روسيا تحشر تركيا في الزاوية بإلزامها تطبيق اتفاق سوتشي

  • 8/3/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

شهدت محافظة إدلب ومحيطها في شمال غرب سوريا هدوءا حذرا مع توقف الغارات منذ دخول الهدنة التي أعلنت دمشق الموافقة عليها ورحّبت بها موسكو، حيز التنفيذ، عند منتصف ليل الخميس الجمعة، بعد ثلاثة أشهر من التصعيد. ويأتي وقف إطلاق النار بعد توافق جرى في الجولة الجديدة من المحادثات الروسية التركية الإيرانية بمشاركة عراقية أردنية لبنانية في عاصمة كازاخستان نور سلطان (اختتمت الجمعة)، بشأن إعادة تفعيل اتفاق سوتشي الذي أبرم في سبتمر الماضي ويقضي بإقامة منطقة خفض تصعيد في إدلب ومحاربة التنظيمات الإرهابية (داعش والنصرة). وفي أول تعليق لها، حذرت هيئة تحرير الشام التي تقودها جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) التي تسيطر على معظم محافظة إدلب، في بيان من أنها لن تلتزم بوقف إطلاق النار في حال تعرضت مناطق سيطرتها للقصف. ولم تحل الهدنة، دون خروقات “محدودة”، في وقت يستبعد محللون صمودها وقابليتها للاستمرار، مع تكرار دمشق عزمها على استعادة كافة الأراضي الخارجة عن سيطرتها، وشكوك في مدى جدية تركيا بالالتزام باتفاق سوتشي، وسط اعتقاد واسع بأن أنقرة وافقت على الأمر في سياق الضغط على واشنطن للحصول على تنازلات منها بشأن المنطقة الآمنة المزمع إنشاؤها في شمال شرق سوريا. وأفاد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن الجمعة عن “استمرار الهدوء الحذر في اليوم الأول من وقف إطلاق النار، بعد غياب الطائرات الحربية السورية والروسية عن الأجواء منذ قبيل منتصف الليل (21,00 ت.غ) وتوقف الاشتباكات المباشرة” على الجبهات.وسجّلت مراصد الطيران في إدلب التي تعاين حركة الطائرات من أجل تنبيه المدنيين آخر قصف جوي للجيش السوري على جنوب مدينة خان شيخون قبل دقيقتين من دخول الاتفاق حيّز التنفيذ ليلا. ولم يسر توقف الغارات والاشتباكات على تبادل القصف المتقطع بين الطرفين، إذ أفاد المرصد عن إطلاق القوات لعشرات القذائف على ريفي حماة الشمالي والشمالي الغربي، مقابل إطلاق الفصائل قذائف على ريف المحافظة الغربي وريف محافظة اللاذقية الساحلية المجاورة لإدلب. وأفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) صباحا عن مقتل شخص وإصابة ثلاثة آخرين بجروح جراء سقوط خمسة صواريخ على بلدة قريبة من القرداحة، مسقط رأس عائلة الرئيس بشار الأسد. وتعرضت محافظة إدلب ومناطق مجاورة، حيث يعيش نحو ثلاثة ملايين نسمة، لقصف شبه يومي من طائرات سورية وأخرى روسية منذ نهاية أبريل الماضي، لم يستثن المستشفيات والمدارس والأسواق، وترافق مع معارك عنيفة في ريف حماة الشمالي. وشددت هيئة تحرير الشام على أن “أي قصف أو اعتداء يطال مدن وبلدات الشمال المحرر سيؤدي إلى إلغاء وقف إطلاق النار من جهتنا ويكون لنا حق الرد عليه”. وتخشى هيئة تحرير الشام من أن يكون التوافق الذي جرى في نور سلطان يستهدفها بالأساس خاصة وأن روسيا كانت واضحة لجهة أنه لا يمكن التسامح أبدا مع التنظيمات الإرهابية، كما أن البيان الختامي للجولة 13 من أستانة تضمن بندا ينص على مكافحة تلك الجماعات خاصا بالذكر داعش والنصرة، مع انسحاب باقي الفصائل بعمق 20 كلم من خط منطقة خفض التصعيد بإدلب وسحب الأسلحة المتوسطة والثقيلة منها. وبدأت الهدنة بعد إعلان مصدر عسكري سوري الخميس عن “الموافقة على وقف إطلاق النار” في إدلب “شريطة أن يتم تطبيق اتفاق سوتشي”، وفق ما نقلت “سانا”. وينص اتفاق سوتشي الذي توصلت إليه روسيا وتركيا في سبتمبر، على إقامة منطقة منزوعة السلاح تفصل بين مناطق سيطرة الحكومة والفصائل، على أن تسحب الأخيرة أسلحتها الثقيلة والمتوسطة وتنسحب المجموعات الجهادية منها. ولم يُستكمل تنفيذ الاتفاق، رغم أنه نجح في إرساء هدوء نسبي في المنطقة لأشهر عدة. وتتهم دمشق تركيا بالتلكؤ في تطبيقه. وهاجم المفاوض السوري بشار الجعفري من العاصمة الكازاخستانية الوجود التركي في شمال غرب سوريا، واعتبر أن القرار السوري المعلن الخميس، بالموافقة على هدنة في إدلب “امتحان واختبار للنوايا التركية”.