حنان صلاح تكتب: فقر الفكر وفكر الفقر

  • 7/29/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

استوقفتني عبارة للكاتب يوسف إدريس يقول فيها : إن الفقر ليس وضعًا اقتصاديًا فقط، إنما وضع من أوضاع البشر، وضع عام، يتصرف فيه الإنسان بفقر، ويفكر بفقر ، أفكار تؤدي إلى فقر أكثر واحتياج للغير أكثر.. هذه العبارة جعلتني أتأمل الأزمات التي نمر بها أحيانا، لأصل لنتيجة أن الفقر الاساسي والحقيقي هو فقر الأفكار فقر العقول وليس الفقر المادي، وفي النهاية الفقر يؤدي إلى فقر. يوسف إدريس أدرك أن الأزمة لم تكن في الإنتاج الاقتصادي، ولكن في الإنتاج الفكري وأراد الربط بين بوار العقول والفقر ، أراد تعرية المشكلة وتجريفها لتبدو واضحة لمن أراد أن يعالج أحد أهم الأخطار التي تواجه العالم الثالث ، أراد رسم دائرة حمراء علي الخطر المحدق بمستقبلنا رُبما يستيقظ دافع حماية النفس فننهض لمواجهة أزمة عامة، أو مرض أصاب العقول وعلي أثرها نقل المرض للحياة بشكل عام. تظهر بوادر هذا المرض عندما يعجز الإنسان عن تحديد وجهته وتحديد هدفه الذي يسعي إليه، ويقبل بأن يعيش بشكل فوضوي غير مجدول، يسعي لتحقيق رغبة الناس وليس تحقيق رغبته، حتي أصبحت عادة قليل من لا يرضخ لها، يقود الجميع شبح يدعي التقليد، لا يُفكر أحد في دراسة المجال الذي يرغب به، ولكنه يجري ليلتحق بمجال ما بعيد كل البعد عن ميوله ورغباته، من أجل أن يحصل علي شهادة ورقية تثبت نسبه للمكان فقط. الشيء بالشيء يُذكر أن هناك أيضا مرضي الظهور والشهرة، تلك العقول التي لا يشغلها سوي أن يُقال هذا فلان ! من أجل أن يشير إليهم الناس ! ، أكبر دليل علي ذلك أغلب طلاب الثانوية العامة يسعون إلى وهم يدعي كليات القمة من أجل الظهور فقط، سواء رغبة منهم في ذلك أو بأمر من أولياء أمورهم، أتذكر أنني الوحيدة من أصدقائي اخترت القسم الأدبي والبقية التحقوا بالقسم العلمي، وقتها راهنت علي تحويلهم للقسم الادبي العام المقبل وبالفعل لم يتبق منهم أحد ، للحظة واحدة تخيل الكليات الادبية تقبل من مجموع 97%، سوف تجد الطلاب يتسارعون إليها بقدر تسارعهم لكليات الطب والهندسة حاليًا ، للأسف ثقافة أبادت التفكير وأغشت الرؤية وأطاحت بالأحلام ، ثقافة جعلت من الأوهام حقائق ومن الحقائق عبثا، والنتيجة فقر في الأفكار وفراغ في العقول .بعين أخرى أنُظر إلى ما يقدم اليوم من أعمال فنية علي الشاشات والمسارح من أفلام ومسلسلات وأغان هابطة، مضامين لا حولة لها ولا قوة ، أعمال لا تستحق سوي الإعدام، عبارة عن بذاءات ملأت الساحة بأفكار فقيرة وفاسدة تُشير إلى المستوي الفكري الذي نرقد به، وكأن هناك من أراد إخماد العقول لتصمت بشكل ما ، وبالتالي نتاج الفقر الفكري الفقر الفني ، ولا يقتصر الفقر هنا علي مجال الفن فقط ولكن علي كافة المجالات، ولكن أردت ذكر هذا المجال لانه الشاشة التي يرانا العالم خلفها . كُنت أسمع أن الفكرة عبارة عن أخطبوط له ألف ذراع ، ماذا لو كنا نمتلك مصانع أفكار ربانية؟ نستطيع فيها أن نزرع يوميًا حقلا كاملا، ونحصد حقلا ثانيا، ونهتم بحقل ثالث ينتج ويبتكر ويصدر، ماذا لو بدأنا بالتشخيص ؟ وفي هذه الحالة التشخيص ليس فقط ثلاثة أرباع العلاج ولكنه العلاج نفسه ، إذا ادرك الجميع الفقر الحقيقي وما تضمُره لنا الأيام لنتفض الجميع اوتوماتيكيا بغريزة الدفاع عن النفس، ولتكن قفزة هائلة في وعينا بأنفسنا بأن الفقر في الإنتاج أساسهُ الفقر في العقول .

مشاركة :