شارك ستون خبيراً من «الجامعة الأميركية» في القاهرة و «جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا» في رحلة استكشافية في البحر الأحمر على متن السفينة «آر في/ إيغو». وأجروا دراسات دقيقة لبِرَك المياه العالية الملوحة والشعاب المرجانيّة ورواسب قاع البحر، وفتّشوا عن كائنات دقيقة تستطيع تحمل العيش في ظروف بيئية قاسية كانعدام الأوكسجين، والملوحة الشديدة، ودرجات الحرارة العاليّة، والضغط الجوي المرتفع. وفي سياق هذه الجهود، اكتشف علماء الرحلة إنزيمات في أعماق البحر الأحمر، تملك استخدامات متعدّدة تشمل صناعات الأدوية والورق. ميكروب يتحدى القسوة في هذا الصدد، أشارت قائدة الفريق البحثي الدكتورة رانيا صيام، وهي رئيسة قسم الأحياء (البيولوجيا) في «الجامعة الأميركية» إلى أن الرحلة سعت إلى إيجاد إجابات عن أسئلة تتصل بتطوّر الحياة الميكروبيّة، وإمكان استخدام هذه الكائنات الدقيقة وما تنتجه من بروتينات وإنزيمات في صناعة الدواء والتقنيّات الحيويّة. وتضمّنت الرحلة استكشاف خمس بِرَك عالية الملوحة تعتبر من نُظُم البيئة التي لم تحظَ بدراسة كافيّة. تقع البِرَك في الشقّ المركزي من البحر الأحمر، على عمق يصل إلى 2200 متر ودرجة حرارة تبلغ 70 درجة مئوية، ما يجعل الملوحة فيها تفوق نظيرتها في المياه السطحيّة بقرابة ثمانية أضعاف. وتحتوي البِرَك على معادن ثقيلة بتركيزات سامّة، لكنها لم تحل دون تمكّن بعض الميكروبات من مواصلة العيش. وأخيراً، تقدّمَت صيام وفريقها البحثي لتسجيل براءة اكتشاف أحد الإنزيمات التي تفرزها هذه الميكروبات، وتحتفظ بفعاليّتها على رغم الظروف القاسيّة التي تعيش فيها. ويمكن استخدام هذا الأنزيم في صناعات عدة كالأدوية والمُنظّفات والجلد، وعجينة الورق، ومنتجات الألبان، والوقود الحيوي. ويُعرَف عن التكنولوجيا الحيوية أنّها سهّلت تحديد صفات الإنزيمات المطلوبة في الصناعات الغذائية. وكذلك أتاحت تطوير سلالات معيّنة يمكنها المساعدة في تحسين نكهات المنتجات الغذائية وجودتها. ومن المستطاع خفض كلفة عمليات صناعة المواد الغذائية، بواسطة إنزيمات معيّنة، فيما تساعد أخرى على إطالة صلاحية بعض المنتجات الغذائية، أو تحديد محتوياتها من الكحول والسكر. وبحسب صيام، من المستطاع استخدام الإنريم المُكتشف في تفكيك البروتينات التي تسبّب البُقع. وأوضحت صيام أن الإنزيمات التي تتحمل الحرارة تعتبر من مجالات البحث المهمة حاضراً، لأنها تساهم في تحسين عملية تنظيف الملابس بالمياه الساخنة وإزالة البقع الصعبة. وإضافة إلى ذلك، تعكف صيام وفريقها البحثي على دراسة تفاصيل الخريطة الجينية للبكتيريا التي تستخلص هذه الإنزيمات منها. وتجرى هذه البحوث في «مركز يوسف جميل لبحوث العلوم والتكنولوجيا» في «الجامعة الأميركية» في القاهرة. وفي هذه الدراسة، تحضَر عيّنات من مياه البحر الأحمر كي يستخلص الحمض النووي للميكروبات المطلوبة، ثم يجري العمل على تحديد تسلسل القواعد النيتروجينية (نيوكلوتيدات) لجينات هذا الميكروب، ما يؤدي إلى تفكيك رموز حمضه الوراثي النووي. وأوضح صيام أن تحليل الحمض الوراثي يساهم في تبيان خصوصية التركيب الوراثي لهذه الكائنات التي تعيش في وسط بيئي فائق القسوة. وبيّنت أن ذلك الأمر يمثّل بديلاً لدراسة هذه الميكروبات مباشرة في بيئتها البحريّة الصعبة المنال. ولفتت صيام إلى أن مواصفات الحمض الوراثي تشرح عمل الجينات وطُرُق تركيب الإنزيمات والبروتينات التي تساعد هذه الميكروبات على العيش في بيئة صعبة. وكذلك أوردت صيام أنها تأمل في المساهمة في إحداث تقدّم علمي إقليميّاً عبر إنشاء قاعدة بيانات شاملة لجينومات الكائنات التي تعيش في بيئة قاسية، مُبيّنة أن هذه المعلومات تمكّن من التعرّف الى عوامل استمرار الحياة في البيئات الصعبة.
مشاركة :