ويرى أن ذلك يمكن أن يفجر مشاكل خطيرة. ودعا إلى إصدار تشريعات لتنظيم العلاقة بين الاثنين. ماسك مقابل زوكربرغويخوض ماسك معركة مع أصوات مضادة تسخر من تحذيراته المخيفة من مخاطر الذكاء الاصطناعي، أبرزها مع الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك، مارك زوكربرغ، والتي تفجرت قبل سنوات في مواجهة علنية بينهما. وكان زوكربرغ قد قال في بث حي عبر حسابه في فيسبوك إنه “ملّ من الترويج للخوف” وأضاف “أشعر بالتفاؤل الشديد بشأن الذكاء الاصطناعي” في إشارة مباشرة إلى تحذيرات ماسك. وقال زوكربرغ إنه لا يفهم “الأشخاص المعارضين الذين يحاولون التطبيل لسيناريوهات النهاية المحتومة. أظن أنه تصرف سلبي وفي بعض النواحي أظن بأنه تصرف غير مسؤول”. وقال زوكربرغ إنه لا يفهم “الأشخاص المعارضين الذين يحاولون التطبيل لسيناريوهات النهاية المحتومة. أظن أنه تصرف سلبي وفي بعض النواحي أظن بأنه تصرف غير مسؤول”. ورد ماسك على زوكربرغ من خلال حسابه في تويتر بالقول “لقد تحدثتُ إلى مارك حول هذا الموضوع، لكنّ فهمه له محدود” في سخرية شديدة من مؤسس فيسبوك. ويعود تفجير ماسك للجدل العالمي بشأن احتمالات التهديد من قبل الذكاء الاصطناعي إلى عام 2014، وتنبأ حينها بأن الآلات ستصبح أكثر ذكاء من البشر وأن ذلك سيؤدي إلى القضاء على البشرية. وأصبح ماسك يعبر بوضوح أكبر عن طموحاته الكبرى بزرع شرائح دماغية تتصل بالإنترنت والحوسبة السحابية، ليتخاطب الناس بأفكارهم دون الحاجة إلى التحدث أو كتابة الرسائل النصية أو الإلكترونية ويؤكد أن ذلك خيار حتمي لمواجهة خطر الآلات. لكن المخاوف من هذا الجموح لا يمكن تجاهلها، خاصة إمكانية تعرض الأدمغة للقرصنة، وهو ما يحول البشر إلى وسائل تدميرية يتحكم بها أشخاص مجهولون، إضافة إلى الأجهزة الإلكترونية التي يمكنها أن تتعرض للتلف وهو ما ينعكس على صحة الجسد وإمكانية تلف الدماغ. وبلغ السباق ذروة جديدة بإعلان وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) عن إبرام عقود مع 5 مؤسسات بحثية لتطوير برنامج يهدف إلى ربط دماغ الإنسان بالكمبيوتر من خلال أجهزة متناهية الصغر تقوم بترجمة الإشارات التي تصدرها الخلايا العصبية في الدماغ. وجرى تبرير المشروع، الذي تبلغ موازنته 65 مليون دولار، بحصر أهدافه بالأغراض العلاجية وتحسين قدرات الحواس ومعالجة مشاكل النطق وفقدان السمع والبصر. ويتسع يوما بعد يوم الجدل في الأوساط الشعبية ومواقع التواصل الاجتماعي، وتتباين الآراء في نطاق واسع بين الحماس لتلك الانقلابات الهائلة والتحذيرات الكارثية المخيفة، لكنها تجمع على أن ما سبق تقديمه في أفلام الخيال العلمي سيصبح واقعا ملموسا عما قريب. القضية لا تتعلق بعدد من المختبرات والمغامرين، فهناك بحوث اشتركت بها دول عديدة تؤكد أن عصر انتشار “إنترنت الأفكار” على نطاق واسع أصبح قريبا.ويقول بحث أعده 12 باحثا عالميا وشارك فيه عشرات المتعاونين من بلدان مختلفة ونشر في مجلة “فرونتيرز إن هيومان نيوروساينس” أن البشر سيكونون قادرين على تنزيل المعلومات من الإنترنت والمخزونات السحابية بمجرد التفكير في ذلك. ويشير البحث إلى تقنيات مختلفة عن مشروع ماسك، تعتمد روبوتات نانوية ضئيلة الحجم يمكن أن تدخل الدماع عن طريق الدم لتلتصق وتتكامل مع الخلايا العصبية لتربط الأدمغة بالإنترنت. ويذهب البحث إلى إمكانية أن تشكل جميع الأدمغة الموصولة بالإنترنت مجموعة تستطيع التفكير بشكل جماعي ويمكن أن نعتبرها “دماغا عالميا خارقا”. المخاوف الكارثية المؤكد أن تلك التجارب لن تكون في متناول أعداد كبيرة خلال وقت قريب. ليس لصعوبة توفيرها بل بسبب خطورتها وخشية السلطات من تداعياتها على الاستقرار والأمن بسبب ما يمكن أن تحدثه من زلازل في بنية المجتمع. وبعيدا عن إيقاع هذه الاختراقات العلمية يمكننا أن نتخيل من بعيد الأبواب التي يمكن أن تفتحها مغامرة توصيل الدماغ بالإنترنت، من إمكانية تسلل السلطات أو الشركات أو قراصنة الكمبيوتر (الهاكرز) إلى أدمغة البعض وربما زرع فيروسات كما يحدث اليوم في الكمبيوترات. يمكن للمخيلة أن تذهب أيضا إلى إمكانية أن نستطيع بضغطة زر من تحميل آلاف الكتب إلى أدمغتنا دون قراءتها كلمة كلمة. وقد نتمكن من استرجاع جميع ما عشناه بوضوح فائق منذ أيامنا الأولى وربما حتى حين كنا في الأرحام. في المقابل يمكن للكوابيس المخيفة أن تصل خلال سنوات أو عقود إلى إمكانية السيطرة والتحكم بأدمغة أشخاص وقيادتهم إلى القيام بأفعال أو جرائم دون إرادتهم أو مسح أجزاء منها أو إدخال أشياء أخرى. يمكن أيضا أن نتخيل قيام سلطات أو شركات أو عصابات خارجة على القانون بالهيمنة المطلقة على أدمغة البعض. وقد تلجأ إلى تخريب أدمغة البعض. بل إن أسياد العالم السفلي قد يذهبون لمسح أدمغة بعض الأشخاص وتحميل برامج ومعلومات تحولهم إلى جنود مثاليين لخدمة أغراض محددة. وفي الخلاصة النهائية قد يكون جميع ما نعرفه أو نتخيله بعيدا عما يحدث الآن بالفعل، بسبب صعوبة اختراق المختبرات والضوابط القانونية التي تدفع العلماء إلى إجراء التجارب بسرية تامة.
مشاركة :