التنافس على الزعامة بين الإنسان والآلة يحقق الكمال

  • 7/29/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لمن ستكون الريادة مستقبلا للإنسان أم للآلة؟ سؤال أجاب عنه الإنسان منذ اللحظة الأولى التي سخّر فيها طاقة النار، ومشى على مسار الهيمنة على العالم، ولم يتطلع إلى الوراء أبدا. أما اليوم، فالعالم على أعتاب ثورة صناعية رابعة، وهي ثورة ستكون فيها الآلات قادرة على تأدية معظم المهام التي يؤديها البشر في الوقت الراهن، وتقديم خدمات أقل تكلفة وبأسرع وقت ممكن، وكل ذلك ينذر بفقدان البشر لمكانتهم الحقيقية في الكون. ويثير مثل هذا الأمر تشاؤم الخبراء بشأن مستقبل العنصر البشري وتغير قواعد اللعبة على الأرض، ويقصدون بذلك أن الآلات ستؤثر على كل شيء ابتداء من كيفية إدارة المؤسسات، إلى مسائل أكبر تتعلق بالسياسات والقوانين، الأمر الذي يثير في حدّ ذاته الكثير من التساؤلات حول من سيكون تحت السيطرة، الإنسان أم الآلة؟ بالطبع لا توجد إجابات واضحة في الوقت الراهن، لكن بعض كبار الباحثين في مجال الذكاء الصناعي يخشون السيناريو التخيّلي الذي تعرضه أفلام على أنه “يوم النهاية” والذي ينذر بالهيمنة على العالم من قبل الأجهزة الآلية، مثل أفلام “ذا ترمينيتور” و”ذا ماتريكس” و”آي روبوت” وغيرها. بدائل للقوة العاملة البشرية يقول ستيفن برينتس، نائب رئيس مؤسسة جارتنر للدراسات والأبحاث العالمية، إن الآلات الذكية ستصبح في ظل تنامي قدراتها، من البدائل المثالية للقوى العاملة البشرية، والقابلة للتطبيق في ظل ظروف معينة، الأمر الذي ستنعكس تداعياته على قطاع الأعمال، وبالتالي على مدراء تقنية المعلومات. وبينت دراسة مؤسسة جارتنر الخاصة برواد الأعمال والمدراء التنفيذيين للعام 2015، انقساما متساويا في الآراء حول هذه المسألة، مشيرة إلى أن رواد الأعمال قد بدؤوا ينتبهون للتقدم الذي أحرزه هذا القطاع، وأضحوا على معرفة تامة بأن التهديدات التي تطال العمل المعرفي هي حقيقية وواقعية. وبينما يزداد يوما بعد يوم الاستثمار في الروبوتات في المجال الصناعي بشكل كبير، والاعتماد على قوى آلية ذات مهارات عالية تقوم بتنفيذ الأعمال الدورية، ولا تمل أبدا، ترتفع في المقابل مستويات القلق من خروج الآلات عن نطاق السيطرة. الفوائد الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على ظهور الذكاء الاصطناعي تشير إلى قدرة التكنولوجيا على تحسين حياة البشر وكشف استطلاع للرأي أجراه مركز “بيو” للأبحاث، أن هناك 72 في المئة من الأميركيين إما قلقين كثيرا، وإما قلقين بعض الشيء من مستقبل استخدام أجهزة الروبوت. ويساور البعض القلق من أن يفتك منهم الآليون فرص عملهم، بل وقد يتعدى ذلك إلى الخوف من سيطرة الذكاء الاصطناعي على العالم وتدميره على طريقة الفيلم الأميركي “فرانكشتاين”. والتكنولوجيا ليست سوى مجموعة من الوسائل والاستراتيجيات التي طورها الجنس البشري، بغرض التأقلم مع حقيقة أنه كائن عاقل ويعيش على كوكب مليء بالفوضى والمخاطر والصعوبات، وهذا التصور دفعه إلى الابتكار والإبداع وهو أمر “طبيعي” تماما مثلما تفترض بنية عقله الواعي. إلا أن الآلات ما لبثت أن تتطور أكثر فأكثر، لتتحرر من العجز الذي يحيط بها، وتكتسب مهارات وأساليب جديدة في العمل وفي فهم ما يحيط بها في العالم. عهد جديد كما أن تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد فتحت عهدا جديدا يوحي بإمكانية صناعة أي شيء في أي مكان من العالم اعتمادا على تصاميم كمبيوترية، وهذه الرؤية تقترب أكثر فأكثر من أن تصبح حقيقة. وتشير تقديرات تقرير حديث، صادر عن معهد ماكينزي العالمي، إلى أن التقدم في التشغيل الآلي سوف يتطلب، اعتمادا