ما حدث في الماضي يعد أمرا غريبا وغير مألوف بالنسبة للبنوك المركزية والمستثمرين. فمنذ وقت ليس ببعيد، كان يتم تبريد الاقتصاد الفائق السخونة عن طريق رفع أسعار الفائدة، بينما كان يتم استخدام جولة سريعة من تخفيضات أسعار الفائدة لمواجهة الضعف. عملية وضع السياسات أصبحت الآن تجربة محبطة للغاية. يبدو أن حيل مسؤولي البنوك المركزية تترك الآن تأثيرا أقل بكثير في النمو والتضخم، لكنها في الوقت نفسه أصبحت محركا رئيسيا للأسواق المالية والزيادات في أسعار الأصول. في حالة البنك المركزي الأوروبي، تقترب السياسة النقدية من حدها الأقصى، في حين أن اعتماده على ضعف اليورو لتحفيز الصادرات يخاطر بإثارة حرب عملات مع الولايات المتحدة. الضغوط الانكماشية وسط ركود عالمي على صعيدي التصنيع والتجارة، تجعل البنك المركزي الأوروبي مستعدا لتخفيف السياسة النقدية في أيلول (سبتمبر). لكن منطقة اليورو لديها بالفعل سعر فائدة سلبي على الودائع لليلة واحدة يبلغ ناقص 0.4 في المائة، وهو المستوى الذي وصل إليه عائد السندات الألمانية لأجل عشرة أعوام لفترة وجيزة الأسبوع الماضي. احتمال تجديد سياسة التسهيل النقدي من جانب البنك المركزي الأوروبي لن يؤدي إلا إلى زيادة حدة اضطراب سوق السندات المضطربة بالفعل، وتشجيع المستثمرين على شراء الأصول المنطوية على مخاطر أكبر. في مرحلة ما يمكن أن يصبح ذلك محفزا لنوبة سيئة من الاضطراب المالي. وقد أبرز هذا العمود كيف يمكن أن تساعد عائدات السندات العالمية المنخفضة في الحفاظ على التقييمات العالية للأسهم والائتمان. يبدو أن علامات توقف نمو الأرباح، أو تخفيض الشركات في الولايات المتحدة وأوروبا لتوجيهاتها المتعلقة بالأرباع المقبلة، ليست مهمة، لأن المستثمرين يتمتعون بقوة دافعة قوية من البنوك المركزية. التداول "المنخفض لفترة أطول" يعني أن التصحيح في أسواق الأسهم وأسواق الائتمان محدود. لكن ليست جميع القوارب تطفو عاليا، إذ يفضل المستثمرون في الأسهم شركات الجودة والنمو إلى جانب الشركات التي تقدم أرباحا عالية. قد يكون من المناسب شراء أسهم غير مرغوبة على الإطلاق لأنها رخيصة. لكن تداول أسهم القيمة يبدأ فقط عندما تصبح الأجواء الاقتصادية مشرقة. ألان روسكين، أحد كبار محللي العملات في "دويتشه بانك"، يقول استنادا إلى أدلة من اجتماعات العملاء الأخيرة، إن هناك موضوعين متناقضين في الظاهر يهيمنان على تفكير المحافظ الاستثمارية. احتمال تجدد عمليات شراء الأصول من البنوك المركزية يشجع على البحث عن العائد، الأمر الذي دفع عددا من عملات الأسواق الناشئة إلى الارتفاع. يعد الاقتراض مقابل لا شيء في عملة واحدة، وإعادة استثمار العائدات في أصول ذات عوائد مرتفعة، أمرا رائعا عندما تحاول البنوك المركزية السيطرة على تقلباتها. لكن المشكلة مع ما يسمى "تجارة المناقلة" هي أنها يمكن أن تنهار، عادة دون سابق إنذار. الجانب الآخر من السعي وراء العائد هو التداول الذي يتجنب المخاطر العالية، من خلال شراء سندات حكومية طويلة الأجل وسندات شركات ذات جودة عالية تحقق الفائدة في حال انتهى الأمر بالتداول المنخفض لفترة أطول في أسعار الفائدة، في نهاية المطاف، إلى معدل قريب من الصفر أو أقل منه. يمكن فعل ذلك مع الذهب والعملات الآمنة مثل الين والفرنك السويسري. يرى روسكين أن كلتا العمليتين يمكن أن تزدهر خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، في الوقت الذي تحافظ فيه البنوك المركزية بقيادة البنك الفيدرالي على صدقية السياسة وتعمل في الوقت ذاته على زيادة "الرغبة في المخاطرة". على المدى الطويل، يتمثل الخطر في فشل السياسة النقدية في محاربة تباطؤ الاقتصاد العالمي وأن تعاني الشركات المثقلة بالديون انخفاضا في الربحية. في النهاية هذا يعرض الشركات إلى خسائر ويؤدي إلى عدم قدرتها على إعادة تمويل ديونها. لذلك يعتمد كثير على البنوك المركزية للتصدي لمثل هذه النتيجة عندما تكون هناك شكوك قوية حول فعالية توسيع مشتريات السندات، وفي حالة البنك المركزي الأوروبي زيادة تخفيض أسعار الفائدة الموجودة أصلا في المنطقة السلبية. لنكون عادلين، يدرك المسؤولون حدود السياسة النقدية. في الأسبوع الماضي تخلل المؤتمر الصحافي لماريو دراجي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، كثير من الدعوات إلى نشر الذخيرة المالية. وأضاف أندي هالدان، من بنك إنجلترا: "أن إضفاء مزيد من القوة على جانب العرض من الاقتصاد هو المطلوب الآن". لسوء الحظ ، من المحتمل ألا يتم استخدام التدابير المالية إلا بعد تعرض النشاط الاقتصادي لتراجع حاد. بالنظر إلى ضغوط التصنيع على ألمانيا في الوقت الحالي، يتعين على المرء أن يسأل متى يبدأ أكبر اقتصاد أوروبي في الإنفاق ويمنع الركود. ومع أن نظام مالي عالمي تهيمن عليه مستويات عالية من الديون يحد من نطاق ارتفاع أسعار الفائدة، إلا أنه أيضا يبقي على تكلفة الاقتراض منخفضة، وبالتالي يكون المجال مفتوحا للإنفاق المدعوم من الحكومة. هذا هو المجال الذي يمكن لبعض التفكير الإبداعي من جانب البنوك المركزية أن يلعب فيه دورا. بدلا من مجرد تكرار نوبات الشراء السابقة للسندات العامة، في حالة البنك المركزي الأوروبي، يمكن أن تساعد على تمويل البنية التحتية في منطقة اليورو والمشاريع الخضراء وحتى تنظيف النظام المصرفي من خلال شراء القروض المتعثرة. إحدى الأفكار من سيباستيان جالي، من شركة نورديا لإدارة الأصول، تتضمن شراكة البنك المركزي الأوروبي مع بنك الاستثمار الأوروبي لإنشاء أدوات تستثمر في الشركات الناشئة التي تعمل على "زيادة الإنتاجية على المدى الطويل وزيادة السرعة التي تتكيف بها القطاعات الناضجة مع الاقتصاد الجديد". بينما يستعد دراجي فيما يبدو لإنهاء ولايته بجولة أخرى من سياسة التسهيل التي سبق انتهاجها، تواجه خليفته كريستين لاجارد التحدي الهائل المتمثل في إقناع أوروبا بتجربة بعض الأساليب الجديدة التي تمس الحاجة إليها
مشاركة :