من منّا لم يعان من النميمة، ولم يتألم بسبب أقاويل تلوكها الألسن حول أمور خاصة، أو أخرى قد يكون المرء بريئا منها! لكن النميمة رغم أنها عادة مرفوضة في كل المجتمعات، إلا أن البعض يستخدمها كوسيلة لتسلية الوقت، خاصة أنها انتقلت في العصر الحالي من الدوائر الضيقة بين صباحات الجارات وتجمعات المعارف والأصدقاء في البيوت والمقاهي، إلى العالم الافتراضي الشاسع. النميمة لم تعُد حكرا على اللقاءات الشخصية، بل تطوّرت في هذا الزمن لتغزو شبكات التواصل الاجتماعي. إنها سلوك إنساني يحظى بانتشار واسع، ربما لأن البشر بطبيعتهم يميلون إلى معرفة الأسرار، وربما لأنها تتشكّل نتيجة لمشاعر إنسانية سلبية مثل الغيرة والحقد والحسد. تقول ليلى متولي (33 عاما)، وهي موظفة وأم لثلاثة أطفال، “أحب اللقاءات الاجتماعية وتبادل الأخبار، وعن نفسي أستمتع أحيانا في معرفة البعض من الحكايات الطريفة عن الآخرين وتبادلها”. وتضيف “لكن لا أرى في هذا نميمة، بل اطلاع ومعرفة واكتساب خبرات، خاصة إذا كان الكلام عن الغير لا يؤذي سمعتهم”. وتتفق مع هذا الرأي هند شوكت (40 عاما)، وهي ربة بيت، التي تعتبر أنّ هناك فرقا بين الحديث بغرض نقل معلومة وقعت لصديقة نعرفها أو لجارة وبين الانتقاد أو الحديث بالسوء عن الآخرين. وتقول “لا أنكر أنه في البعض من الجلسات مع جاراتي في العمارة أن يحدث ذكر لموقف ما حدث مع جارة لئيمة، أو جار متجهم وحقود، وربما نسترسل في تعداد أكثر من موقف، لكن هذا لا يحدث بشكل متعمد”. الابتعاد عن دوائر النميمة يحتاج إلى وعي بأهمية الوقت إلى جانب الوعي الأخلاقي الذي ينشأ مع الإنسان منذ الصغر أما ربيع مدحت (36 عاما)، وهو كاتب سيناريو، فله رأي طريف ومختلف حيث يقول “نحن الرجال لا نسترسل كثيرا في ما يسمّى نميمة، أرى أن النساء أكثر تركيزا في تبادل الأخبار الاجتماعية، لكن من وجهة نظري أن النميمة مهمة أيضا لمعرفة الحكايات وما في داخل النفوس”. ويتابع قائلا “حين تحكي لي زوجتي ما تسمعه من جاراتها وصديقاتها، أستمع إليها بإنصات واهتمام، لأن ما تحكيه لا نتداوله نحن الرجال في جلساتنا على المقاهي”. بينما يرى عادل الرشيدي، وهو أخصائي اجتماعي، أن انتشار ظاهرة النميمة يرجع لعدة أسباب: أهمها كثرة أوقات الفراغ وعدم شغلها بالأساليب الصحيحة مثل الرياضة أو القراءة، أو أي أنشطة مفيدة أخرى. وثانيا، الابتعاد عن التعاليم الدينية التي تنهى عن النميمة. والسبب الثالث لانتشار النميمة يكمن في الأزمة الأخلاقية التي يمر بها المجتمع، والتي جعلت أفراده يستبيحون لأنفسهم الحياة الخاصة للآخرين دون خجل. والأمر الذي ساعد على انتشار ظاهرة النميمة بين المتعلمين بصورة كبيرة هو ظهور نوع جديد من السوشيال ميديا تشجع على النميمة، وتبادل أخبار الفضائح، بسبب ما تحتويه من أخبار ملفقة وأكاذيب تتناول الحياة الخاصة لبعض المشاهير وتكون هذه الأخبار مادة ثرية للنميمة بين الناس. إلى جانب ذلك، هناك بعض البرامج التلفزيونية التي تخوض في الجوانب الخفية في حياة النجوم والمشاهير، وتفتح أيضا مجالا واسعا للنميمة بين المشاهدين، فيتناقلون في ما بينهم بعض أجزاء تلك الأحاديث، ولا