خضعت إدارة مهرجانات بيبلوس في لبنان للضغوط التي مارستها شخصيات كنسية وسياسية وإعلامية مسيحية لمنع إقامة حفلة فرقة “مشروع ليلى” المقررة في التاسع من أغسطس. والظاهر أن الأمر بات خطيرا إلى درجة أن ما صدر عن إدارة المهرجان علل القرار بأنه جاء “منعا لإراقة الدماء”. وأثارت مشاركة الفرقة ضجيجا لبنانيا داخليا بين من يؤيّد منع إقامة الحفل أو يتفهم ذلك من زاوية احترام مشاعر المؤمنين المسيحيين، ومن يتمسك بالدفاع عن حرية التعبير والحفاظ على إرث لبنان الحضاري منبرا للثقافة والفنون وحرية القول. وواجهت الفرقة وإدارة مهرجان بيبلوس حملة عنيفة ودعوات في الفترة الأخيرة تطالب بإلغاء الحفل ولاسيما من قبل الكنيسة المارونية. وكانت اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام التابعة للكنيسة الكاثوليكية في لبنان طالبت مجددا، في اجتماع الاثنين، المسؤولين والأجهزة المختصة باتخاذ “الإجراءات اللازمة لمنع أي فرصة تعطى لأي كان للمس بالأديان ووقف هذه الحفلة”. وأضافت “ترفض الكنيسة أن يُمسَّ بشعائرها وإيمان أبنائها (…). وإن رفضها لهذه الفرقة والعرض الذي تؤديه يبنى على ما تقدمه من أفكار وأعمال تتهكم على العقيدة الإيمانية والرموز الدينية وتشوه صورة الله كما تعلمها الكنيسة”. وجاء في بيان لمهرجانات بيبلوس التي تقام في مدينة جبيل (شمال بيروت) “في خطوة غير مسبوقة، ونتيجة التطورات المتتالية، أُجبرت اللجنة على إيقاف حفلة مشروع ليلى (..)، منعا لإراقة الدماء وحفاظا على الأمن والاستقرار، خلافا لممارسات البعض”. وأضاف القيمون على المهرجان “نأسف لما حصل، ونعتذر من الجمهور”.ويرى مراقبون أن حالة الفوضى في البلد وغياب الدولة عن مهمتها في إدارة الحوار المجتمعي يسمح لسجال يفترض أنه ثقافي أن يتحول إلى حافز من حوافز تهديد السلم الأهلي في البلد، مع العلم أنه لم يصدر عن مؤسسات الدولة الأمنية ما يفيد أن الأمر قد يتحوّل إلى صدام وعنف في الشوارع. وكان جهاز أمن الدولة حقق مع بعض أفراد الفرقة إثر الحملة، وأخلت بعدها المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون سبيلهم، الأربعاء الماضي. وأوضح المدير الفني للمهرجان ناجي باز أنه “تقرر إلغاء الحفلة (..) لأن الوضع أصبح هستيريا بوجود تهديدات مباشرة لأمن الجمهور والفنانين وسلامتهم”، مؤكدا أن “القرار فرض نفسه لأننا في اللجنة المنظمة أشخاص مسؤولون (..) حاولنا قدر المستطاع التوصل إلى حل”. ويبدو أن استخدام كلمة “هستيري” في التصريح الذي صدر عن المدير الفني للمهرجان يعبر عن استهجان إدارة المهرجان للحال الذي وصل إليه البلد والذي بات يعطّل أنشطة أحد أهم المهرجانات الثقافية والفنية عراقة. ويتساءل ناشطون في الوسط الثقافي عن مستقبل حرية التعبير في لبنان مقابل تصاعد موجة من التعصب الديني التي طالت هذه المرة المسيحيين. ورأوا أن التعبير عن رفض مضمون ما تقدمه الفرقة لم يكن ليصل إلى درجة المنع النهائي مخافة “إراقة الدماء” لو لم يكن هناك غطاء سياسي مسيحي يسعى لاستغلال الحدث لصبّ زيت على نار من يتطوع للدفاع عن حقوق المسيحيين في لبنان. ويأتي هذا التطور متواكبا مع تصاعد حملة يقودها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل مستقويا بصهره رئيس الجمهورية ميشال عون وبالتحالف مع حزب الله تحت شعار “استعادة حقوق المسيحيين”. ويرى مراقبون أن الاستفاقة على أعمال الفرقة الفنية التي سبق أن قدمت عروضا في مناطق عديدة من لبنان دون أي اعتراض من أحد قد ترتبط بأجندات غير بريئة ليست بعيدة عما يعمل عليه باسيل وفريقه. واعتبر الكاتب اللبناني خيرالله خيرالله أن من يرفض ظهور الفرقة في جبيل لا يسيء إلى جبيل فحسب، بل يسيء إلى المسيحيين اللبنانيين وإلى كلّ ما له علاقة بالكنيسة والانفتاح على كلّ ما هو حضاري في هذا العالم. وكتب خيرالله في مقال سابق في “العرب”، “مضحك أن يكون داعش بين مسيحيي لبنان هذه الأيّام. فمن يتصرّف بالطريقة التي تصرّف بها في الاعتراض على مشروع ليلى لا ينتمي سوى إلى داعش فكرا وسلوكا”. وتساءل خيرالله من قال إن داعش تعبير عن التطرّف لدى بعض السنّة. يبدو داعش موجودا أكثر من أيّ وقت لدى طوائف أخرى. في ما يخصّ بعض المسيحيين اللبنانيين، تبدو “داعشيتهم” غطاء لعنصرية دفينة تجاه الفلسطيني والسوري في ظلّ إعجاب منقطع النظير بالنظام الأقلّوي السوري! وكانت إدارة المهرجانات أعلنت، الأسبوع الماضي، أنها توصلت إلى اتفاق مع السلطات الدينية لإبقاء الحفل في موعده شرط أن تعتذر الفرقة ممن قد تكون “أساءت إلى مشاعرهم الدينية”. وردا على سؤال لمعرفة لماذا لم تعتذر الفرقة، قال باز “يعتذر الشخص عندما يكون مخطئا ولست متأكدا من أن هذا الاعتذار كان سيكون كافيا لأن الأمور خرجت عن السيطرة وكان من الضروري اتخاذ هذا القرار، المريع لنا”. وأشار باز إلى أن “القضاء طلب منا التوصل إلى تسوية مع المسؤولين لكن هذا الأمر كان صعبا جدا”.
مشاركة :