قال لي حين التقيت به أول مرة أوائل شهر رمضان عام 1404هـ في منزله القديم في حي الملز وبعد أن انتهينا من تسجيل لقاء إذاعي لبرنامج «بعد الإفطار»: هل أنت متفرغ للإذاعة والتلفزيون؟ قلت: نعم. قال: لم لا تواصل دراساتك العليا؟ هل تعلم أنك تغامر بمستقبلك حين تنخدع بالأضواء العابرة؟ أعجبني وأطربني هذا الكلام الواعي بعد تجربة إعلامية طويلة الذي أدرك صاحبه أن أضواء الإعلام الخالبة الخادعة سرعان ما تنحسر وتبقى وحيدًا غريبًا منسيًا وكأنك لم تتحنط أمام الكاميرات وخلف المايكروفونات عشرات السنين! قلت: يا دكتور أشكرك على ما تفضلت بإسدائه من رأي سديد، نعم أنهيت السنة التمهيدية للماجستير وسأختار الموضوع المناسب وأبدأ البحث فيه قريبًا. قال: لا تنقطع مهما كانت المغريات. خرجت من منزله أحمل معي ما هو أهم من الشريط الإذاعي، وأسفت أنني لم أحظ بلقائه إلا بعد ست سنوات من عملي في الإعلام، وكان من المهم جدًا أن التقي به على المستوى الشخصي والعملي؛ للإفادة من تجربته الرائدة في الميدان الذي أعمل فيه؛ بيد أن تزاحم الواجبات وتشتت الاهتمامات حالت سابقًا دون ذلك؛ إلا أنني حمدت الله أن في الميدان الذي أعمل فيه من يسدي لي النصح بسابق خبرته وتجربته ونضجه مما سيكون عونًا لي على مواجهة أية عوائق ستحول بيني وبين ما أطمح إليه. وعلى الرغم من لومه الشديد لي على أن فرطت في الإعادة في الكلية بعد تخرجي واخترت الوظيفة الإعلامية؛ إلا أنه قال لي بالحرف الواحد: لو لم أحمل مؤهلاً علميًا عاليًا لما كنت الآن في المكان الذي أنا فيه بوزارة التعليم العالي بعد أربعة عشر عامًا قضيتها في مجال الإعلام. تجدد اللقاء به مرات عدة في برامج إذاعية مختلفة؛ كبرنامج «بين ذوقين» وبرامج واكبت أزمة احتلال الكويت، وبرامج أخرى عالجت قضايا الإرهاب من الناحية الإعلامية. وأتذكر أنني وقعت في حرج شديد حين استدعاني مدير مكتب مسؤول كبير في الوزارة وقال: كان عليك أن تستأذن قبل أن تستضيف عبد الرحمن الشبيلي، فعجبت وقلت: ولم؟ قال: ألا تعلم أنه يطمح إلى أن يكون وزيرًا؟! ضحكت بألم، ولم أنطق بكلمة ردًا على هذا الاستنتاج المتخلف الساذج، وما المشكلة في أن يطمح للوزارة؟ أليس من حقه بتأهيله وخبرته الطويلة الرائدة أن يكون طموحه كبيرًا في هذه الوزارة أو غيرها مما يمكن أن يفيد ويجدد فيه؟ قاتل الله الحسد! وازددت احترامًا وإكبارًا للدكتور عبدالرحمن الذي لم ينخدع بأضواء الإعلام، وهو ما أكده في سيرته «مشيناها» إذا قال بالحرف الواحد «والهدف المضمر الثاني من وراء حرصه على الابتعاث، هو إطفاء الانخداع بوهج الظهور على التلفزيون وأضوائه، والتي كانت ستقتل طموحه العلمي لو انساق وراءها» ص 162 يتبع..
مشاركة :