العملات المشفرة تتحدى الهجمات في مراكز مالية جديدة

  • 7/30/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لكنّ فريقا ثالثا قد تكون للمراكز المالية الكبرى مثل لندن ونيويورك، التي تطبق لوائح الخدمات التقليدية على قطاع العملات المشفرة جاذبيتها للمؤسسات الكبيرة الساعية وراء الأمان، لكن تعقيدات الالتزام بالقواعد والتكاليف المرتفعة تمنع العديد من المشروعات الجديدة من دخولها. ويقول خبراء القانون إن المناطق ذات الولاية القضائية التي تطبق قواعد مخففة مثل سيشل وبيليز تتيح سهولة دخول السوق بشكل أكبر، رغم أنها توفر حماية أقل للمستثمرين وقيودا أخفّ على تحرك الأموال. وبين هذا وذاك هناك مسار ثالث تتيحه دول مثل البحرين وروسيا البيضاء ومالطا وجبل طارق من خلال وضع قواعد محددة لقطاع العملات المشفرة، وهي تراهن على إمكانية جذب شركات بالجمع بين الأمان التنظيمي وحوافز مثل الإعفاءات الضريبية. ورغم أن النجاح غير مضمون فإن العملات المشفرة تمثل فرصة نادرة لهذه الدول أو الأقاليم لاقتناص شريحة من سوق ناشئة تتضمن جذب استثمارات وخلق وظائف في وقت تتبنّى فيه المراكز المالية الكبرى نهجا أكثر تحفظا يقوم على التريث. ويرى جيس أوفرول المحامي لدى كليفورد تشانس في نيويورك والمتخصص في الجوانب التنظيمية للعملات الرقمية أن “ثمة ولايات قضائية تسمح بكل شيء. وعلى النقيض هناك الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي. وفي الوسط يوجد الشق المغري في هذا الطيف”. ويقول إن الدول والشركات قد تستفيد من ظهور أطر عمل مخصصة للعملات المشفرة. لكنه يضيف أن الدول التي تخطئ في وضع القواعد قد تخالف القواعد العالمية للقضاء على الاستخدام غير القانوني للعملات الرقمية.وهناك تساؤلات كبرى حول قدرة هذه الدول على أن تمنع باستمرار التلاعب والأنشطة غير القانونية، مثل غسل الأموال، التي تجتاح هذا القطاع وربما تضرّ بسمعتها كمراكز آمنة. ومن المخاطر الأخرى في وضع القواعد لصناعة العملات المشفرة، التي تشهد تحولات سريعة لا يمكن التنبؤ بمسارها، أن هذه القواعد قد يتجاوزها الزمن بشكل سريع. مؤخرا قررت شركة زد.بي.اكس المتخصصة في التشفير ومقرها سنغافورة، إطلاق منصة لتداول العملات المشفرة اسمها “كيوم” الشهر المقبل لخدمة المؤسسات الاستثمارية مثل شركات التداول ذات النشاط العالي وصناديق التحوط. وقد اختارت الشركة إقامة هذا النشاط في المنامة عاصمة البحرين، لكن الاعتبارات التي واجهتها تلخص المأزق الذي يواجه لاعبين كثيرين في هذه الصناعة. وقال راماني راماتشاندران الرئيس التنفيذي لشركة زد.بي.اكس إن، الشركة استبعدت فكرة العمل في إطار نظام وحدات المعاملات الخارجية سواء بقواعد تنظيمية محدودة أو دون أي منها. وأضاف أن مثل هذه القاعدة ربما تردع مستثمرين كبارا مع اشتداد التدقيق في العملات الرقمية من جانب الحكومات والجهات التنظيمية العالمية. وكانت البحرين قد أطلقت في فبراير الماضي قواعد تنظيمية لشركات العملات الرقمية تتضمن وضع ضوابط صارمة لخلفيات الزبائن ومعايير الحوكمة والقيود على مخاطر الأمن السيبراني. ويرى راماتشاندران أن إقامة النشاط في مواقع أصغر مثل البحرين أرخص بكثير في العادة من حيث الالتزام بالقواعد وكلفة الإدارة مقارنة بالمراكز المالية الكبرى. وتقدر شركة زد.