كسبت كتائب حزب الله العراق المدعومة من إيران جولة في مواجهتها المستمرّة ضدّ الجيش العراقي، عندما نجحت في إزاحة ضابط كبير عن موقع القيادة في أخطر قاطع عمليات بالبلاد يشرف على الحدود العراقية السورية. وبدأت هذه المواجهة عندما نشرت الكتائب تسجيلا صوتيا، لاتفاق مزعوم بين قائد عمليات الأنبار غرب البلاد اللواء الركن محمود الفلاحي ومفاوض مزعوم من جانب وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، لكشف إحداثيات انتشار قوات الحشد الشعبي في المواقع الحدودية بين العراق وسوريا. وقالت كتائب حزب الله العراق إنّ الفلاحي يتعاون مع الولايات المتحدة ضمن خطة لضرب الحشد الشعبي في الأنبار، وهي منطقة يتداخل فيها النفوذ الإيراني بالأميركي لأهميتها في التأثير على الحدود السورية. وفور انتشار التسجيل الذي بثّته وسائل إعلام عراقية مقرّبة من إيران، أعلن وزير الدفاع العراقي نجاح الشمري تشكيل لجنة للتحقيق، فيما وجه بتجميد مهام الفلاحي لحين كشف النتائج. وجاء ذلك على الرغم من شبه الإجماع بين الخبراء الأمنيين والملاحظين السياسيين وحتى المختصّين القانونيين بشأن عدم جدارة التسجيل بالتعامل الجادّ معه وفتح تحقيق في شأنه. إذ ليس من المعقول، بحسب هؤلاء، أن يناقش أي جهاز مخابرات في أي دولة، فما بالك بالمخابرات الأميركية، مسائل خطرة ومواضيع حساسة، مع أي “عميل” له عبر الهاتف ويبلغه بطلبات محدّدة خلال مكالمات يعلم الجميع أنّه بالإمكان اعتراضها بمنتهى السهولة. واشنطن لا توفر الموارد الكافية لمعركة الحدود العراقية السورية وطهران تسيطر على الأرض لكنها تواجه معضلة تأمين غطاء جوي لميليشياتها وبعد أيام أعلن رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي أنه تلقّى تقريرا مفصلا يتضمن نتائج التحقيق الذي “أثبت براءة الفلاحي من التهمة المنسوبة إليه”. لكن المفاجأة جاءت عندما كشف عبدالمهدي وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة وفقا للدستور، أن وزير الدفاع أمر بنقل الفلاحي إلى “مكان آخر”، في إشارة إلى تلبية رغبة كتائب حزب الله بمعاقبته. ولم يحاول عبدالمهدي تفسير قرار وزير الدفاع ضد الفلاحي الذي تؤكد مختلف المصادر نجاح الاستراتيجية العسكرية التي وضعها في المنطقة الواقعة ضمن مسؤوليته، واكتفى بالإشارة إلى أنه لم يعترض على هذا القرار. وتشير مصادر ميدانية إلى أن الفلاحي شكّل أبرز العقبات التي واجهتها الفصائل العراقية الموالية لإيران في خططها لبسط هيمنتها على الحدود مع سوريا ذات الأهمية الاستراتيجية القصوى لطهران التي عملت طيلة السنوات الماضية على فتح الطريق بين البلدين، وضمان تنقّل الميليشيات التابعة لها، وتدفق الأسلحة التي ترسلها دون رقيب. وسبق لهذا الضابط أن احتك بقوات الحشد الشعبي في بعض مناطق الأنبار متّهما إياها بتجاوز حدود مسؤولياتها. وبالنسبة للفلاحي، فإن إصرار الفصائل العراقية المسلحة الموالية لإيران على إحراز موطئ قدم في مناطق غرب العراق لا يتعلق