صناعة كسوة الكعبة تقليد إسلامي تتوارثها الأجيال

  • 8/7/2019
  • 00:00
  • 21
  • 0
  • 0
news-picture

عندما يطوف عبدالله خالد جاسم وولده تركي بالكعبة المشرفة وهما يرنوان إلى البيت العتيق فإنهما، بخلاف كثيرين، يميزان بسهولة الكلمات المتداخلة المنقوشة على كسوة الكعبة، إذ انكبا لنحو عشرة أشهر على كتابتها مع حوالي 170 عاملا في مكة، أقدس بقاع الإسلام. ويعمل الاثنان في مهنة يرجع تاريخها إلى ما قبل الإسلام، سقاها الأب لولده الذي قد يورثها بدوره إلى ابنه إذا كان متشبعا بالإرادة والاستعداد. وتُصنع الكسوة باستخدام 675 كيلوغراما من الحرير الخام الأسود للجزء الخارجي والأخضر للبطانة الداخلية، إضافة إلى 100 كيلوغرام من خيوط الفضة المطلية بماء الذهب و120 كيلوغراما من خيوط الفضة الخالصة، لكتابة الآيات القرآنية المنقوشة عليها، بتكلفة إجمالية تصل إلى 6.4 مليون دولار. لكن عبدالله وتركي لا يتوقفان كثيرا عند تلك التفاصيل، فالمهنة التي يتقاسمانها هي في المقام الأول مبعث “فخر وابتغاء للأجر”. وأعرب عبدالله البالغ من العمر 56 عاما، ويعمل في مصنع الكسوة منذ حوالي 32 عاما، عن فخره حين ينتهي من عمله وينظر للكسوة، قائلا “من الجائز ألّا يقدر الناس على قراءتها لكنني أقدر وهذا يملؤني فخرا واعتزازا”. أما العبارات التي يميزها عبدالله وتركي أكثر من غيرهما فهي “لا إله إلا الله محمد رسول الله”، “الله جل جلاله”، “سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم”، “يا حنّان يا منّان”، وسورة الإخلاص داخل دائرة محاطة بشكل مربع من الزخارف الإسلامية. صناعة الكسوة التي يجري تغييرها سنويا خلال موسم الحج صبيحة يوم عرفة في التاسع من ذي الحجة، هي صناعة فريدة تمتزج فيها التقنيات الحديثة بالأدوات التقليدية، الوارد والمحلي، الروحي والجمالي. وتدخل الخامات المستخدمة المعامل لاختبارها أولا والتأكد من جودتها ومطابقتها للمواصفات. وفي جامعات المملكة دراسات علمية مسجلة عن عملية تصنيع الكسوة. تاريخ الكسوةكسا العرب قبل الإسلام الكعبة تشريفا وتعظيما لها، وعندما كساها النبي محمد (ص) بعد فتح مكة في العام التاسع للهجرة أصبحت كسوتها شعيرة إسلامية يحرص عليها الخلفاء والحكام المسلمون على مر العصور. وأفاد الباحث العراقي المتخصص بالتاريخ الإسلامي، رشيد الخيون، بأن المسعودي “ذكر في مروجه أن الكعبة قبل الإسلام كُسيت بأردية زعماء قريش، وسمي ذلك بالوصائل، وتحدث الطبري في تاريخه أن الكسوة كانت لا تُنزع إنما تضاف عليها الكسوة الجديدة، وحدث أن ذَكر حُجاب الكعبة للمهدي بن أبي جعفر المنصور أن البناء قد يُهدم لكثرة الكسوة التي عليه، فأمر بنزعها ووضع الكسوة الجديدة عليها، فوصل النزع إلى كسوة هشام بن عبدالملك، وقبل كسوته كانت كسوة من نسيج يماني”. وانتقلت مسؤولية صناعة الكسوة إلى المملكة بعد أن ظلت تقليدا مصريا لقرون. وفي مصنع إنتاج الكسوة في مكة يُستخدم حرير وأصباغ من إيطاليا وخيوط من الفضة بعضها مطلي بماء الذهب من ألمانيا، لكن الآلات الحديثة لم تستطع حتى الآن أن تحل محل العمالة اليدوية بسبب الحرف البارز المستخدم في نقش الآيات القرآنية عليها. ولفت أحمد بوعنتر، وكيل العلاقات العامة في مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة الذي أنشئ في 1927، إلى أن