كثر الحديث والتفكير في كيفية تقليل الاعتماد على الدولار كعملة عالمية رئيسية والحد من هيمنته على التجارة العالمية. دول كبرى تتحدث علانية عن إجراءات اتخذتها لإنهاء الهيمنة الدولارية وعن الأضرار الاقتصادية التي تتكبدها نتيجة التعامل بالدولار. ومن أهم تلك الدول الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي (الحليف الأول للولايات المتحدة الأمريكية) وتركيا والهند وإيران. ومنذ وصول ترامب للبيت الأبيض تضاعفت الأصوات المطالبة بتقليص دور العملة الأمريكية في الاقتصاد العالمي واستبدالها بعملات أخرى. بعض تلك الأصوات تأتي من كبار زعماء العالم، مثل الرئيس الروسي بوتين الذي يحذر دائماً من خطر حصر التجارة بالدولار، ويطالب بتنويع استخدام العملات الأجنبية في التجارة العالمية. وقد بدأ بالفعل هذا البلد في استخدام العملات الوطنية في تجارته مع دول الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا. وفي أوروبا طالب رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر المعروف بصداقته الجيدة مع النخبة السياسية الأمريكية، بفك ارتباط أوروبا بالدولار، حيث قال في كلمة له للبرلمان الأوروبي «من الضروري تجريد العملة الأمريكية من صفة العملة العالمية الرئيسية».... نحن (الأوروبيين) نسدد 80% من واردات الطاقة بالدولار فلماذا لا ندفع بعملتنا اليورو التي يجب أن تصبح «الوجه والأداة لأوروبا الجديدة ذات السيادة». وقال أيضاً «يجب أن ندعم عملتنا لتكون مصدر قوتنا واستقرارنا... ومن المضحك قيام شركات الطيران الأوروبية بشراء طائرات أوروبية بالعملة الأمريكية وليس باليورو». أما الصين فهي الدولة الأكثر إصراراً على إنهاء هيمنة الدولار، فهي تعمل أولاً على تعزيز دور عملتها الرنمينبي (يوان) لتعكس مكانتها كقوة اقتصادية عظمى، وثانياً ضرب الاقتصاد الأمريكي المنافس الأول لها على زعامة الاقتصاد العالمي. فخلال العشر سنوات الماضية اتخذ هذا البلد إجراءات عديدة لتدويل الرنمينبي وزيادة تبادل العملات الأجنبية مع عشرات الدول، مثل كندا وبريطانيا وروسيا والبرازيل. كما قام الرئيس الصيني، شي جين بينغ، بنفسه بإدارة مجموعة من مشروعات البنية التحتية العالمية والبالغة قيمتها تريليون دولار كوسيلة لتوسيع الاستخدام العالمي للعملة الصينية. كما أنشأت الصين بورصة عالمية في شنغهاي للطاقة، لتداول عقود النفط فيها بالعملة المحلية، وهي خطوة وصفت بأنها تمثل ضربة قوية لعظمة الاقتصاد الأمريكي فقد تؤدي على المدى المتوسط إلى إنهاء البترودولار. ومن الترتيبات التي اتخذتها الحكومة الصينية لإنهاء هيمنة الدولار، تقديم حوافز مالية مغرية لتشجيع الاستثمار في الأوراق المالية الصينية المقومة بالعملة الوطنية بدلاً من السندات الحكومية الأمريكية. وطبقا لتقرير غولدمان ساكس فإن «حجم الاستثمارات في السندات الصينية خلال السنوات الخمس القادمة سيتجاوز التريليون دولار، ثلثها سيتم سحبها من السندات الأمريكية». وتتصدر الصين قائمة المستثمرين في السندات الأمريكية بـ 1.165 تريليون دولار. إن سياسة ترامب التجارية العدوانية والعقوبات الاقتصادية الأمريكية المتزايدة على دول عدة منها حلفاء استراتيجيين لأمريكا تجعل من العملة الأمريكية أقل ملائمة للتجارة الدولية. وعلى هذا الأساس تولدت رغبة عالمية أقوى من أي وقت مضى بإنهاء احتكار الدولار على التجارة العالمية. فهل تنجح تلك الدول في إعدام الدولار كعملة عالمية؟ وكيف؟
مشاركة :