دراويش «صنع في سويسرا» يفتتحون «مهرجان بيروت للرقص المعاصر»

  • 4/15/2015
  • 00:00
  • 16
  • 0
  • 0
news-picture

عروض منّوعة، تستحق المشاهدة، في الأسبوع الأول من «مهرجان بيروت للرقص المعاصر» الذي افتتح أمسياته السبت الماضي، بالعرض السويسري «طرب» تبعه يوم الأحد عمل حمل عنوان «ثورة» لفرقة «ثور» البلجيكية، قدم على «مسرح بيريت»، صممه تييري سميتس، يحمل من خلال راقصته البارعة رؤية فنية لانتفاضة الجسد والروح على أنواع القهر التي تتعرض لها النساء. عرض للقوة، والتوهج المقرونين بالرغبة الخالصة في البحث الملح عن الحرية والخلاص. أما غدًا الأربعاء فجمهور المهرجان، على موعد، على خشبة «مسرح بيريت» مع عمل من نوع آخر، يحمل اسم «هذا عرض» وهو من تصميم جيفا فان دينتر وتياغو غراناتو، وهو عبارة عن حوار جسدي بين رجلين في حالة حركة دائبة. وعلى مدى 50 دقيقة، نتابع لوحات بحركات بطيئة وأشد بطأ، نعيش لحظات من التواصل والتناغم بين المؤديين، تبدو ضبابية ومحيرة أحيانا، وأكثر وضوحًا في أوقات أخرى. وكان «مهرجان بيروت للرقص المعاصر» قد افتتح، دورته الحادية عشرة، مساء السبت، على خشبة «مسرح المدينة» بعرض سويسري ذي روح شرقية، بدءًا باسمه وحتى ينهي راقصوه آخر مشاهده. عرض «طرب» الذي يبدو من عنوانه أنه مستوحى من العربية، يحاول أن يقدم خلال ما يقارب الساعة جوقة صوفية من 7 أشخاص، تحكم حركتهم تقنيات غربية دقيقة المعايير، وإن استلهمت حلقات الذكر من جهة، والرقص الشرقي من جهة أخرى. خلطة لطيفة ومبتكرة. هذه الفرقة التي تحمل اسم 7273، أسسها منذ عام 2003 مصمما الرقص لورنس يادي ونيكولا كانتيلون يتمحور عملها حول بحوث لرقصات من مشارب متنوعة. وإقامة شراكات مع فرق متمرسة، من بينها فرقة باليه المسرح الكبير في جنيف. وقد تحب أو لا تحب هذا الرقص ذا النفح الصوفي الذي يقدم على الطريقة السويسرية، إلا أنه لا يمكنك ألا تبهر بمهارة الراقصين، وقدراتهم الجسدية وليونتهم كما حيويتهم، التي تبقى عفية حتى بعد مرور ما يقارب الساعة من الأداء المتواصل دون انقطاع. موسيقى تتبين منها أصوات الآلات الوترية، لا سيما الغيتار الكهربائي، لكن اللحن حزين آت من شرق مفعم بالحنين. يبدأ العرض مع راقصة تتمايل بالكاد تتبينها على ضوء نور خافت. يطول الوقت قبل أن تنقشع الظلمة، وتتبدى الفتاة التي تلبس الجينز، وكأنها خارجة من يومياتنا، يطول الوقت أيضا قبل أن يلتحق بها راقصون آخرون، يؤدون حركات شبيهة بتلك التي بدأت بها الراقصة الأولى. الموسيقى يخيل إليك أنها تتكرر ذاتها، رغم أن الأمر ليس كذلك، لكنها وضعت لتمنحك ذاك الإحساس بالتكرار. الأمر نفسه بالنسبة لحركات الراقصين. ليست تموجات الأجساد هي ذاتها، التي تراها، ثمة تغيرات لكنها تبقى في حيز يمنحك الإحساس بالرتابة أيضًا. يسعى الراقصون الذين يتمايلون كجذوع الأشجار وقد هبت عليها عاصفة هوجاء، إلى استخدام أذرعهم في كل اتجاه. تشكيلات في دوائر، أو في صف واحد مستقيم، أو في خطين متقابلين. أحيانا رقص ثنائي أو ثلاثي أو رباعي، لكن وكأنما هي روح واحدة، وهدف واحد يحرك هذه المخلوقات التي تدور كأنما هي في حلقة ذكر، لكنه ليس كذلك. يبدو لك أنك أمام متصوفين غربيين، اقتبسوا فكرة إعادة الحركة الواحدة التي تذهب بالمتفرج إلى شيء من الانبهار. لكن الأمر هنا مختلف إذ إن الراقصين يجوبون وسط المسرح متناغمين، في حركات متشابهة أحيانا ومختلفة في أحيان أخرى. تتساءل بعد نصف ساعة أو أكثر ألم يكن من المفترض أن يصيبني الضجر والتململ؟ ما الذي يجعل المتفرج منجذبًا ومتأملاً هؤلاء الدراويش الغربيين ببنطلونات الجينز، وهم يتصوفون على طريقتهم الخاصة؟ سحر العرض يكمن في تلك الانسجامية الفنية العالية، بين الراقصين أولا، وخطواتهم المحسوبة بدقة، ثم ذاك التناغم بين اللوحات التي يرسمونها بأجسادهم، والموسيقى ثم حركة الضوء المتقشفة، التي تدار ببراعة ودقة شديدين. «طرب» هنا يأخذ المتفرج إلى نوع من الانجذاب صوب نهاية يخيل للمتفرج أنها لن تأتي. فالراقصون ينهون عرضهم، بنفس الحيوية والرشاقة التي يبدأون بها، المراهنة على تعب هؤلاء يبقى خاسرًا. ينسحب الراقصون في المشهد الأخير إلا راقصة واحدة. تمامًا كما هي البداية، تأتي النهاية يخفت الضوء من جديد، حتى يكاد طيف الفتاة يصبح خيالاً، وهي تتمايل في كل اتجاه. الرقص المعاصر على طريقة هذه الفرقة هو مفاهيمي، وليس مجرد حركات جسدية، وحالة ارتقاء، وغوص للفرد في دواخله وإبحار في دهاليز الذات.

مشاركة :