بي.اكس أن هذه التكاليف قد تبلغ نحو 200 ألف دولار سنويا في البحرين مقارنة مع 750 ألف دولار على الأقل في لندن. وقال أديتيا ميشرا الشريك المؤسس لشركة زد.بي.اكس إن ثمة مزية أخرى في تأسيس النشاط في بلد أصغر، يتمثل في التواصل الوثيق الذي يمكن أن يتاح للشركات مع الهيئات التنظيمية، وهو ما قد لا يتيسر في مركز مالي كبير. وأضاف أن البحرين تتيح أيضا دخول أسواق الخليج. وبدأت منصة أخرى لتداول العملات المشفرة هي “آي اكستشينج” نشاطها في مينسك عاصمة روسيا البيضاء هذا الشهر بهدف جذب مستثمرين من سوق كومنولث الدولة المستقلة، الذي يشمل روسيا والجمهوريات السوفييتية السابقة. وقال إيغور سنيجكو الشريك المؤسس للشركة إن روسيا البيضاء هي الخيار الأفضل لأن بها إطار عمل تنظيمي تفتقر إليه دول أخرى في المنطقة. وتشترط روسيا البيضاء مراجعة حسابات مصدري العملات الرقمية وتفاصيل المشروعات التي يستند إليها أي إصدار. وتتضمن القواعد مراقبة المعاملات المشبوهة للوفاء بمعايير غسل الأموال الدولية. ومن الحوافز التي تعرضها روسيا البيضاء إعفاءات ضريبية للشركات التي تقوم بتعدين العملات المشفرة وتداولها. كما تتيح القواعد لوائح أقلّ تشددا في ما يتعلق بالقيود على العملات وتأشيرات الدخول. وعلى النقيض فإن معاملات العملات الرقمية تخضع للضرائب في الولايات المتحدة وتسري عليها في بريطانيا ضرائب أرباح رأس المال. وقالت منصة آي اكستشينج إنها درست في البداية الوضع في دول أخرى منها إستونيا ومالطا، لكنها اختارت روسيا البيضاء بسبب قربها من سوقها المستهدفة. وتتباين القواعد التنظيمية للعملات المشفرة في مختلف أنحاء العالم، رغم الجبهة الموحدة للقوى الاقتصادية الكبرى، التي واجهت خطط فيسبوك لإصدار عملتها ليبرا. فقد حظرت الصين العملات المشفرة بالكامل، كما أوصت لجنة حكومية هندية الأسبوع الماضي باتخاذ إجراء مماثل. وهناك مؤشرات على أن صياغة قواعد للعملات المشفرة لن تقتصر على دول مثل روسيا البيضاء والبحرين. فقد خطت دول كبرى مثل فرنسا واليابان خطوات في هذا الاتجاه. وترى آن صوفي كلوتس، التي شاركت في دراسة عن تنظيم العملات المشفرة بجامعة كامبريدج، أن العمل في إطار قواعد تنظيمية في مركز راسخ يمكن أن يتيح للشركات دخول أسواق أعمق وأكثر سيولة ويوفر قدرا أكبر من اليقين في ما يتعلق بالقوانين المالية. وتقول إن الدول الأصغر هي التي سبقت الجميع إلى اتباع نهج أكثر تطورا “حسب الطلب”. وتضيف أن ذلك ربما يحقق الوضوح لكل من شركات العملات المشفرة والخدمات المرتبطة بها مثل البنوك، التي كانت تخشى في السابق غموض الوضع القانوني للقطاع. ويقر فيكتور بروكوبينيا رائد أعمال العملات المشفرة في روسيا البيضاء، بظهور مخاطر كبيرة في نشاطات تكنولوجيا سلاسل الكتل (بوك تشين) تتضمن إمكانية غسل الأموال. لكنه يؤكد إمكانية تخفيف حدة المخاطر بالقواعد التنظيمية الواضحة، وأن على الدول مثل روسيا البيضاء ألا تفوت فرصة اقتناص شريحة من سوق ناشئة، مؤكدا أن “أكبر المخاطر تأتي من عدم القيام بأي مخاطرة”.

مشاركة :