جرب معظم الأزواج منذ عقود طويلة وسائل كثيرة لمنع الحمل غير المرغوب فيها، بدءا من روث التماسيح في مصر القديمة وحتى توصية أرسطو باستخدام زيت الأرز، وطريقة كازانوفا باستخدام نصف ليمونة كغطاء لعنق الرحم، وفي العصر الحديث وجدت النساء والرجال ضالتهم في عدة وسائل بديلة حديثة، مثل حبوب منع الحمل والواقي الذكري، إلا أن المخاوف من الآثار الجانبية أطفأت بريق هذه الوسائل. ولكن التطبيقات الذكية التي تتبع الصحة الإنجابية للمرأة أصبحت الآن متاحة على الهواتف الذكية، وبإمكانها أن تساعد المرأة وبشكل دقيق على معرفة يوم التبويض، وأفضل الأيام لحدوث الحمل، وهو أمر يمكن أن يجنبها الكثير من الضغوط ويجعلها في منأى من الآثار الجانبية العميقة من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية. وواجهت حبوب منع الحمل اتهامات عديدة منذ اكتشافها في سنة 1960، منها أنها تلوث الأنهار، وبالنسبة لبعض النساء يظل الاتهام الأكثر تنفيرا منها، هو أنها تسبب زيادة الوزن، وفي السنوات الأخيرة لاحظ العلماء أن أدمغة النساء بدت مختلفة بشكل أساسي مع تعاطي تلك الحبوب، فمقارنة بمن لم يتعاطين تلك الهرمونات، بدت أجزاء من الدماغ أشبه ما تكون بدماغ الرجل، وهناك الكثير والكثير من التقارير غير المؤكدة عن الآثار الجانبية التي تسببها تلك الحبوب. وحتى الواقي الذكري لم يساعد على تجنب حالات الحمل غير المرغوب فيها، بسبب أن الكثير من الرجال لا يستخدمونه كما يفترض، فإما أن يتمزق وإما أن ينزلق في بعض الأحيان. ولذا، فإنه من بين كل 100 امرأة يستخدم شركاؤهن الواقي الذكري لمدة عام، تصبح 18 امرأة حاملا. وهناك معدل فشل مماثل للإسفنجة المانعة للحمل. ولم يكن ما يعرف بالعازل الأنثوي أفضل بكثير. والآن، فإن التقدم في تقنيات الذكاء الاصطناعي سيحدث ثورة في طرق تحديد النسل ويساعد النساء والرجال على التخطيط بشكل أكثر دقة على الإنجاب، وتجنب الحمل غير المرغوب فيوتشمل الأنشطة التي يمكن للنساء متابعتها بأنفسهن عبر هواتفهن الذكية، النشاط الجنسي وإذا كان من الضروري استخدام أدوات للوقاية، بالإضافة إلى قياس درجة حرارة الجسم الأساسية، ونوعية مخاط عنق الرحم والحيض، ونتائج اختبار التبويض وبقع الدم التي تحدث بين دورات الطمث. وقال الدكتور ناثانيل دي نيكولا، طبيب أمراض نساء في جامعة بنسلفانيا الأميركية، إن تكنولوجيا تتبع النشاط الجنسي بإمكانها مساعدة الناس على الاضطلاع بمسؤولية أكبر عن الرعاية الصحية الخاصة بهم، والتواصل بشكل أفضل مع أطبائهم. وأوضح أن أطباء أمراض النساء يستخدمون الدورة الشهرية الأخيرة كدليل مهم، وحينما تتمكن النساء من تسجيلها على هواتفهن، فإن ذلك يزيد بشكل كبير من فرص الحصول على معلومات دقيقة مباشرة. وتمكنت عالمة الفيزياء السويدية إيلينا بيرغلند شيرويتزل، في السنوات الأخيرة من اختراع أول تطبيق إلكتروني معتمد طبيا لمنع الحمل بسبب مشكلة واجهتها. وأكدت شيرويتزل أنها جربت العديد من الخيارات المختلفة لوسائل منع الحمل منذ سنوات المراهقة ولكنها لم تجد حلا يناسبها، مما دفعها إلى السعي لإيجاد بديل طبيعي فعال، وهكذا اكتشفت أنه يمكن للمرأة أن تعرف متى تكون ذات قدرة على الإخصاب