بالحديثِ عن البَرنامج الذي أطْلقَتْه وَزارةُ الثقافة: برنامج التُّراث الصناعي؛ والذي يهدف لزيادة وعي وتثقيف المجتمع بهذا التراث العظيم في المملكة العربية السعودية. فإنه لابد من الإشارة إلى صناعة تكرير النفط باعتبار السعودية رائدة في هذا المجال على مستوى العالم، خاصة في تكرير النفط بطريقة التقطير بالتجزئة والذي يعد الخطوة الأولى للحصول على المشتقات البترولية بأنواعها المختلفة. تاريخ المملكة في هذه الصناعة جدير بأن يتم تسليط الضوء عليه، وبفضل برنامج "التراث الصناعي" جاءت الفرصة المناسبة للحديث عن الإنجازات السعودية المدهشة في هذا المضمار، حيث تعد عملية تكرير النفط بالتقطير من أكثر العمليات أهمية التي تقوم بها مصافي تكرير البترول، وتعتمد هذه العملية على فصل المنتجات البترولية على حسب درجة غليان كل جزء من مكوناته، وفيها تُفصَل الجُزيْئَات الأخف ذات درجاتِ الغليان المنخفضة بواسطة الغليان والتكثيف، وتتم هذه العملية داخل خزان المِصفاة الضخم، ويدخل النفط الخام بعمليات كيمائية لفصل أنواع الوقود المختلفة، والغازات والمواد الأخرى. وتُعتبر مصافي النفط صناعة تحويلية مهمة، وتمتلك المملكة مجموعةً من مصافي تكرير في أنحاء البلاد، وتحتضن مدينة "رأس تَنُّورة" -رَحِيمة سابقاً- إحدى هذه المصافي في شرق المملكة العربية السعودية، وتَبرُز أهمية مصفاة "رأس تنورة" في العالم، وتحتوي على موانئ لشحن النفط ومعملاً للغاز وآخراً لإنتاجِ الكِبريت، وكذلك أول وأكبر محطة كهرباء بخارية في الشرق الأوسط، كما تحتضن في أراضيها معملَ القطيف ويوجد فيها: معمل القطيف، ومعمل أبو سعفة. ويعود تاريخ المِصفاة إلى عام 1949 م، وقد تدَرّجتْ سعتُها وقدرتُها التكريرية إلى أن وصلت إلى 525 ألف برميلٍ باليوم الواحدِ لتصبحَ أكبرَ مِصفاةٍ بالشرق الأوسط والعالم. وعلى مقرِّبة من المصفاة شُيْد ميناء رأس تنورة النفطي الذي يعتبر أكبر ميناء لشحن النفط في العالم، ويقع بنهاية الرأس على الخليج العربي. وتعود أسباب التسمية للمدينة التي كانت تحمل اسماً آخر هو رحيمة، إلى أنها على شكل رأس ممتد في البحر، إضافة إلى وجود دوَّامة بَحْرية أشبه ما تكون بالتَّنُّور. أما المسمى السابق رَحيمة؛ فيعود إلى أن مُوَظفِي شركة الزيت العربية "أرامكو" أقاموا منازلَهم بجانب عين رحيمة، وكذلك إلى أنَّ الأسماكَ كانت تعْلُق بالشُّعَب المَرجانية في المدِّ والجزر، فكان السكان يأتون لأخذها بكل يسر بدون الحاجة إلى اصطيادها فَسُمِّيَت رَحيمةً لرأفَتِها بِهِم. وهذه بعض القصص الإنسانية التي تقف خلف معلم واحد من المعالم الصناعية في بلادنا، ولا شك أن هذا يؤكد أهمية البرنامج الملهم الذي أطلقته وزارة الثقافة والذي يتعامل مع التراث الصناعي بوصفه أحد أوجه التعبير الحضاري والثقافي التي تستحق التوثيق والاهتمام.
مشاركة :