في ظل استمرار توافد مئات الآلاف بملابس الإحرام البيضاء على مكة المكرمة، أكمل حجاج بيت الله الحرام، أمس، استعدادهم لبدء المناسك بيوم التروية تحت شمس الصيف الحارقة، في وقت دعت السُّلطات السعودية إلى التركيز على المشاعر والابتعاد عن تسييسها. مع طلوع شمس هذا اليوم، الموافق الثامن من ذي الحجة، يتوجَّه الحجاج إلى مشعر منى، لقضاء يوم التروية، إيذانا ببدء مناسكهم المقدسة، وأداء صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء قصراً دون جمع، اقتداء بسُنة النبي محمد، صلى الله عليه وسلم. وسُمي يوم التروية بهذا الاسم، لأن منى كانت محطة بين مكة وجبل عرفات "يرتوي" بها المسلمون بحصة ماء تكفيهم حتى اليوم الأخير من الحج، ويستريحون فيها قبل توجههم إلى صعيد عرفات، وقيل إنه سُمي بذلك، لأن الله أرى سيدنا إبراهيم المناسك فيه. وفي وقت تشهد المنطقة حروبا متعددة، وتشتد التوترات مع إيران، طلب المسؤولون السعوديون من المسلمين التركيز على الشعائر الدينية، وحذروا من تسييس الحج. وإذ شدد إمام الحرم المكي عبدالرحمن السديس على أن "الحج ليس ميدانا للصراعات السياسية، ولا لرفع الشعارات الطائفية والمذهبية التي تفرق المسلمين"، خاطب أمير مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل الحجاج، قائلا: "أنتم هنا للحج والعبادة". وطالبهم بأن يؤدوا "حجهم بعبادة تامة، وليتركوا كل الأمور الأخرى في بلادهم عندما، ليناقشوها مع أهل بلادهم بعد عودتهم. أما الحج، فللعبادة فقط". أمن الحجاج وقال المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية السعودية اللواء منصور التركي، إن السُّلطات استكملت استعداداتها للحفاظ على أمن الحجاج، مضيفا: "حماية أمن الحرمين الشريفين وقاصديهما من الحجاج والمعتمرين والزوار لا يتوقف على ما يصدر من تهديدات، بل بأخذ جميع الاحتمالات بعين الاعتبار، والاستعداد الدائم لمنع وقوعها". وخارج الحرم المكي، أكبر مساجد العالم مساحة، تجاوزت درجة الحرارة 40 درجة مئوية، وكانت المراوح الضخمة تنثر رذاذ الماء لتلطيف الجو. ورغم الحرارة الشديدة ومشقة أداء المناسك كان مجرد الإقامة في الأراضي المقدسة مبعث شعور عام بالسعادة بين الحجاج، كما اتضح من تعليقات الكثيرين. ووفق السُّلطات، فإن أكثر من مليوني حاج وصلوا حتى الآن إلى المملكة، استعدادا لأداء فريضة الحج، التي تعد أكبر تجمُّع سنوي للمسلمين في العالم. واستعانت السعودية بالتكنولوجيا لإدارة حركة الملايين في مكان واحد وتوقيت واحد، ومن ذلك أساور التعريف الإلكترونية المتصلة بأنظمة تحديد المواقع التي بدأ استخدامها بعد مقتل المئات في حادث تدافع عام 2015. قطارات سريعة وبينما تعمل خلال موسم الحج الحالي خدمة قطارات سريعة جديدة تربط مكة بالمدينة المنورة للمرة الأولى بعد افتتاحها في سبتمبر الماضي، ينطلق قطار المشاعر المقدسة ابتداءً من اليوم حتى نهاية أيام التشريق، لينقل أكثر من مليوني حاج من محطة الجمرات على طريق الملك عبدالعزيز عند المستوى الخامس لمنشأة الجمرات الحديثة، ويمر وسط طريق الملك عبدالعزيز، مرتفعاً عن الأرض بمشعر منى إلى مزدلفة، ومنها إلى عرفات على الطريق رقم "3"، لينتهي عند المحطة الثالثة عند الدائري الشرقي لعرفات بطول نحو 20 كلم بمسارين. وتبلغ الطاقة الاستيعابية للقطار 72 ألف حاج في الساعة، ويحتوي المشروع على 20 قطارا، سعة كل واحد 12 عربة، تسع الواحدة منها بين 250 و300 شخص. تغطية الاتصال بدورها، قامت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات بتفعيل خدمة الجيل الخامس في الحرم المكي والمدني والمشاعر المقدسة، لتقديم خدمات نوعية لضيوف الرحمن. وأطلقت الوزارة المرحلة الثانية من مبادرة "حج ذكي"، التي تقدم عددا من التطبيقات والمنصات والخدمات الرقمية والتوعوية، حيث ضمَّت المبادرة هذا العام منصة تدريب تطوعية لتدريب العاملين في خدمة الحجاج، ومنصة واقع افتراضي لتدريب حجاج الخارج على أداء المناسك، إضافة إلى منصة لتطبيقات الهواتف الذكية تسهل على حجاج بيت الله الاستفادة من عدد من التطبيقات خلال رحلتهم الإيمانية. وبلغت نسبة الزيادة السنوية في أعداد أبراج الجيل الرابع بالمسجد الحرام 10 في المئة، وبمكة المكرمة 10 في المئة، وبالمشاعر 11 في المئة، وبالحرم النبوي 9 في المئة، وبالمدينة المنورة 4 في المئة. كما عملت الجهات المعنيَّة على تقديم خدمات الإنترنت اللاسلكية عن طريق تقنية الواي فاي، حيث تجاوز عدد نقاط الوصول هذا العام 5400 نقطة وصول. وتنتشر في ساحات المسجد الحرام مراوح الرذاذ وأعمدة الضباب المائي التي وفرتها حكومة خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز من أجل تلطيف الأجواء، وخاصة في ظل الطقس الحار الذي تشهده مكة المكرمة هذه الأيام، حيث تم تزويدها بتمديدات ومضخات وخزانات المياه لإطلاق رذاذ الماء البارد، حرصا من الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي على تنفيذ كل ما من شأنه توفير الأجواء المناسبة لقاصدي بيت الله، ليؤدوا نُسكهم في أجواء من الطمأنينة والروحانية.
مشاركة :