والحمل عن طريق درجة حرارة الجسم، وقد مثل ذلك بالنسبة لها مصدر إلهام. وباستخدام عمليات رياضية معقدة وتحليل البيانات، طورت شيرويتزل خوارزمية مصممة بدقة شديدة لدرجة أنها تحدد بالضبط متى تكون في مرحلة الإباضة خلال دورتها الشهرية. وكانت شيرويتزل مسرورة جدا من النتائج وبدأت مع زوجها النمساوي راؤول شيرويتزل، زميلها في مجال الفيزياء، في تأسيس مشروعها التجاري باسم “الدورات الطبيعية”. ويقدم المشروع تطبيقا مصمما لمساعدة النساء حول العالم في ما يتعلق بالخصوبة ومنع الحمل، من خلال السماح لهن بجمع البيانات المتعلقة بدرجات حرارة أجسامهن، ومراقبة اتجاهات دوراتهن الطبيعية عن كثب. وبعد عدة تجارب طبية، أصبح تطبيقهما أول جهاز قائم على التكنولوجيا يحصل على ترخيص لاستخدامه كوسيلة لمنع الحمل في فبراير 2017. وحصل على ترخيص باستخدامه في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي بعد الحصول على الضوء الأخضر من منظمة التفتيش وإصدار الشهادات الألمانية “توف سود”. ويستخدم التطبيق حاليا مئات الآلاف من النساء اللواتي يدفعن رسوما شهرية أو سنوية مقابل الخدمة. وفي المملكة المتحدة، تصل قيمة الاشتراك السنوي إلى 50 جنيها إسترلينيا ويشمل كلفة قياس درجة الحرارة. ويعتمد التطبيق على مدى التزام النساء بالإرشادات الخاصة به، وبالتالي فقد لا يصلح لجميع السيدات، لعدة أسباب من بينها أنه فشل في حماية مستخدماته من الأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي. وتقول شيرويتزل “كما هو الحال تماما مع حبوب منع الحمل، نحن بحاجة إلى بعض الجهد من مستخدمي التطبيق بشكل يومي”. ومع ذلك، فلا أحد كان يتوقع أن الذكاء الاصطناعي سيفتح الباب على مصراعيه لثورة نسوية جديدة في مجال دعم الصحة الإنجابية، فحبوب منع الحمل التي طالما صنفت من الاكتشافات العظمى للقرن الماضي بل اعتبرت أعظمها، وقيل إنها مسؤولة عن ثلث زيادة الرواتب التي تقاضتها النساء منذ الستينات، قد تصبح شيئا من الماضي في ظل وجود وسيلة ذكية لتتبع الدورة الشهرية والخصوبة لدى المرأة.ه.غير أن البعض من الأطباء لا يوصون جميع النساء بتتبع صحتهن الإنجابية عبر تطبيقات الهاتف، نظرا لأن هذه التطبيقات لا تحسن من فرص الحمل، أو تعالج الأمراض، ولكنهم على قناعة بأن التكنولوجيا يمكنها أن توفر وسيلة أسهل وأرخص. وظهرت ردود أفعال متباينة في الوسط الطبي تجاه تلك التطبيقات وغيرها من وسائل التكنولوجيا التي تضع في أيادي النساء مزيدا من التحكم في خصوبتهن وقدرتهن على الإنجاب. وفي الوقت الذي يسود فيه تفاؤل واسع النطاق بشأن إمكانية أن تساعد التكنولوجيا في توفير الرعاية الصحية بشكل أكثر فعالية للمرأة، هناك أيضا محاذير حيال الانبهار بتطورات الخيال العلمي التي تبدو جيدة على أغلفة المجلات ولكن لا يزال مطلوبا منها أن تقدم نتائج مؤكدة. غير أن ذلك لن يمنع من إحداث نقلة ثقافية ستعطي للنساء شيئا من السيطرة على دورة حياتهن بكفاءة أكبر ومسؤولية، كما أن رقمنة بعض الخدمات الصحية بناء على الرؤى التي يمكن أن يوفرها الذكاء الاصطناعي واستخدام السجلات الرقمية ستساهم جميعها في تغيير الطرق التي تقدم بها خدمات الرعاية الصحية.
مشاركة :