لا تلغي كثرة المرشحين للانتخابات الرئاسية المبكرة في تونس الذي تجاوز الثلاثين الأربعاء أهمية أغلبهم الذين بنوا شعبية وخبرة طيلة السنوات الماضية تسمحان لهم بخوض غمار هذه التجربة.وقدم وزير الدفاع عبدالكريم الزبيدي الأربعاء ترشيحه واستقال من منصبه في الحكومة. واستقال الزبيدي (69 عاما) من منصبه الذي شغله منذ 2017 وأوضح في تصريح صحافي عقب إيداع ملفه لدى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات “أعلن عن استقالتي اليوم من خطة وزير الدفاع الوطني …أخلاقيا من واجبي الاستقالة”. ووصف الزبيدي قرار الترشح بـ”الصعب” موضحا “أنا مترشح مستقل وسأبقى على الحياد التام من كل الأطراف السياسية وسأكون في خدمة التونسيين”. وأعلن حزب الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي “نداء تونس” مساندة ترشيح عبدالكريم الزبيدي “لما يحوزه من خصال الكفاءة والتجربة والنزاهة والوفاء لنهج الزعيم الراحل الباجي القائد السبسي”، وفقا لبيان صدر عن الحزب الثلاثاء. ويمثل الزبيدي، وهو بالأساس طبيب، مفاجأة الترشيحات للرئاسة، كونه بقي بعيدا عن الحياة السياسية طيلة سنوات الخبرة التي راكمها في مناصب عليا في الدولة. والزبيدي معروف بأنه رجل مجتهد وكتوم ومتواضع في آن ولم تطله شبهات فساد. وزار وزير الدفاع الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي في مناسبات عديدة قبل وفاته وهو ما ساهم في تزايد الحديث حول إمكانية أن يكون “الحصان الرابح”، وهو ما غذته استطلاعات الرأي الأخيرة التي أكدت أنه يحظى بتأييد شريحة كبيرة من المجتمع التونسي.ورشحت حركة النهضة نائب رئيسها عبدالفتاح مورو للانتخابات الرئاسية في خطوة هي الأولى من نوعها في تاريخ الحركة. وقالت النهضة في بيان مقتضب ليل الثلاثاء الأربعاء نشرته على صفحتها على فيسبوك “صوّت مجلس شورى حركة النهضة بأغلبية 98 صوتا لفائدة ترشيح الأستاذ عبدالفتاح مورو للانتخابات الرئاسية”. ومورو (71 عاما) من مؤسسي حركة النهضة إلى جانب رئيس الحركة راشد الغنوشي وهو من الشخصيات المعروفة بمواقفها المزدوجة والمتقلبة حسب السياق والظرف، وأصبح رئيس البرلمان بالنيابة إثر وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي والذي خلفه محمد الناصر مؤقتا وهو بدوره كان رئيسا للبرلمان. وأعلن رئيس الحكومة الأسبق والقيادي السابق بحركة النهضة حمادي الجبالي ترشحه للانتخابات الرئاسية ولفت إلى أنه يتقدم للانتخابات “بصفة مستقلة عن الأحزاب السياسية، من أجل خدمة البلاد والشعب، وذلك بعد الاستفادة من تجربة الماضي ودروسه”. وأضاف الجبالي أنه سيركز في برنامجه الانتخابي على “حفظ الأمن القومي بكل أبعاده، سواء على المستوى الأمني أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الصحي أو الغذائي أو التعليمي”. واستقال حمادي الجبالي (70 عاماً) من الأمانة العامة لحركة النهضة في مارس 2014، ثم انسحب كليا منها في سبتمبر 2014. ويقول مراقبون إن الجبالي يعول على أصوات قواعد النهضة الغاضبة على طريقة حكمها ولاسيما تلكؤها في تطبيق “الشريعة ” باعتبارها حزبا إسلاميا ومغازلتها للمنظومة السابقة. وبدوره قدم الرئيس الأسبق، محمد المنصف المرزوقي، الأربعاء، ملف ترشحه لدى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.واعتبر المرزوقي، في تصريحات إعلامية عقب إيداع ملف ترشحه، أن اليوم “يعد عرسا للديمقراطية”، لافتا إلى أن “تونس الديمقراطية تضمن لكل مواطن الحق في الترشح والحق في اختيار من يمثله”. ويتشبث المرزوقي بتقديم نفسه كشخصية “مناضلة” ضد الدكتاتورية لإدراكه أن شعبيته مستمدة أساسا من سجله “النضالي” وممارساته الشعبوية التي تجلت عندما تولى منصب الرئاسة من 2012 إلى 2014. واستذكر في هذا السياق، إيداعه الحبس الانفرادي مدة 4 أشهر عام 1994 إبان عهد بن علي (1987-2011) بعد أن ترشح للانتخابات الرئاسية بثلاثة أسابيع. وأعلن تحالف “تونس أخرى” بإجماع مكوناته، دعمه ترشيح المرزوقي للانتخابات الرئاسية المبكرة. و”تونس أخرى” هو تحالف بين حزب “حراك تونس الإرادة” (ينتمي إليه المرزوقي) وبين “حركة وفاء” المعارضين، تم إطلاقه في مايو الماضي لخوض غمار الانتخابات التشريعية والرئاسية. كما قدم محمد عبو المحامي والمعارض السابق لنظام زين العابدين بن علي وأمين عام حزب “التيار الديمقراطي” الذي كان انبثق من حزب المنصف المرزوقي ترشحه للانتخابات الرئاسية. ويركز أمين عام التيار الديمقراطي وزوجته البرلمانية سامية عبو والقيادية في نفس الحزب على فضح الفساد في بعض الدوائر الحكومية وهو ما منحهما ثقة بعض التونسيين.