وفقاً لمنظمة الاستدامة (شبكة البصمة البيئية العالمية) فإنه بحلول 29 يوليو، ستكون البشرية قد استنفدت رصيدها من موارد الأرض للعام كله، وقد تَقدَّم موعد «يوم تجاوز موارد الأرض» بمقدار شهرين خلال العشرين سنة الماضية. وبرغم تجلي التأثيرات البيئية المتزايدة الناجمة عن أنشطة بشرية في نواح كثيرة، فإن تغير المناخ هو أطول هذه التأثيرات أمداً وأوسعها نطاقا، حيث تمثل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري ما يقدر بنحو %60 من بصمتنا البيئية. تعد دول مجموعة العشرين، بدرجات متفاوتة، المساهمة الرئيسية في تغير المناخ، وتُطلق هذه المجموعة إجمالا حوالي 80% من الغازات المسببة للاحتباس الحراري الكوكبي على مستوى العالم، تتصدر الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ترتيب الدول من حيث الانبعاثات الكربونية، ولا تزال أميركا أكبر دولة باعثة لثاني أكسيد الكربون من حيث نصيب الفرد. علاوة على ذلك، أعلنت الولايات المتحدة، تحت قيادة الرئيس دونالد ترامب، انسحابها من اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015، التي تعهدت بموجبها 197 دولة بالحد من الزيادة في درجة الحرارة العالمية بما لا يتجاوز درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية كحد أقصى. في قمة مجموعة العشرين الأخيرة في أوساكا، نأت إدارة ترامب بنفسها مرة أخرى عن اتفاقية باريس، مدعية أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالطاقة في الولايات المتحدة قد انخفضت بنسبة 14% بين عامي 2005 و2017، ولكن هذا الانخفاض يعكس إلى حد كبير عوامل اقتصادية، منها على وجه الخصوص، إمكانية الحصول على وفرة من الغاز الطبيعي منخفض التكلفة، الذي حل محل الفحم في مزيج مصادر الطاقة في الولايات المتحدة، لذلك لا يمكن أن يُنسب الفضل في هذه الاتجاهات لإدارة ترمب، المشغولة بالتراجع عن السياسات المناخية التي اعتُمدت في عهد أوباما. تثبت أزمة المناخ أن الديناميات الاجتماعية والطبيعية يرتبط بعضها ببعض على نحو متزايد، ومع ذلك، لا يزال بعض القادة مصممين على تجاهل الأدلة التجريبية على حدوث الاحتباس الحراري. في الولايات المتحدة، تعكس سياسات ترامب المناخية المشهد السياسي الشديد الاستقطاب الذي نشهده الآن، حيث أصبحت جميع القضايا تقريبا على درجة عالية من التحزب، كما ينال رفضه للإجماع العلمي حول تغير المناخ استحسان العديد من الناخبين الجمهوريين، الذين يعتقد 34% منهم فقط أن النشاط البشري هو السبب الرئيسي للاحتباس الحراري، مقارنة بنحو 89% من الناخبين الديمقراطيين. علاوة على ذلك، حظي هجوم الحكومة الأميركية ضد علوم المناخ بالتأييد بين منتجي الوقود الأحفوري الآخرين، على سبيل المثال، انضمت المملكة العربية السعودية والكويت وروسيا مؤخرا إلى الولايات المتحدة في رفض تأييد تقرير مرجعي أعدته لجنة الأمم المتحدة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) ويسلط الضوء على الحاجة إلى إجراء تخفيضات جذرية في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. خلص التقرير إلى أنه من أجل الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري خلال هذا القرن بحيث لا تزيد على 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية - أحد أهداف اتفاقية باريس - يجب علينا خفض صافي الانبعاثات الكربونية بمقدار النصف تقريبا (نسبة إلى مستويات 2010) بحلول عام 2030، ويجب أن نصل إلى صافي انبعاثات صفر بحلول منتصف القرن. ومع ذلك، فإن الاتجاهات الحالية غير واعدة، حيث سجلت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية المرتبطة بالطاقة ارتفاعا قياسيا في عام 2018. لكن ليست جميع الأخبار