واشنطن: هبة القدسي يتوجه وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية من جميع أنحاء العالم إلى واشنطن هذا الأسبوع لحضور اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فيما تعقد مجموعة العشرين اجتماعاتها على هامش تلك الاجتماعات. وفي تقرير حول توقعات النمو الاقتصادي، أشار صندوق النقد الدولي إلى انخفاض مستويات النمو الاقتصادي لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتصل إلى 2.9 في المائة خلال العام الحالي، منخفضا عن توقعاته السابقة بأن تصل إلى 3.9 في المائة، أي بتراجع 1 في المائة، وأرجع نظرته المتحفظة لمستويات النمو إلى الانخفاض في أسعار النفط الخام في الدول المصدرة للنفط ودول مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى الصراعات السياسية الإقليمية. وقال صندوق النقد إن البلدان التي حققت نموا في العام الماضي هي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والجزائر والبحرين والعراق والكويت وليبيا وعمان وقطر، إلا أن معدلات النمو كانت أقل مما كان متوقعا، ويمكن أن تستمر اقتصادات تلك الدول في حالة الطوارئ. ونصح صندوق النقد الدولي البلدان المصدرة للنفط بأن تنفذ برامج جديدة وخططا لمواجهة الانخفاضات في أسعار النفط الخام والبحث عن موارد جديدة للدخل بديلة للنفط. وتوقع صندوق النقد الدولي ألا يتجاوز معدل النمو في المملكة العربية السعودية حاجز 3 في المائة رغم توقعاته السابقة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بأن يصل معدل النمو في السعودية إلى 4.5 في المائة. وقال أوليفيه بلانشار كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي إن الانخفاض في أسعار النفط هو أمر جيد للاقتصاد العالمي بشكل عام، وعلى الدول المستوردة للنفط أن تستفيد من هذا الانخفاض من خلال قطع الدعم لهذا القطاع وتنفيذ برامج تنمية للفقراء. من جانبه، توقع البنك الدولي نمو الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ليظل ثابتا عند معدل ما بين 3.1 في المائة إلى 3.3 في المائة لبقية عام 2015 ولعام 2016. وقال البنك الدولي في تقريره «نحو عقد اجتماعي جديد» إن عدم الاستقرار السياسي في بعض دول المنطقة وانخفاض أسعار النفط وبطء وتيرة الإصلاحات، تساهم جميعها في انخفاض الاستثمارات الأجنبية وارتفاع معدلات البطالة، ولأول مرة منذ أربع سنوات تسبب في عجز مالي للمنطقة ككل. وأشار حافظ غانم نائب الرئيس الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط بالبنك الدولي إلى أن بعض الدول المستوردة للنفط في منطقة الشرق الأوسط، مثل مصر والمغرب، ستشهد نموا بنحو 4 في المائة خلال العام الحالي مدعومة ببعض الإصلاحات السياسية. أما دول أخرى مصدرة للنفط، مثل العراق وليبيا وسوريا واليمن الغارقة في النزاعات، فمن المحتمل أن تشهد انكماشا اقتصاديا ونموا سلبيا في معظم الحالات. بينما توقع أن تتكبد دول مجلس التعاون الخليجي 14 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي مجتمعة، أي ستخسر نحو 215 مليار دولار بسبب انخفاض أسعار النفط. وقال غانم في مؤتمر صحافي على هامش اجتماعات الربيع أول من أمس إن المشكلة الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط هي ارتفاع معدلات البطالة إلى 30 في المائة بين الشباب، وتعد الأكبر على مستوى العالم، وتتطلب مواجهتها أن يتوفر ما نسميه النمو الشامل، بحيث يمكن للجميع الاستفادة من النمو الاقتصادي؛ ولذلك نحن بحاجة إلى توفير فرص أفضل للشباب في العالم العربي. وشدد نائب الرئيس لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالبنك الدولي على أهمية تحسين النظام التعليمي والاهتمام بالرياضيات والعلوم وتطوير القطاع الخاص وإصلاح منظومة الدعم، وقال: «إذا رفعنا الدعم عن الوقود وأعطينا المال للناس فإن ذلك سينشلهم من الفقر». وأضاف: «في حين قد يتسبب هذا الأمر في مشكلات سياسية في المنطقة إلا أنه سيساعد فعلا الناس المحتاجين». وأشار ميرزا حسن عميد المجلس التنفيذي لمجموعة البنك الدولي إلى أن العقد الاجتماعي الجديد في منطقة الشرق الأوسط يجب أن يقوم على المساءلة والحوافز، لافتا إلى ضرورة أن ينصب تركيز هذه العملية على المواطنين. ونصح حسن الحكومات بأن تعيد توجيه الاستثمار إلى السكان مباشرة، وأن تقوم بإصلاحات ضرورية في الطريقة التي يتم بها تقديم دعم السلع. من جانبه، اعتبر كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط شانتا ديفاراجان أنه آن الأوان للدول العربية، سواء المستوردة والمصدرة للنفط، لكي تقوم بإصلاح منظومة الدعم والإعانات التي شكلت عبئا كبيرا على السكان خلال السنوات العشر الماضية. وشدد ديفاراجان على أن دعم الوقود أضر بقطاع التوظيف، حيث ذهب الدعم إلى الصناعات ذات الكثافة المالية وليس إلى الصناعات ذات الكثافة العمالية. ويقول تقرير البنك الدولي إن الأداء الاقتصادي الضعيف في المنطقة على مدى السنوات الأربع الماضية أبقى مشكلات مثل ارتفاع معدلات البطالة (خاصة بين الشباب والنساء) وسوء نوعية الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة دون حلول. وأشار تقرير البنك الدولي إلى أن تراجع القطاع العام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يرتبط مباشرة بمسألة الدعم الحكومي، مما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة، وبطَّأ من تطوير القطاع الخاص، وأوضح أنه بينما كان القطاع العام تقليديا أكبر جاذب للعمالة في مختلف الدول العربية، فإن مزيجا من الدعم المرتفع التكلفة والفواتير الباهظة لأجور موظفي القطاع العام شكل عبئا كبيرا على موازنات الحكومات بالقدر الذي لم يعد بإمكانها تحمله.
مشاركة :