صناعة الكسوة لم تستقر فيه بشكل دائم إلا منذ 1962. وأوضح بوعنتر “لم ينجح أحد إلى الآن في ابتكار آلة قادرة على تعويض العمالة اليدوية، وذلك عائد إلى طبيعة الحروف التي تحتاج أن تكون مرتفعة وبارزة” لكتابة الآيات القرآنية، مشيرا إلى أن محاولات تصنيع الآلة وصلت إلى اليابان وألمانيا بل وأيضا هناك محاولات على مستوى عالمي دون فائدة. وهذا ما شحن كلّا من عبدالله وتركي وبقية زملائهما في قسم الحزام، وهو الأكبر والأهم في مصنع الكسوة، بالثقة في استمرار الدور المحوري للعمل اليدوي في المصنع الذي لا يعمل فيه أي أجنبي منذ عهد العاهل السعودي الراحل الملك فهد الذي أمر بسعودة المصنع بالكامل. وأكد عبدالله أن الآلة عاجزة عن العمل بالنيابة عنهم، قائلا “حاولوا وتعبوا وأحضروا العديد من الآلات لكنها فشلت في تأدية العمل اليدوي البارز والجميل”. وينتج المصنع أيضا، فضلا عن الكسوة، قطعا لسفارات المملكة ولوحات إهداء وكسوة الحُجرة النبوية بالمدينة المنورة، لكن هذه لا يجري تغييرها إلا بأوامر ملكية لعدم وجود عوامل جوية تتلفها بحيث تستلزم تغييرها سنويا. ويتولى المصنع أيضا تنفيذ إهداءات بأوامر ملكية، فعلى سبيل المثال أهدى الملك فهد مقر الأمم المتحدة إحدى ستائر الباب في فترة من الفترات، إلى جانب إهداءات من مقام خادم الحرمين الشريفين لرؤساء الدول. الخبرة أهم من الموهبةيعمل نحو مئة فني في قسم الحزام، الذي يتولى تصنيع حزام الكسوة والستارة التي توضع على باب الكعبة والصمديات وهي تصاميم توضع على الأركان وتحوي سورة الإخلاص. وقال فهد عودة ضيف العويضي، مدير القسم ويعمل في المصنع منذ 34 عاما، إن هذا الجزء من المصنع يعد “قلب المصنع وفيه يجري العمل بشكل بدني وذهني في آن”، موضحا “ذهني حتى لا يفقد العامل تركيزه فيخطئ وبالتالي يضطر إلى إعادة كل العمل من جديد، وبدني لأنه يجلس منكبا على خيوط الذهب لوقت طويل”. وأشار العويضي البالغ من العمر 55 عاما، إلى أهمية الموهبة الفطرية في هذا العمل قائلا “التدريب يستمر لفترة لكن أهم شيء هو الموهبة، فعملنا متعب وصعب، ويعرف الموهوب من طريقة مسكه للخيط والإبرة، وأيضا من أسلوب مسكه للذهب.. بعض الأشخاص لا يكملون معنا شهر تدريب”. ويحصل المرشحون للعمل في المصنع على تدريب عملي لستة أشهر ثم ينضمون إلى المصنع لستة أشهر أخرى من التدريب العملي والنظري على يد أحد الخبراء أو مدير القسم. وأفاد زكي يوسف بسام، الذي يعمل في المصنع منذ 35 عاما، بأن “عامل الخبرة العملية يطغى على عامل التعليم النظري، هذا العمل أفضل من عمل الخطاط، فالخطاط يخط ونحن نخط فوق تخطيطه.. لذلك فإن عملنا أصعب”. وأضاف بسام (56 عاما) أن “أصعب الحروف هو حرف الهاء، فالعمل عليه هو وحرف الواو صعب، لكن مع الوقت والخبرة يصبح الأمر أسهل وأيسر”. ويقام عقب انتهاء الإنتاج احتفال سنوي في مصنع كسوة الكعبة لتسليمها إلى كبير سدنة البيت، وفي أثناء فريضة الحج تستبدل الكعبة كسوتها لتستقبل الحجاج في ثوبها الجديد أول أيام عيد الأضحى.