سيئة، فلحسن الحظ، لم تنضم أي دولة إلى الولايات المتحدة بإعلان عزمها على الانسحاب من اتفاقية باريس، وفي قمة مجموعة العشرين، منعت فرنسا والمملكة المتحدة وغيرها ترامب من استبعاد أي إشارة إلى الاتفاق في البيان الختامي. اعتمدت فرنسا والمملكة المتحدة، بين عدد متزايد من الدول، قوانين تكرس هدف حيادية الكربون (بمعنى تحقيق صافي انبعاثات صفر) بحلول عام 2050، كما ناقشت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي - والتي تمكنت في عام 2018 من مقاومة الاتجاه العالمي الحالي بالحد من الانبعاثات الكربونية المرتبطة بالطاقة الصادرة منها مجتمعة - إمكانية جعل حيادية الكربون بحلول عام 2050 هدفا مشتركا، لكنها في الشهر الماضي فشلت في الاتفاق على هذا الموعد المستهدف بسبب معارضة من جمهورية التشيك وإستونيا والمجر وبولندا. يمثل هذا عائقا أمام أوروبا قبل قمة الأمم المتحدة للعمل من أجل المناخ التي ستعقد في نيويورك في سبتمبر، والتي ستتناول ضرورة التعهد بالتزامات وطنية أكثر طموحا بموجب اتفاقية باريس، ويجب على الاتحاد الأوروبي أن يثبت باستمرار قدرته على القيادة في مجال تغير المناخ، وعدم الإدلاء ببيان قوي في هذه القمة سيكون بمثابة فرصة مهدرة. في نفس الوقت، لن يفوز العالم في المعركة ضد تغير المناخ إذا كان الكثير من الناس يعتقدون أن هذه المعركة ستؤثر سلبا على النمو والعدالة الاقتصادية، وكما بيَّنت حركة «السترات الصفراء» الاحتجاجية في فرنسا، فإنه غير الواقعي أن ننتظر من هؤلاء الذين يساورهم القلق حيال مشاكل نهاية الشهر أن يكترثوا بنفس القدر لمشاكل نهاية العالم. نظرا لأن التحول في مجال الطاقة سيكون مكلفا وسيتسبب في خسارة بعض الأطراف على المدى القصير، يتعين على الحكومات صقل السياسات وتصميم شبكة أمان لتخفيف التأثير، وهو ما تهدف إليه الحكومة الإسبانية من خلال خطتها الانتقالية الجديدة لإغلاق مناجم الفحم في البلاد. هذا النوع من التأقلم - الذي تبنته رئيسة المفوضية الأوروبية المنتخبة أورسولا فون دير لاين في خطابها أمام البرلمان الأوروبي - يتسق مع مواجهة الحقيقة الصعبة لهذه المسألة: على المدى المتوسط والبعيد، فإن البديل الأكثر تكلفة هو التقاعس عن العمل من أجل المناخ. إن حلول «يوم تجاوز موارد الأرض» في أقرب موعد له على الإطلاق لهو تذكير صارخ بحجم الموارد التي نتطلبها من كوكبنا، وبما نحتاج إليه من تحول غير مسبوق في مجال الطاقة لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري. من المشجع أن النقاش العام حول تغير المناخ – رغم وجود بعض الأصوات النشاز - قد بدأ في إدراك هذه الحقيقة. علاوة على ذلك، فإن الزيادة في عمق ووضوح مناقشات المناخ، إلى جانب الانخفاض الملحوظ في أسعار الطاقة المتجددة، كلها عوامل تعطينا المزيد من الأسباب للتفاؤل. سيكون التصدي لظاهرة الاحتباس الحراري مهمة شاقة، وقد يكون من السهل أن تُحبط العزائم، لكن إذا اعتنق العالم روحا مبتكِرة ومتعددة الأطراف وشاملة على المستوى الاجتماعي، فلا يزال أمامنا متسع من الوقت لتحقيق التغير في الاتجاه الذي نحن في مسيس الحاجة إليه من أجل إبقاء كوكب الأرض صالحا للسكنى. *خافيير سولانا * كان ممثل الاتحاد الأوروبي الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية، والأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي، ووزير خارجية إسبانيا سابقا. ويشغل حاليا منصب رئيس مركز إيساد للاقتصاد العالمي والدراسات الجيوسياسية، وهو زميل متميز لدى مؤسسة بروكنجز، وعضو «مجلس الأجندة العالمية بشأن أوروبا» التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي. «بروجيكت سنديكيت، 2019» بالاتفاق مع «الجريدة»
مشاركة :