هل تراهن تركيا على هيئة تحرير الشام في مواجهتها مع أكراد سوريا

  • 8/5/2019
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

أثار اتفاق الهدنة المشروط في إدلب والذي جرى التوصل إليه بين كل من روسيا وتركيا وإيران، الأسبوع الماضي وأيدته دمشق، انقساما واضحا في صفوف الفصائل المقاتلة والجهادية التي تسيطر على المحافظة الواقعة شمال غرب سوريا. وتخشى الفصائل المتشددة من أن تكون ضحية صفقة تركية روسية إيرانية، يتم بموجبها توجهيها لنزاع غير معنية به كمواجهة الأكراد خاصة بعد تصريحات رجب طيب أردوغان الأحد بأنه حسم الأمر لجهة القيام بعملية عسكرية في شرق الفرات وأنه أخطر كلّا من موسكو وواشنطن بها. وفيما أعلن القائد العام لهيئة تحرير الشام أبومحمد الجولاني، السبت عن رفض الهيئة الانسحاب من المنطقة الآمنة التي نص عليها اتفاق سوتشي، وهو أحد شروط الهدنة، أكدت الجبهة الوطنية للتحرير التي تضم مجموعة من الفصائل بينها أحرار الشام، الأحد التزامها بالاتفاق، وإن شددت على أنها “ستبقي أصبعها على الزناد”. ويرى مراقبون أن الانقسام بين هيئة تحرير الشام والجبهة الوطنية للتحرير متوقع خاصة وأن الاتفاق ينص على انسحاب الأولى إلى الحدود التركية فيما تظل الثانية منتشرة في المناطق التي تسيطر عليها مع نزع أسلحتها الثقيلة والمتوسطة. وتستشعر هيئة تحرير الشام وهي تحالف من تنظيمات جهادية مصنفة في معظمها إرهابية وتتصدرها جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) أن الاتفاق الذي جرى يستهدفها بالأساس، وأن تركيا على ما يبدو خضعت للضغوط الروسية من أجل إنهاء وجودها في المحافظة حيث تبسط الهيئة سيطرتها على معظم أنحائها. ولطالما صرح مسؤولون روس بأنه لا مجال لاستمرار التنظيمات الجهادية في إدلب، وقد شدد بيان الجولة 13 من المفاوضات الجارية منذ أكثر من ثلاث سنوات في العاصمة الكازاخستانية بين تركيا وروسيا وإيران على الالتزام بمحاربة التنظيمات الإرهابية خاصا بالذكر النصرة وداعش.ويقول محللون إنه ليس من المستبعد أن يكون الاتفاق الذي جرى في الجولة الأخيرة في كازاخستان، مرتبطا بإعطاء موسكو موافقتها على توغل أنقرة في شمال شرق سوريا لضرب وحدات حماية الشعب الكردي، وما يزيد الشكوك حول ذلك تأكيد أردوغان الأحد نية بلاده المضي قدما في مخططها لاستهداف مناطق السيطرة الكردية. وكانت تركيا قد استقدمت على مدى الأسابيع الماضية تعزيزات عسكرية ضخمة على حدودها مع سوريا، ومن المعلوم أن أنقرة وبالرغم من التصريحات التي تبدو متحدية إلا أنها لا يمكنها المجازفة بعملية دون موافقة روسية أو أميركية. وقد يتكرر سيناريو الغوطة الشرقية ذاته حينما سهلت تركيا مهمة دمشق وموسكو باستعادة تلك المنطقة مقابل غض الطرف على تدخلها العسكري في عفرين الواقعة في ريف حلب، والتي تسيطر عليها آنذاك وحدات حماية الشعب الكردي. ويقول خبراء إن هيئة تحرير الشام تشعر بأنها ستكون مجددا ضحية للتوافقات التركية الروسية، ومن هنا يأتي موقفها المتصلب حيال رفضها مغادرة منطقة خفض التصعيد، منتقدة ضمنيا تركيا. وأعلن القائد العام لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) أبومحمد الجولاني السبت أن فصيله لن ينسحب من المنطقة المنزوعة السلاح في شمال غرب سوريا، بعد يومين من الهدنة. وجاءت تصريحات الجولاني خلال لقاء نظمته هيئة تحرير الشام مع صحافيين في منطقة إدلب. ولم يسمح للصحافيين بالتصوير. وبعد أشهر من التصعيد العسكري، بدأ منذ منتصف ليل الخميس الجمعة سريان اتفاق لوقف إطلاق النار في منطقة إدلب أعلنت دمشق “الموافقة” عليه واشترطت لاستمراره انسحاب المجموعات الجهادية من المنطقة