ويصل الاهتمام بالكسوة إلى حد وجود فرقة كاملة في الحرم على مدار 24 ساعة لإصلاح أي تلف قد يطرأ عليها بسبب تعلق البعض بها ومحاولاته قص أجزاء منها للتبرك بها أو للذكرى. أما الكسوة القديمة فَتُقطع قطعا وتُهدى من العاهل السعودي لرؤساء الدول والسلك الدبلوماسي خلال الحج. وأوضح الخيون “مثلما هي الكسوة اليوم شاهدها ابن بطوطة، أنها سوداء حالكة، نسجت من الحرير المبطن بالكتان، وفي أعلاها طراز مكتوب في البياض آيات قرآنية. وكانت عندما تُنزع تُقطع وتوزع على البيوتات. ذُكر أن العديد من الثائرين ينهبون الكسوة من على الكعبة، مع ما ينهبونه من الأشياء الثمينة التي عادة تُهدى لها”. وتجدر الإشارة إلى أن متحف قصر المنيل بالعاصمة المصرية القاهرة سيستضيف، الخميس، فعاليات معرض ”يا رايحين للنبي الغالي” الذي يقام بالتزامن مع احتفالات موسم الحج وعيد الأضحى المبارك، حيث سيتم تقديم قطعتين أثريتين نادرتين من كسوة الكعبة، بحسب ولاء بدوي، المدير العام. وأشار بدوي إلى أنه سيتم عرض تاريخ كسوة الكعبة في العصر الحديث لزوار المتحف، ودار الكسوة بالخرنفش وطرز وألوان كسوة الكعبة عبر العصور. وشدد تركي، أثناء انشغاله بالعمل على تجهيز كسوة العام القادم بعد تسليم الكسوة الجديدة، على “فخره حين يشاهد عمله يزين الكعبة الشريفة.. لا أفضّل العمل المكتبي على هذا العمل”. ووصل عدد الحجاج القادمين للمملكة العربية السعودية لأداء المناسك التي تبدأ هذا العام في التاسع من أغسطس الحالي، حتى يوم السبت الثاني من ذي الحجة، إلى 1.604 مليون حاج تقريبا بزيادة نسبتها 8 بالمئة وقدرها 117 ألف حاج تقريبا مقارنة بالفترة نفسها من عام 2018، وذلك بحسب الإحصائيات الرسمية الصادرة عن السلطات المختصة في المملكة. ويقيم أغلب الحجاج حاليا في مكة في حين ينتظر البعض في المدينة المنورة للتوجه إلى مكة قبيل بدء موسم الحج بقليل. وشاركت قوات الأمن السعودية في التدريبات على أساليب التصدي لمهاجمين مسلحين واحتواء الحرائق. ويقام التدريب سنويا ضمن الاستعدادات لضمان سلامة الحجاج. وفي ظل حرصها على توفير الخدمة المميزة، تبذل المملكة جهودا كبيرة لتأمين كل سبل الراحة للحجاج في كافة مجالات الخدمة منذ بدء مرحلة الاستقبال للقادمين إلى بيت الله الحرام حتى مغادرتهم الديار المقدسة بعد انتهاء موسم الحج. وكشفت وزارة الصحة السعودية، مؤخرا، عن إطلاق روبوت طبيب لأول مرة خلال موسم الحج الحالي لتعزيز المراقبة الطبية للحجاج وتقديم خدمات سريعة وآمنة ونوعية في هذا المجال. ووفقا لوكالة الأنباء السعودية “واس”، فإن الطبيب الآلي يساهم في تسهيل الاستشارات الطبية من أي مكان في المملكة، والتواصل بين الأطباء عبر مختلف المستشفيات والمراكز الطبية المتواجدة في الأماكن المقدسة التي تقام فيها الشعائر الدينية. وتشمل خدمات التقنية الجديدة سهولة الوصول الافتراضي إلى أي مستشفى في منى شرق مكة، والتنقل الذاتي داخل المستشفى، وصولا إلى سرير المريض، وتقديم الاستشارة السريرية بطريقة سهلة باستخدام أي جهاز ذكي وعبر شبكة الجيل الرابع. وحسب مصادر وزارة الصحة جرى تدريب الأطباء في مدينتي الرياض وجدة على استخدام التقنية الجديدة المزودة بسماعة الطبيب وكاميرات تنظير خاصة لفحص الأذن والعين، وكاميرا خاصة لفحص الجلد، وغيرها من الأدوات التي تمكن الأطباء من تشخيص الحالات المرضية، وتقديم الاستشارات الطبية عن بعد. كما تتميز هذه التقنية بكاميرا ذات دقة عالية تمكنها من نقل الصورة بوضوح ونقاء عاليين معتمدة طبيا، وتمكن الطبيب من قراءة العلامات والمؤشرات الإكلينيكية، ويشمل ذلك الصور الإشعاعية.

مشاركة :