بضرورات أمنية، كما يجري التسويق له، بل بخطة إيرانية استراتيجية لإحكام السيطرة على الحدود السورية أولا، وإنشاء نقاط تسمح بالتوغل في العمق السوري إذا اقتضت الضرورة ذلك، ثانيا. ويضع مختصون في الشؤون الأمنية خطا فاصلا بين كتائب حزب الله العراقية وجميع الفصائل الأخرى المسلحة بما فيها تلك المقرّبة من إيران، إذ ترتبط الكتائب بالحرس الثوري الإيراني مباشرة وتدار من قبله، ما يعني أن مواجهتها تقع خارج قدرة حكومة عبدالمهدي، بخلاف الفصائل الأخرى. ويكرّس إجراء اتخذته الحكومة العراقية مؤخرا، هذا التفريق، حيث وجّه عبدالمهدي قوة تابعة للحشد الشعبي بالانسحاب من مواقعها وسط منازل السكان في منطقة السهل التابعة لمحافظة نينوى، بالرغم من علاقتها المعروفة بإيران وقد جرى تنفيذ الأوامر فورا. لكن إجراء حكوميّا من هذا النوع لا يمكن اتخاذه ضد كتائب حزب الله، التي توصف بأنها أشد الميليشيات العراقية تطرّفا واستعدادا للمضيّ بعيدا في مواجهة الحكومة. وتتسابق إيران والولايات المتحدة في صحراء الأنبار الغربية المطلة على سوريا لملء مواقع النفوذ الشاغرة التي أتاحها ضعف الحكومة العراقية، وعدم قدرة القوات النظامية على بسط السيطرة على كلّ مناطق البلاد لاسيما النائية منها والصحراوية وذات الطبيعة الوعرة.وبينما تعمل طهران بمساعدة فصائل عراقية على استخدام الطرق المتاحة في هذه الصحراء لتحقيق ارتباط بري مستدام بين إيران وسوريا عبر العراق، تسعى الولايات المتحدة لمجابهة هذه الخطط. ووفقا لمراقبين، فإنّ الولايات المتحدة لا تخصص ما يكفي من الموارد لبسط سيطرة ميدانية وتكتفي بالرقابة الجوّية محاولة استخدام تفوّقها الكاسح في الأجواء، لذلك يبدو أنها تخسر أمام إيران في السيطرة عبر أذرعها على الأرض، لكنّ نقطة ضعفها تظل توفير الحماية الجوية للقوات التي تستخدمها في أماكن شاسعة ومفتوحة ولا توفّر تضاريسها حماية للمقاتلين. وتشير مصادر مطلعة إلى أنّ ضباطا عراقيين، على غرار الفلاحي، يمكن أن يكونوا شركاء في طموح وقف التوغل الإيراني داخل بلادهم، لذلك تعمل طهران على التخلّص منهم سريعا. وكانت كتائب حزب الله استبقت تحقيق وزارة الدفاع بشأن “تخابر” الفلاحي المزعوم بالتحذير من أن السفارة الأميركية في بغداد تحاول التأثير لصالح الضابط العراقي. وزعمت الكتائب أن السفارة الأميركية ضغطت على رئيس الوزراء العراقي للتخفيف من الإجراءات بحق الفلاحي، فيما صمت مكتب عبدالمهدي عن التعليق. وتلقى مثل هذه الشائعات التي لا تستند إلى أدلة رواجا في الأوساط الشعبية التي اعتادت عدم الثقة بالولايات المتحدة، بسبب تجربتها الفاشلة في العراق بعد العام 2003 وما جرّته من ويلات على العراقيين. وحذّر النائب عن محافظة الأنبار محمد الكربولي من “استهداف الكفاءات العسكرية”، تعليقا على تطوّرات ملف الفلاحي. وبشأن الدليل الذي يثبت إدانة الفلاحي، قال الكربولي إن “التكنولوجيا الحديثة سهّلت فبركة الفيديوهات، فكيف يمكن الوثوق بالتسجيلات الصوتية”.
مشاركة :