ودعا الجعفري “الضامنين” الآخرين، و”الحاضرين في أستانة” إلى تحمل “مسؤولياتهم في الضغط على الجانب التركي” لتنفيذ شروط الاتفاق الذي توصل إليه الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان.. وقال الجعفري إن “الإعلان في دمشق بوقف إطلاق النار مشروط بتطبيق الجانب التركي لتفاهمات سوتشي وتفاهمات أستانة وسحب الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من يد الإرهابيين”. وتؤكد دمشق على تمسكها بالخيار العسكري في حال فشل الاتفاقات الدبلوماسية. وقال مدير الإدارة السياسية في الجيش السوري اللواء حسن حسن، وفق ما نقلت صحيفة الوطن المقربة من دمشق الخميس “عندما يمكن البناء على الدبلوماسية الروسية (..) أو علاقة الأصدقاء الإيرانيين مع تركيا، فهذا أمر جيد”. إلا أنه “عندما تصل الأمور إلى حائط مسدود فإن الجيش (..) لن يتوقف على المطلق، لا عند إدلب ولا عند أي منطقة تنتشر فيها المجموعات الإرهابية. وبالتالي لن يبقى شبر واحد إلا وستتم استعادته”. ومع تمسك دمشق باستعادة كافة المناطق الخارجة عن سيطرتها، يرجّح محللون أن تكون روسيا هي من تقف خلف الهدنة. ويقول الباحث المتابع للشأن السوري صامويل راماني “لا أرى أن وقف إطلاق النار سيكون دائما، ذلك أن الأسد لن يتساهل إطلاقا مع بقاء إدلب خارج دائرة نفوذه”. ويعرب عن اعتقاده بأنها “حيلة ذكية بإيعاز روسي على الأرجح بهدف تعزيز مصداقية وفعالية محادثات أستانة، في وقت كان قد بدأ فيه التشكيك جديا بفعاليتها”. وشكّك الموفد الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف الخميس، في مدى قدرة الفصائل الجهادية على الالتزام بالاتفاق. وقال، وفق ما نقلت وكالة أنترفاكس للأنباء، “من المرجح ألا يتوقفوا عن بعض الاستفزازات ضد القوات الحكومية”. وتبدو خيارات الفصائل في إدلب عمليا محدودة بينما يخشى المدنيون استئناف التصعيد في أي لحظة. وقال أبوعبدو (61 عاما)، أحد سكان مدينة أريحا التابعة لمحافظة إدلب، والذي خسر زوجته واثنين من أطفاله في قصف سابق “كم هدنة حصلت وكم أستانة؟ هؤلاء غشاشون، ففي كلوأكد أبومحمد (50 عاما) من سكان أريحا أيضا أن “لا مصداقية للنظام ولا ثقة لنا به على الإطلاق”. ويرى الباحث في مركز عمران للدراسات ومقره إسطنبول نوار أوليفر أن الفصائل “بين مطرقتين”. ويقول “إذا لم توافق فهذا يعني استمرار روسيا في قصف المناطق المدنية وارتكاب المجازر في ظل صمت دولي، وإذا وافقت فهي غير قادرة على الثقة بروسيا التي يحفل سجلها بعدم الالتزام بالاتفاقات”. وسبق أن أجرت روسيا اتفاقات لخفض التصعيد في عدة مناطق كانت تسيطر عليها الفصائل المعارضة لتنتهي تلك المناطق بعودتها إلى سيطرة الحكومة السورية، ولا يستبعد أن يتكرر السيناريو ذاته مجددا، ولكن هذه المرة لن يكون للفصائل من ملجأ آخر، فهل ستوجههم تركيا صوب شرق الفرات لمقارعة الوحدات الكردية؟ أم تنقلهم إلى دول تشهد نزاعات مثل ليبيا؟ ويقول المراقبون إن التزام تركيا بتطبيق اتفاق خفض التصعيد في إدلب، يبقى رهين نتائج محادثاتها مع الطرف الأميركي حول المنطقة الآمنة في شرق الفرات، حيث سيزور وفد أميركي الاثنين المقبل أنقرة، لإعطاء رد واشنطن بشأن المقترحات التركية التي تطالب بالإشراف على تلك المنطقة التي يجب أن يصل عمقها إلى نحو 25 كلم وليس إلى ما بين 5 و15 كم كما تطرح الولايات المتحدة. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، حامي أقصوي، الجمعة، إن بلاده ستضطر إلى إنشاء منطقة آمنة بمفردها في سوريا في حال عدم التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة في هذا الشأن. ويشير المراقبون إلى أن الموقف الأميركي سيكون المحدد لوجهة تركيا المقبلة، فإما أن تعمق تفاهم أنقرة مع موسكو، وإما العكس.

مشاركة :