على مستوى التنمية في أي بلد، أن يغير 3 بالمئة إلى 14 بالمئة من العمال في مختلف أنحاء العالم مهنهم أو أن يعملوا على ترقية مهاراتهم بحلول عام 2030. وبالفعل، اختفت 10 بالمئة من كل الوظائف في أوروبا منذ عام 1990 خلال موجة التغيّر التكنولوجي الذي طرأ على الوظائف الروتينية. ويرى مايكل تشوي، أحد مؤلفي التقرير، أن هذا لا يدفع إلى التفكير بأن دول العالم ستغرق في بطالة جماعية على مدى العقود المقبلة. وقال تشوي، لمنظمة الإذاعة العامة العالمية، “المشكلة التي تحتاج إلى حل فعلي هي إعادة توزيع مهام العمل على نطاق واسع وكيف نتقدم مع استمرار البشر بالعمل يدا بيد مع الآلات”. ويستشهد التقرير بالانتقال من الزراعة إلى الصناعة كفترة تاريخية أخرى حصلت فيها عملية إعادة التوزيع الجماعية. فمثلا، انتقلت الولايات المتحدة على مدى القرن العشرين وصولا إلى الوقت الحالي، من توزع 40 بالمئة من قوة العمل في مجال الزراعة، لتصبح أقل من 2 بالمئة فقط الآن. وعلق تشوي على ذلك بقوله “لم نعان من بطالة بنسبة 30 بالمئة لأننا تمكنا فعليا من إيجاد وظائف جديدة في الاقتصاد لهؤلاء الأشخاص، أي أننا تخطينا هذه المخاوف سابقا”. ومن الواضح أن الفوائد الاقتصادية والاجتماعية بعيدة المدى المترتبة على ظهور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لا تحظى بنفس القدر من الاهتمام الذي تلقاه الخسائر في الوظائف. وتعني هذه الحقيقة أنه من الأهمية بمكان الانتباه إلى أن التكنولوجيا بدأت تظهر بالفعل القدرة على تحسين حياة البشر. فرصة لعالم أفضل تصر هيلينا لوران، المختصة بدراسة القطاع الصناعي لحساب معهد المنبر الاقتصادي العالمي (دابليو إي أف)، على أن فترة التغيير الحالية في مجال الصناعة تعد فرصة كبيرة لجعل العالم مكانا أفضل. وتقول لوران إن “المجال الصناعي هو المجال الوحيد الذي يتضمن القدر الأكبر من الإبداع، والمصدر الأكبر للنمو الاقتصادي وكذلك المصدر الأكبر للوظائف”. وتضيف لوران “تراه يتغير، وهذه فرصة لإعادة تشكيل النظام السائد، وإذا تمكنا من ذلك، فسيكون لذلك تأثير هائل”. ويبدي الكوريون أهمية كبيرة للتكنولوجيا الحديثة، فبعد الحرب الكورية التي انتهت عام 1953 قررت الحكومة أن تخرج من الفقر بوضع قطاعها الصناعي في المقدمة. ودفع ذلك إلى الحاجة إلى تطوير الاختراعات الإلكترونية المتقدمة، وخلق قوى عاملة ذات مهارات عالية، وهو ما ساعد في نجاح اقتصاد كوريا الجنوبية اليوم، والذي يصنف عالميا بأنه أكثر اقتصاد خلاق في السنوات الأربع الأخيرة على التوالي، حسب مؤشر بلومبيرغ للابتكار. وقد أنفقت كوريا الجنوبية أكثر من أي بلد آخر على البحث العلمي والتطوير في عام 2014 من قيمة الناتج الإجمالي المحلي لها، بحسب تقارير عديدة لمؤسسة التعاون الاقتصادي والتنمية. وربما يكون الكورويون، المعروفون بأنهم خبراء في التكنولوجيا ويتميزون بتفكيرهم المنصب على تطوير مجتمعهم بشكل كبير، هم الأكثر حماسا من أي سوق آخر للتفكير في الذكاء الاصطناعي على أنه جزء من الحل لا المشكلة. وبدل أن يقلق الكوريون حول ما مدى أن تتطور الآلات لتنافس قدرات البشر، يحاولون إيجاد طرق لتسخير الآلات من أجل تسهيل حياتهم، وهو أمر يساعدهم على حل الكثير من مشكلاتهم الاجتماعية من أصغرها إلى أكبرها وأكثرها تعقيدا. ويقول جيرمان دي لا فوينتي، الشريك الإداري لشركة ديلويت، وأحد المدققين الرئيسيين الذين قاموا مؤخرا بتقديم الروبوتات بشكل منهجي “ستزيد الروبوتات من الأمان وتحسن أدوات العمل”. ويستدرك دي لا فوينتي “لكنها (الروبوتات) لا تستطيع أن تحل محل العقل البشري عندما يكون الحكم والقدرة الذاتية هما القيمة المميزة”.

مشاركة :