ماذا يدور في خاطرك وأنت ترى معلماً حضارياً جديداً يشع بالذوق والجمال - مثل منتزه الملك عبدالله في الملز ونوافيره الجذابة - يتعرض للتشويه (قليلاً أو كثيراً حسب مصدر الأخبار) وهو لمّا يزل في أسبوعه الأول؟ من المؤكد أنك سوف تتحسر على ما أنفق فيها من مال وجهد، وتتأسف على الجهل والرعونة التى قبحت هذا الجمال. من فعل هذا؟ لا أرى مصدراً للتحريض على هذا الفعل سوى أن الجهل والحرمان تضافرا معاً ليدفعا صغار السن إلى هذا العمل. وربما ليس صغار السن وحدهم، فقد يشترك معهم أولياء أمورهم من خلال ما يبدونه من اللامبالاة. فقد حدث شيء شبيه بذلك فور تدشين كورنيش جدة الجديد قبل حوالي العام؛ إذ إن مستخدميه فرشوه ليس بالورود بل بالمخلفات، دعونا ننظر لهذه الظاهرة نظرة محايدة دون أحكام مسبقة. في أول أمر استخدام المصاعد الحديثة - في المرافق العامة خاصة - كان مما يثير الانزعاج لعب الأطفال وبعض المراهقين بأبواب المصاعد مابين فتح وغلق وصعود وهبوط وشخبطات على جدرانها...الخ. هذه الظاهرة تقلصت - إن لم تكن اختفت. ولكن هل كان تقلصها بفعل تحول في السلوك الاجتماعي؟ لو كان الأمر كذلك لما برزت هذه الظاهرة من جديد، الواقع أن ما حصل لهذه النوافير لا يختلف عن سلوك الأطفال مع أي لعبة جديدة. إن الطفل (أو الصبي والصبية) من شدة النشوة يلعب بها (حتى الثمالة) أي حتى تتكسر أو تخرب. إنه يريد أن يفرغ كل ما اختزنه من طاقة الرغبة في الاستمتاع بشيء جديد لم يكن ألفه من قبل. ربما يجعلنا ضرب المثل باللعبة نفهم خلفية التخريب الطفولي. بعضنا يميل أحيانا إلى التعجب من كون هؤلاء الصغار (ومن ثم أولياء أمورهم) لا يفعلون الشيء نفسه في البلدان التي يسافرون إليها. هذا التعجب يزول سريعاًَ عندما نتذكر أمراً واحداً: إن الذين يسافرون إلى الخارج أنهم يجدون في تلك البلاد ما يردعهم من الرقابة الواعية والأنظمة التى تطبق بصرامة. ليس الجهل الذي أعنيه هنا هو الأمية، فكم من أمي لا يقرأ ولا يكتب - ونسميه جاهلاً - هو أوعى من متعلم. إنما الجهل الحقيقي هو انعدام الوعي بمعاني الأشياء وقيمتها خارج نطاق المحيط الشخصي الضيق الذي يتعايش معه الفرد كل يوم فيما يلمسه ويطعمه ويلبسه ويراه وغير ذلك من المدركات الحسية الأخرى.
مشاركة :