وبنا أغلب المرشحين شعبية لابأس بها طيلة السنوات الماضية وتصدر كثير منهم نتائج سبر الآراء بشأن نوايا التصويت للانتخابات الرئاسية وفي مقدمتهم رجل الأعمال ومؤسس حزب قلب تونس نبيل القروي الذي احتل المرتبة الأولى في آخر سبر أراء أجري في يونيو الماضي. ولم يكن القروي يملك حزبا ولا سجلا في الحياة السياسية لكنه برز في حملات تبرع خيرية في مناطق نائية ومهمشة، تديرها جمعية “خليل تونس” التي تحمل اسم ابنه المتوفى في حادث مرور. وكاد القروي أن يستبعد من السباق بعد مصادقة البرلمان منتصف يونيو على تعديل القانون الانتخابي الذي نص في صيغته الجديدة على منع ترشح كل من منح امتيازات نقدية أو عينية لمواطنين في السنة السابقة للاقتراع. لكن الرئيس الراحل قائد السبسي لم يوقع القانون قبل وفاته، ما سمح للقروي بالترشح. وينظر إلى القروي باعتباره منافسا جديا ليوسف الشاهد رئيس الحكومة الذي لم يعلن حتى الآن ترشحه للانتخابات الرئاسية، رغم أن حزبه “تحيا تونس” قال منذ أسبوع أنه سيترشح. وبدورها احتلت عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر المرتبة الثالثة في نتائج التصويت للمرة الرابعة على التوالي، واستثمرت موسي في فشل المنظومة الحاكمة خاصة على الصعيدين الاقتصادي والأمني لتحرك حنين التونسيين لعهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.وتدعو موسي وهي المرأة الوحيدة التي أعلنت ترشحها للرئاسة حتى الآن، إلى استبعاد التيارات الإسلامية وبينها حزب النهضة من الحياة السياسية. وتقول موسي إن “أولويتنا اليوم هي إعادة النظام العام إلى تونس وتعزيز الدولة”. وتقدم موسي نفسها كممثل لـ”الدساترة” (نسبة للحزب الحر الدستوري الذي حكم البلاد نصف قرن وشارك في معارك الاستقلال عن فرنسا) الذين أنهت “الثورة” سيطرتهم على البلاد لصالح منظومة جديدة يقودها حزب حركة النهضة الإسلامية، وهو التمثيل الذي يهدده رئيس حزب المبادرة صاحب المرجعية الدستورية أيضا كمال مرجان الذي كان أول من أعلن نيته الترشح للانتخابات الرئاسية. ويحظى مرجان الذي لم يقدم بعد ملف ترشحه للهيئة العليا المستقلة للانتخابات بثقل سياسي مهم باعتباره كان إحدى الشخصيات السياسية المهمة في عهد بن علي حيث تقلد مناصب سياسية وحزبية من بينها تعيينه وزيرا للخارجية. أما اليسار فيدخل هذه الانتخابات مشتتا حيث قدم حمة الهمامي المنسق العام لائتلاف الجبهة الشعبية ترشحه الأربعاء للانتخابات الرئاسية بعد أيام من ترشح النائب المنجي الرحوي عن حزب آخر للجبهة الشعبية. وجدد الهمامي المناضل التاريخي لحزب العمال التونسي والتيار اليساري مشاركته في السباق الرئاسي بعد محاولة أولى في انتخابات 2014 عندما غادر الدور الأول بعد أن حل ثالثا خلف الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي ومنافسه في الدور الثاني الرئيس السابق المنصف المرزوقي. ولكن على خلاف انتخابات 2014 يدخل الهمامي انتخابات 2019 ممثلا لائتلاف الجبهة الشعبية بعد انقسامات داخلية أدت إلى استقالات وانسحاب أحد أبرز المكونات “حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد”، بسبب الخلاف حول مرشح موحد للانتخابات الرئاسية.شكل حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد الذي كان يرأسه السياسي الراحل شكري بلعيد، ائتلافا جديدا مع أحزاب أخرى صغيرة باسم حزب “الجبهة الشعبية” أيضا، وحصل الحزب الجديد على ترخيص من الحكومة قبل أيام من فتح باب الترشح للانتخابات التشريعية. وقدم الحزب النائب في البرلمان المنجي الرحوي القيادي في “الوطنيين الديمقراطيين الموحد” مرشحه للانتخابات الرئاسية وقد أودع ملفه في اليوم الأول من فتح باب الترشح الجمعة الماضي وهو نفس اليوم الذي قدم فيه رئيس الحكومة السابق مهدي جمعة ملف ترشحه. كما من المنتظر أن يقدم أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد الذي تشير نتائج سبر الآراء إلى تصدره لنوايا التصويت حيث احتل عدة مرات المرتبة الثانية كان آخرها سبر الآراء الذي أعدته مؤسسة سيغما كونساي في يونيو الماضي.
مشاركة :