ما أن تحسست خطواتها الأولى وسط جدران منزلها بالإسكندرية، لم تجد مفرًا من الاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية وأغاني الزمن الجميل بجانب الأوبرا، ومن ثم ذهبت تلقائيًا إلى احتراف النوع الأخير محققة فيه إنجازات كبيرة. من هذه البدايات استطاعت الشابة فرح الديباني، 30 عامًا، الانضمام إلى فرقة الأوبرا بالعاصمة الفرنسية باريس كأول مصرية وعربية، ليس هذا فحسب، بل حصلت على لقب أفضل مغنية للعام الجاري من قبل الفنيين هناك، ورغم ما وصلت إليه لم تنس أصولها وجذورها المصرية، وهو ما تكشف عنه في حوارها لـ«المصري لايت»: . حدثينا عن بداياتك وعوامل تعلقك بالأوبرا. البداية كانت من محافظة الإسكندرية مسقط رأسي، هناك ألحقني والداي بالمدرسة الألمانية، كما حضرت حصصًا في الكونسرفتوار، والذي تعلمت فيه عزف البيانو ورقص الباليه. الأجواء داخل المنزل بشكل عام وجهتني للموسيقى الكلاسيكية، وهي النوعية التي حرص والداي على الاستماع إليها بجانب الأوبرا، وهو نفس ما واظب عليه جدي، والذي شجعني على سماع تلك الألوان الفنية. . متى بدأتِ الغناء الأوبرالي؟ وأنا في سن 14 عامًا خلال دراستي بالمدرسة الألمانية، وقتها كنت أغني بشكل فردي أو ضمن كورال، وبين هذا وذاك استمع إليّ أحد الأساتذة وأبلغني بضرورة اقتحام الأوبرا. . كيف جاء تطورك في هذا المجال تدريجيًا؟ شاركت في مسابقات لغناء الأوبرا بعد الاستماع لنصيحة أستاذي، ونجحت في الوصول للمراحل النهائية وحققت المركزين الأول والثاني في عدد من المنافسات، بالتزامن مع إحيائي لحفلات في دار الأوبرا بالقاهرة، ومكتبة الإسكندرية. عملت كذلك مع المايسترو شريف محيي الدين، كما قدمت أول عرض لفرقة «فابريكا» قبل انتشارها الواسع، وكانت الأعمال باللهجة المصرية ما أثار إعجاب الجمهور، واستمررت في مشواري الفني بالتزامن مع دراستي للعمارة، وخلال تلك الفترة حصلت على جائزة المجلس الأعلى للثقافة عام 2007. . أحكِ لنا عن مشوارك في ألمانيا. قضيت هناك 7 سنوات درست خلالها الغناء الأوبرالي في برلين، بعد اختيارات صعبة، كما أكملت تعلم الهندسة والعمارة هناك، وحصلت على البكالوريوس في المجالين، كما حصلت على الماجستير في الغناء. وخلال تلك السنوات، قدمت عددًا من العروض في برلين، على رأسها دور «كارمن» ومنه ترشحت في مجلة «عالم الأوبرا» كأفضل مغنية شابة، فيما تمكنت من الفوز بعدد من المسابقات، إلى جانب منح لمؤسسات ألمانية. . كيف جاءت نقلتكِ إلى باريس؟ في السنة النهائية للحصول على الماجستير قدمت أوراقي إلى أوبرا باريس، إثر تلقي جواب يفيد بإمكانية خوضي لاختبارات أمام لجنتها، وبعد أن أعدت نفسي توجهت إلى هناك ضمن 780 شخص متقدم، وبعد تصفية كنت من بين 4 مختارين للانضمام. . كيف سارت الأمور معكِ في الفرقة الباريسية؟ قضيت فيها حتى الآن 3 أعوام، وهي خطوة اعتبرها نقلة كبيرة في مسيرتي، فأنا أول مصرية وعربية تقف على خشبة مسرح أوبرا باريس، وأديت أدوارًا مختلفة، وقدمت عروضًا ألمانية وإنجليزية، إلى جانب الفرنسية من دون شك، وغنيت في عدد من الحفلات، منها كان في الصين، وآخر بمسرح «بولشوي» في روسيا. كما وقع اختيار المسؤولين عليّ للغناء في افتتاح البيت الفرنسي منذ عامين، كما اختارتني شركة «دوفياليه»، المنتجة لسماعات الـ«واير ليس»، لأكون الوجه الدعائي لهم، من خلال تصوير إعلان. . كيف جاء اختياركِ كأفضل مغنية في فرقة الأوبرا بباريس؟ لم تكن هناك شروط معلنة للحصول على الجائزة، الأمر برمته كان قائمًا على متابعة أداء المغنيين على مدار عام كامل، من قبل رئيس الأوبرا ومديرها الفني وغيرهما، واللذين يركزون على الصوت والإحساس الأداء المسرحي في المقام الأول. يصوت على أفضل مغني ومغنية للعام 4500 شخص، وبموجب متابعة أدائي في الحفلات اختاروني لنيل الجائزة، وهي في حد ذاتها تشجيعية، ولا تخرج من حدود أعضاء الفرقة. . هل تواصل أحد معكِ في مصر بعد حصولك على الجائزة؟ حقيقة العلاقات سبقت الجائزة، فكنت على تواصل بالدكتورة إيمان مصطفى مديرة فرقة الأوبرا المصرية، إلى جانب الدكتورة إيناس عبدالدايم وزيرة الثقافة، وفي مارس الماضي غنيت في حفلتين بمصر، كما أحرص على إحياء حفل في مكتبة الإسكندرية كل عام. . سمعنا عن حبك الشديد لـ داليدا. نعم، فأنا تربيت على أغانيها، إضافةً إلى فيروز وشادية وأم كلثوم وعبدالحليم حافظ، لكن التأثر بها كان كبيرًا، فجزء من أحلامي أن أحيي حفلات من أغانيها في باريس، خاصةً وأنها بدأت مشوارها الفني من هناك. كما أنني أشعر بوجود عوامل مشتركة بيني وبينها، فهي كما ذكرت بدأت من باريس، ثم عادت لمصر وفوجئ الجمهور بأدائها، وهو ما أطمح إليه، خاصةً بعد أن شرعت في مشواري الفني بالعاصمة الفرنسية. . ألم تفكري في التراجع عن الأوبرا خاصةً وأن عدد من المصريين لا ينجذبون لذلك الفن؟ كل شيء في الحياة له محبين والعكس، ولو فكر الشخص في فعل ما يعجب الجميع لن يقبل على أي نشاط، بالنسبة إليّ أنا أحب ما أفعله، ومن حولي يشجعوني باستمرار. ومن وجهة نظري أختلف مع من يعتبرون أن عدد من المصريين غير منجذبين للأوبرا، فمصر تحتضن ذلك الفن منذ القرن الـ 19، لكن ربما لم يفكر البعض في القرب من ذلك اللون وتفهمه عن قرب. . ألا تفقد الأوبرا قيمتها بالتعريب؟ بالعكس، بعض البلاد مثل ألمانيا وروسيا يترجمون عدد من العروض للغتهم حتى يفهمها الجمهور، مع العلم أن بعض الأوبيرتات غير قابلة لذلك، وأنوه إلى أن الأمر متبع في مصر، وتلقى الحفلات من هذه النوعية تفاعل كبير من الجمهور. ما هي وجهتك خلال الفترة المقبلة؟ أنا حاليًا في ألمانيا أجسد دور «كارمن» في حفلة بمهرجان صيفي، كما أحضر نفسي لإكمال مسيرتي في مصر، رغبة مني في إحياء فعاليات عدة، وهو المخطط له بنهاية العام الجاري.
مشاركة :