تسمّرت أمام شاشة «العربية»، وأنا أُحدِّق في مشهد هذا العربي -أو المفترض أن يكون-، العراقي -أو المفترض أن يكون-، المسلم -أو المفترض أن يكون-، وهو يرقص على جثث الناس في «تكريت»، منشدًا طفحًا مذهبيًا مقيتًا! والحق أنه من الصعب أن ينمحي هذا المشهد من الذاكرة، تمامًا مثل مشهد الداعشيين الذين قتلوا الأقباط المصريين، مع الفارق الكبير، ففي العراق كان النقل -عفوًا القتل- على الهواء، وفي ليبيا كان الذبح على الماء، الذي تناقضت الروايات حول مكانه! في الحالتين يبقى الإرهاب هو سيّد الموقف، ولا نقول التعصب فقط أو نحو ذلك! مع ذلك أعود فأقول: إن جسد الشاب الذي كان ينشد في «تكريت» أصاب كل منتسب للعروبة والإسلام بالفزع والهلع! والحاصل أن نشرة «العربية» نقلت المشهد الأول قبل أن تنتقل لتغطية الحدث في عدن! عندها أصابتنا «العربية» بلوحة في أعناقنا، ووخزة في صدورنا من فرط الألم، قبل أن يُردِّد الجالسون الخمسة: الحمد لله على عاصفة الحزم! إن أحدًا عاقلًا لا يمكن أن يتمناها أو يريدها حربًا طائفية لا في العراق ولا في سوريا ولا في اليمن ولا في أي مكان، فبين ظهرانينا في أمة العرب إخوة لنا نحترمهم ونحافظ عليهم، مهما فعل الآخرون في الأحواز، ومهما سمسر المسمسرون في لبنان، وفي عدن، وفي صنعاء، وفي تكريت، لصالح التجار الكبار هناك في طهران. إن أحدًا لا يريدها بل لا يقبلها أن تكون حربًا بين أمة العرب التي هي أمة الإسلام، وبين أي أمة أخرى، مهما حاول السماسرة الحالمون بالإيوان، بل مهما رقص الراقصون الفرحون بالدم العربي، ومهما تقرَّحت من هول جرائمهم الأجفان! لكن وفي المقابل، فإن أحدًا لديه ذرة كرامة أو نخوة عربية بل قل شهامة إسلامية لا يمكن أن يقبل بأن تتكرر مشاهد الدم، وأنشودات التعصب ورقصات المذهبية المقيتة، لا في عدن ولا في صنعاء، ولا في أي شبر من أراضي اليمن! في زحمة الحرب «الواجبة» ضد داعش، دخل من في قلوبهم مرض، وتعددت مظاهر الطفح الصادر منهم وعنهم! شباب ينشدون طائفية ومذهبية في العراق، وآخرون يهزأون من الخلفاء والصحابة والأئمة الأربعة في مصر، وسماسرة صغار في لبنان، وحوثيون أغبياء في اليمن! ستنتهي عاصفة الحزم في اليمن، وينزاح بعدها غبار الفتنة في المنطقة، وبعدها يصبح من العيب -بل من العار- الصمت على أي مظهر من مظاهر تغيير هوية العرب والطعن في تراث المسلمين. sherif.kandil@al-madina.com
مشاركة :