المنزوعة السلاح بحسب ما ينص اتفاق روسي تركي منذ سبتمبر. وقال الجولاني “ما لم يأخذه النظام عسكريا وبالقوة فلن يحصل عليه سلميا بالمفاوضات والسياسة (…) نحن لن ننسحب من المنطقة أبدا”. وأكد “لن نتموضع لا على طلب الأصدقاء ولا الأعداء”، مشددا على رفض فصيله دخول قوات مراقبة روسية إلى المنطقة العازلة كما ينص الاتفاق. واعتبر الجولاني أن قوات النظام “استنزفت” خلال العمليات العسكرية. وحذّرت الهيئة في بيان الجمعة أن أي قصف على مناطق سيطرتها سيؤدي إلى عدم التزامها بوقف إطلاق النار. وتعرضت محافظة إدلب ومناطق مجاورة، حيث يعيش نحو ثلاثة ملايين نسمة، لقصف شبه يومي من طائرات سورية وأخرى روسية منذ نهاية أبريل الماضي، لم يستثن المستشفيات والمدارس والأسواق، وترافق مع معارك عنيفة في ريف حماة الشمالي. وأتى التصعيد بالرغم من أنّ المنطقة مشمولة باتفاق روسي- تركي تمّ التوصل إليه في سوتشي في سبتمبر 2018، ينصّ على إقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق 15 إلى 20 كيلومترا تفصل بين مناطق سيطرة القوات الحكومية والفصائل. كما يقضي بسحب الفصائل المعارضة أسلحتها الثقيلة والمتوسطة وانسحاب المجموعات الجهادية من المنطقة المعنية. لكنّ هذا الاتفاق لم يُستكمل تنفيذه، وتتهم دمشق تركيا الداعمة للفصائل المقاتلة بالتلكؤ في تطبيقه، وإن كان قد نجح في إرساء هدوء نسبي في المنطقة لأشهر عدة. وركزت الطائرات السورية والروسية خلال الأشهر الماضية قصفها تحديدا على ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي المجاور، حيث دارت معارك ضارية بين قوات النظام والفصائل.ومنذ نهاية أبريل الماضي، تسبّبت الغارات والقصف بمقتل نحو 790 مدنيا، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان. كما دفع التصعيد أكثر من 400 ألف شخص إلى النزوح من مناطقهم، بحسب الأمم المتحدة. ويقول مراقبون إن رفض هيئة تحرير الشام للانسحاب من منطقة خفض التصعيد من شأنه أن يضعها في موقف صعب، حيث ستكون داعمتها أنقرة في حل من أي التزام تجاهها، ويرجح محللون أن تحاول أنقرة تقديم إغراءات للهيئة لدفعها إلى تغيير موقفها وربما قد تراهن على مشاركتها في المعركة الأهم بالنسبة لها وهي شرق الفرات.ويبقى إلى حد اللحظة الموقف الأميركي ضبابيا حيال التوجه التركي لإعلان حرب على منطقة شرق الفرات، التي يسيطر عليها حلفاؤها الأكراد. ورحبت الولايات المتحدة بحذر الأحد بوقف إطلاق النار في إدلب مشددة في الوقت ذاته على ضرورة إنهاء “الهجمات على المدنيين”. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية مورغن أورتاغوس في بيان على هامش زيارة لوزير الخارجية مايك بومبيو لأستراليا إن “ما يهم بالفعل هو أن الهجمات على المدنيين والبنى التحتية المدنية يجب أن تتوقف. سنُقدّر كل الجهود المبذولة لتحقيق هذا الهدف الهام”. وأضافت أورتاغوس “نحيي جهود تركيا وروسيا اللتين عملتا سويا لإعادة فرض وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه” في سبتمبر، شاكرة للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش جهوده الشخصية في ملف إدلب. وأكدت واشنطن من جديد أنه “لا حل عسكريا للصراع السوري”. وقالت أورتاغوس “وحده الحل السياسي بإمكانه ضمان مستقبل مستقر وآمن لجميع السوريين”، فيما بدا إشارة أيضا إلى تركيا وتهديداتها للأكراد. ويعتبر المحللون أن الأمور تنساق في سوريا بما يخالف الإرادة الأميركية التي من الواضح أنها لا تريد أن تجد نفسها في مواجهة مباشرة مع الحليفة المتمردة تركيا، وقد تضطر إلى القبول بعملية في شرق الفرات خاصة إذا ما ضمنت أنقرة موافقة موسكو.

مشاركة :