لم تقف جهود الولايات المتحدة لكبح فرامل الصين وتمدّدها التجاري في مختلف مناطق العالم، على الجولة الآسيوية التي قام بها وزير الخارجية مايك بومبيو وتحديدا للعاصمة بانكوك، بل إن الأخير زار أيضا رفقة وزير الدفاع مارك إسبر سيدني. والتقى كل من بومبيو وإسبر نظيريهما الأستراليين الأحد في منتدى أمني سنوي تعهدت خلاله الولايات المتحدة وأستراليا بتعزيز معارضة الأنشطة الصينية في المحيط الهادئ. وتأتي هذه الخطوة الجديدة مباشرة بعد جدل تخطى الحرب التجارية بين البلدين، حيث انتهت الأربعاء الماضي جولة مناقشاتهما الأخيرة من دون أن تحقق تقدما ملموسا. وتدرك واشنطن وفق الخبراء أن الفرصة لمزيد إضعاف الصين لا تكون إلا عبر إحاطة نفسها بحزام دول جنوب شرق آسيا وكذلك الدول المطلة على المحيطين الهندي والهادئ. واللافت الجديد في مواقف الولايات المتحدة حيال الصين، أن وزير الدفاع الجديد مارك إسبر نزل بقوة لحلبة الصراع مع بكين ليدعّم ترسانة قادة البيت الأبيض الساعين لإضعاف الصين ومنعها من التقدّم أكثر في محاولة للسيطرة على العالم وريادته. وقالت الولايات المتحدة على لسان وزير دفاعها مارك إسبر الأحد، إن الصين تعمل على زعزعة الاستقرار في المحيطين الهندي والهادئ واتهمت بكين بانتهاج سياسات اقتصادية استغلالية وسرقة الملكية الفكرية و”تسليح مناطق المشاع العالمية”.وتهدد تصريحات إسبر التي أدلى بها في أول زيارة خارجية بعد توليه منصبه بتأجيج التوتر المتزايد بالفعل بين واشنطن وبكين بسبب الحرب التجارية المتصاعدة بينهما. ويثير نزوع الصين نحو السيطرة وتأكيد الذات خاصة في بحر الصين الجنوبي الغني بالطاقة مخاوف في المنطقة، وتتحدى الولايات المتحدة هيمنة الصين البحرية وتسعى لبناء علاقات أقوى مع دول تقاوم مساعي بكين تلك. وقال إسبر للصحافيين في سيدني “نعتقد جازمين بأنه لا يمكن أو ينبغي لدولة واحدة أن تهيمن على منطقة المحيط الهندي والهادئ ونحن نعمل مع حلفائنا وشركائنا لتلبية الاحتياجات الأمنية الملحة للمنطقة”. وقال إسبر “نحن أيضا نقف بحزم ضد نمط مقلق من السلوك العدواني والمزعزع للاستقرار من جانب الصين. يشمل ذلك تسليح مناطق المشاع العالمية،… مستخدمة الديون من أجل (إبرام) اتفاقات سيادية ودعم السرقة التي ترعاها الدولة للملكية الفكرية للدول الأخرى”. وأثارت الصين التوتر في المنطقة وأغضبت الولايات المتحدة بعد وضع معدات عسكرية وإقامة منشآت أخرى على الجزر الصناعية التي أقامتها في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه. وتزعم الصين سيادتها على أجزاء كبيرة من بحر الصين الجنوبي الذي تمر عبره تجارة عالمية تصل قيمتها إلى 3.4 تريليون دولار سنويا. وتتنازع دول منها ماليزيا والفلبين وتايوان وفيتنام السيادة على أجزاء من البحر. وندد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الجمعة الماضي “بالسلوك السيء على مدى عقود” من جانب الصين مما أعاق التجارة الحرة، موضحا في منتدى رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) سبب تصعيد واشنطن لحربها التجارية مع بكين. وفرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخميس الماضي رسوما إضافية نسبتها 10 بالمئة على واردات صينية بقيمة 300 مليار دولار مما أثار قلق الأسواق العالمية وأنهى هدنة استمرت لمدة شهر في الحرب التجارية بين الجانبين. وتعهدت الصين باتخاذ إجراءات مضادة.والتقى إسبر وبومبيو مع نظيريهما الأستراليين في سيدني اليوم في منتدى أمني سنوي تعهدت خلاله الولايات المتحدة وأستراليا بتعزيز معارضة الأنشطة الصينية في المحيط الهادئ. وتشعر الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون بالقلق من أن تستخدم الصين المساعدات الخارجية لممارسة نفوذ أكبر على الدول الصغيرة بالمحيط الهادئ باعتبارها تسيطر على قطاعات واسعة من المحيط الغني بالموارد. وبعدما جدد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو انتقاده للصين في قضية بحر الصين الجنوبي الجمعة، متهما بكين باتباع “الإجبار” في المنطقة، وذلك في اجتماع وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، ترى الصين عكس ذلك تماما وترد باتهامات مماثلة لواشنطن. ويرى خبراء صينيون أن بومبيو تجاهل عمدا حقيقة أن الوضع في بحر الصين الجنوبي يسوده الهدوء بشكل عام في السنوات الأخيرة بفضل آليات التعاون والتشاور التي وضعتها الدول المعنية في المنطقة. ويعتبرون أنه في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة تصوير الصين على أنها تمارس الإجبار في بحر الصين الجنوبي، تصبح هي في الحقيقة أكذوبة عالمية كبرى عن طريق نشر بذور الشك وعدم الثقة، حيث تسعى واشنطن لإشعال فتيل النزاعات بين الجيران في جنوب شرق آسيا وتقويض الزخم المتنامي للتعاون بين الصين ودول آسيان، مثلما فعلت في أجزاء أخرى من العالم. وتقول تقارير صادرة عن وسائل إعلام صينية إن الولايات المتحدة تواصل إرسال سفن حربية وطائرات عسكرية إلى المنطقة تحت ذريعة حماية حرية الملاحة، على الرغم من حقيقة أن عشرات الآلاف من السفن تبحر من خلال بحر الصين الجنوبي كل عام دون التعرض لمشكلات أمنية.
مشاركة :