ينتاب العالم بأسره قلق بالغ حيال التحولات والتطورات الجيوسياسية التي تهيمن على منطقة الخليج العربي وانعكاساتها على البيئة الدولية بشكل عام. ويزيد من هذا القلق ويفاقمه مضيُّ إيران في سياسات الاستفزاز والتحدي والصلف، سواء كان ذلك عبر التصرف غير المشروع من تهديد بإقفال ممرات الملاحة الدولية، أو احتجاز السفن المدنية، أو استئناف لمشروع تخصيب اليورانيوم بغية تطوير قدراتها النووية لأغراض الإثم والعدوان.كما يعمل الاستفزاز الإيراني، الذي يصل حد العربدة، على زيادة التوترات، ومضاعفة المخاطر في المنطقة. وبلا ريب أنّ هذه الأساليب والممارسات الإيرانية تضاعف من قلق العالم لما قد توؤل إليه الأمور، لا سيما مخاطر الانجرار إلى حرب مدمرة تهدد السلام والأمن الدوليين، وتكون لها تداعيات كبيرة على سائر الأصعدة الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية.إنّ الإدراك الدولي لمثل هذه المخاطر هو ما يدفع القوى الفاعلة والمؤثرة في العالم إلى استخدام الأدوات الدولية المعتادة في احتواء الأزمات الدولية، والتخفيف من حدة التوترات العنيفة. ويلاحظ المراقب أنّ الإستراتيجية الأمريكية تنوعت بين الردع العسكري، وحشد الجيوش، وإطلاق التهديدات الصريحة والمضمرة، والنداءات للتفاوض، بينما تعتمد الدول الأوروبية على إستراتيجية المواربة مع إيران؛ حيث تعول هذه الدول، المتعاطفة مع إيران والمحايدة إستراتيجياً، على الدبلوماسية والاتصالات السرية مع طهران، إدراكاً منها للمخاطر التي قد تؤول إليها الأزمة إن هي تفاقمت إلى حرب.في غضون ذلك كله، تستمر إيران في اعتماد «إستراتيجية» الصمود والتحدي وتبني مقاربة للأمور من منطلق «التقيد بالتقيد» أساسها المماطلة والتباطؤ، حسب رؤية أحد المحللين الإيرانيين، أي أنّ إيران تتقيد بالتزاماتها إذا تقيدت الدول الأوروبية بالتزاماتها، خصوصاً ما يتصل بالاتفاق النووي، وأنّ إيران، حسب زعمه، هي مَن يقي أوروبا من شرور الإرهاب، ومخاطر تدفق الهجرة وآفات المخدرات.متابعة التفاعلات الدولية للأزمة القائمة تشير إلى أنّ مصدر القرارات في طهران تقوم به حفنة من المقربين للمرشد الأعلى علي خامنئي، وهم الذين يوجّهون السياسة الخارجية بعيداً عن الرئاسة أو وزارة الخارجية. هؤلاء المشاركون في صنع القرار الإيراني هم رهينة لتصوراتهم وقناعتهم وأهوائهم الشخصية ومعتقداتهم التي تؤثر على توجهاتهم وعلى قراءتهم العميقة للأحداث، وبالتالي على تقويماتهم وتحليلاتهم السياسية والإستراتيجية التي يتوصلون إليها. ومن المعروف، حسب رأي أحد المفكرين، أنّ الأهواء مهلكة للتحليل السياسي passion is the enemy of analysis.ولعل استمرار إيران في الاعتماد على هؤلاء العقائديي النظرة، بدلاً من توسيع المجال للآخرين واعتماد القيم التنظيمية في قراءة الأحداث والسيناريوهات هو ما يسهم بالوصول إلى النتيجة الخاطئة دائماً، ويعرّض المنطقة إلى ما لا تحمد عقباه.من هذا المنطلق، وبسبب هذه السياسات المؤدّية إلى التهلكة، ينبغي على إيران إعادة تصويب قراراتها السياسية ومقارباتها الدبلوماسية، إذ لا يمكن المضي في مخالفة قواعد القانون الدولي وفي الوقت نفسه التفاوض، أو محاولة ذلك، عبر عدة قنوات وأطراف سياسية فاعلة.إنّ التوصل إلى مواقف أكثر عقلانية لا ازدواجية فيها في التعامل مع الدول، يسهم في بناء أسس للتعاون والمشاركة وتبني مسارات واتجاهات أكثر حكمة ومسؤولية للتعاطي مع الأزمة القائمة والأحداث الحالية ومستجداتها، بما يؤدي إلى مفاوضات جديدة بعيداً عن سياسات الاستفزاز والتدخلات وزعزعة أمن المنطقة واستقرارها، وبما يضمن الالتفات إلى تنمية البلاد والاهتمام بالمتطلبات المعيشية للشعب الإيراني، بدلاً عن بناء المفاعلات النووية وتخصيب اليورانيوم، وبرامج الصواريخ البالستية التي لا تجلب للمنطقة والعالم سوى التوتر والأذى ونذر الموت.من الضرورة والمنطق والمصلحة الكونية تبني سياسات واضحة المعالم وإجراءات ملموسة، والكف عن السياسات العدوانية والممارسات الشاهنشاهية، وهو ما سيسفر إن تحقق في تعزيز المصالح المشتركة، ويؤذن بتدشين عهد جديد من العلاقات الإيجابية بين دول المنطقة تقوم على مبادئ حسن الجوار، واحترام السيادة الوطنية لكل دولة، ووضع حد للتهورات اللامسؤولة، والالتزام بجميع الأعراف والمواثيق الدولية التي تحكم هذه العلاقات بما يساعد على إعادة الأمن المسلوب والسلام المفقود لهذه المنطقة الحيوية من العالم.* كاتب سعودي
مشاركة :