مانع في أن يزيدوا عليها بعض التفاصيل أو يغيّروا محتواها ليزيدوا من جاذبية الخبر. ويتابع الرشيدي موضحا أنه “لعله من المهم جدا الانتباه إلى عامل التنشئة الاجتماعية الخاطئة، فالطفل الصغير يرى والدته وصديقاتها أثناء جلسات النميمة، وهنّ يستبحن لأنفسهن الخوض في الأمور الشخصية للغائبات من صديقاتهن الأخريات، فينشأ وينضج وقد تمكّنت منه هذه العادة السيئة ثم يبدأ هو ممارستها في مجتمعه الصغير في النادي والمدرسة”. أما الدكتور زهدي شاكر، أستاذ علم الاجتماع، فيرى أن ظاهرة النميمة أصبحت منتشرة بصورة كبيرة، حيث نجدها من حولنا في كل مكان في المنازل والأندية والمقاهي، وحتى في أماكن العمل. ويبيّن الدكتور شاكر أنه من أكثر الأمور التي تكون مادة خصبة للنميمة هي العلاقات بين الجنسين التي تأتي في المقام الأول، ثم تأتي المقارنات المالية في المقام الثاني. أما المقام الثالث فتأتي به الموضوعات المتعلقة بالأداء في المصالح والهيئات، وفي المقام الرابع تأتي العلاقات الشخصية بين الموظفات والموظفين مثل العلاقة بالأزواج والزملاء ورؤساء العمل. ويضيف الدكتور شاكر أن النميمة تختلف في طبيعتها وفقا للطبقة التي ينتمي إليها الأفراد، وذلك من حيث الموضوعات التي يتم تناولها، وكذلك المصطلحات المستخدمة أثناء الحديث. ويؤكد أن النميمة تأخذ سمة الطبقة التي تمارسها وتتأثر بالمستوى الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي أيضا.ويوضح أن الأوساط الراقية تختلف موضوعات النميمة التي تشغلها عن الأوساط الشعبية، وأنه باختصار لكل وسط اجتماعي موضوعات مفضلة لتناولها في النميمة. أما عن كيفية الابتعاد عن دوائر النميمة فهذا يحتاج إلى وعي شديد بأهمية الوقت وتمضيته في أمور مفيدة، إلى جانب وجود وعي نفسي وأخلاقي بأن الكلام عن الآخرين بالسوء في غيابهم هو أمر مذموم، وهذا الوعي ينشأ مع الإنسان منذ الصغر، إذا كانت الطفلة ترى أمها تتبادل الكلام عن الآخرين عبر الهاتف لساعات، فمن الطبيعي أن تقوم بتقليدها حين تكبر. وحول ما إذا كان الأشخاص الذين يمارسون النميمة يعانون من مرض نفسيّ، يقول الدكتور هاني عبدالله استشاري الطب النفسي والأعصاب إن الإنسان بطبيعته يحتاج إلى الشعور بالانتماء الاجتماعي الذي يتحقق من خلال ما يعرف بمجموعة الأصدقاء. ويبيّن أن ما يعرف بالنميمة فهو نقل المعلومات بصورة غير سليمة عن قصد وغرضية حتى يحدث للمستمعين نوع من الاشتياق ومحاولة معرفة الحقيقة. والنميمة، وفق استشاري الطب النفسي، يكثر في داخلها الشائعة ونقل المعلومة غير السوية عن عمد ونية يصاحبها ضلالة. ويؤكد أنه لا بد أن نفرق بين التجمع الذي يصاحبه أحاديث تعرض فيها خبرات وبعض الشكاوى التي تحتاج إلى الرأي والمشورة، وهي لقاءات اجتماعية سوية لا يصاحبها غرضية أو نقل معلومات كاذبة. ويفيد الدكتور عبدالله بأن النميمة لا يمكن أن نعتبرها نوعا من أنواع الفضفضة لأنها تقوم على الكذب والضلالة والإيقاع بين الناس، وتكون لمجرد التسلية وقتل وقت الفراغ. ويشير إلى أن نقل المعلومة غير الصحيحة عن قصد يكون غرضا لشخصية غير مستقرة انفعاليا أو وجدانيا.
مشاركة :