تتنامى في قطر موجة غضب متصاعدة في صفوف العمّال الوافدين محوّلة نهائيات كأس العالم 2022 التي يعمل الكثير من هؤلاء العمّال في إقامة بناها التحتية، من مناسبة لتحسين صورة البلد الملاحق بشبهات دعم الإرهاب، إلى ورطة لم تكن تخطر ببال القيادة القطرية حين كانت تسعى بكل ما أوتيت من قوة مالية وبمختلف الوسائل المشروعة منها وغير المشروعة، للحصول على امتياز تنظيمها. وفي خطوة غير معهودة بقطر، دخل عمّال وافدون الأيام الماضية في إضراب عن العمل، مدفوعين بظروفهم السيئة وبانسداد الآفاق أمامهم إلى تخطّي حاجز الخوف من ردود فعل السلطات شديدة الصرامة إزاء مثل هذه التحرّكات النادرة. ونُقل عن عامل وافد يعمل لحساب شركة قطرية تقدّم خدمات الصيانة والنظافة والسباكة وخدمات أخرى للعديد من الزبائن والمؤسسات من بينها مطار حمد الدولي المطار القطري الرئيسي، القول إنّه من ضمن مجموعة كبيرة من العمال تتكوّن من حوالي ألف فرد رفضت الذهاب إلى العمل في 5 أغسطس الجاري، مشيرا إلى أنّ تهديدات متكررة وصلتهم من الإدارة بالترحيل إذا رفضوا التوقيع على عقود جديدة تقلّل كثيرا من أجورهم. وذكر العامل الذي نقلت عنه منظمة هيومن رايتس ووتش أنّه أُجبر على توقيع عقد لدى وصوله إلى الدوحة في 2018، تحت التهديد بالترحيل إذا امتنع عن التوقيع على العقد الذي ينص على أجور أقل من التي وعده بها مكتب الاستقدام في بلده. وقال “الكفيل ألقى بالمسؤولية على مكتب الاستقدام وقال لي: وقّع العقد أو عد إلى بلدك”. ملف العمالة الوافدة بصدد الإفلات من يد قطر بعد أن لعبت ورقة إصلاح قوانين العمل وفشلت عمليا في تطبيقه على أرض الواقع وفي بلدية الشيحانية نظّم المئات من العمال الوافدين في الرابع من أغسطس الجاري احتجاجات وأضربوا عن العمل بسبب ظروف العمل القاسية وعدم حصولهم على الأجور وتأخرها لعدة أشهر متتالية. ووثقت مواقع التواصل الاجتماعي بالصور والأشرطة، وكذلك شهادات سكان محلّيين، حركة الاحتجاج. كذلك نقلت صحيفة التلغراف البريطانية في تقرير لها حول حركة الاحتجاج العمالية المتنامية في قطر شهادة أحد العمال المحتجين بشأن الظروف السيئة التي دفعته وزملاءه للإضراب حيث أكّد عدم تقاضيهم أي رواتب لمدة أربعة أشهر وعدم حصولهم على أي إجازة منذ العام 2013، فضلا عن سوء الظروف المعيشية التي يواجهونها. وتعود بداية موجة الاحتجاجات العمالية في قطر إلى أشهر خلت حين حاولت مجموعة من الوافدين التجمهر في موقع العمل للاحتجاج على سوء ظروفهم المهنية والمعيشية وتأخر رواتبهم، فتصدّت لهم السلطات بعنف وتحوّل الاحتجاج السلمي إلى أعمال شغب نجمت عنها خسائر مادية، وفق ما أظهرته صور تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي في ظلّ التعتيم الإعلامي الكامل من مختلف وسائل الإعلام القطرية على تلك الأحداث. ولم تمثّل حركة الإضرابات العمالية الأخيرة المفاجأة الوحيدة في قطر التي لا تسمح بأي شكل من أشكال الاحتجاج أو التعبير عن الرأي الحرّ، بل إنّ مرونة السلطات في التعامل مع إضرابات هذا الأسبوع شكّلت المفاجأة الأكبر، حيث وثّقت شهادات ميدانية مواكبة شرطة مكافحة الشغب لعمّال مضربين ومتجمّعين في منطقة المدينة الآسيوية بالدوحة حتى منتصف الليل دون أن تحاول تفريقهم بالقوّة. ونُقل عن عامل شارك في الإضراب قوله إنّ رجالا قطريين يشتبه في أنهم من كبار مسؤولي وزارة العمل وفدوا إلى المكان “ليهدئوا الناس، وقالوا لنا إنهم سيجدون حلولا”.وأرجع مراقبون هذا السلوك غير الاعتيادي من السلطات القطرية غير المتسامحة عادة مع أي حركة احتجاج، إلى الرغبة في تطويق الأزمة وتفادي أي صدى إعلامي لها من شأنه أن يزيد في حجم الدعاية السلبية المضادّة التي أصبحت قطر تجنيها من وراء نهائيات كأس العالم الذي بدأت منشآته الضخمة والفاخرة ترتفع دون أن تحجب مآسي الآلاف من العمّال الذين شاركوا في بنائها. وكنموذج عن تلك المآسي تقول حكومة النيبال، أحد البلدان الرئيسية المصدّرة لليد العاملة إلى قطر، إن 1426 من مواطنيها لقوا حتفهم في قطر منذ حصول الأخيرة على امتياز تنظيم كأس العالم في عام 2010، وإنّ بعض هؤلاء هلك في حوادث بينما توفي آخرون بسبب متصل بظروف الشغل مثل العمل في درجة حرارة تتجاوز أحيانا الـ45 درجة. وقد توقعت إحدى المنظمات غير الحكومية أن يصل عدد من سيهلكون أثناء العمل في إقامة منشآت المونديال القطري إلى 4000 بحلول موعد النهائيات. وبحسب متابعين للشأن القطري فإنّ قضية العمّال الوافدين بصدد الإفلات من يد سلطات الدوحة ويمكن أن تشكّل خلال المدّة الوجيزة نسبيا والمتبقّية على انطلاق نهائيات كأس العالم معضلة حقيقية، وذلك بسبب تراكم مشاكل تلك العمالة وتعقّدها فضلا عن تضخّم أعدادها بسبب حركة الاستقدام العشوائي والسريع التي اقتضتها ضرورات إقامة بنية تحتية متكاملة لاحتضان التظاهرةوتظهر بعض الإحصائيات أنّ في قطر قوة عاملة مهاجرة تعدّ أكثر من مليوني شخص من بينهم ما يصل إلى ثلاث مئة ألف عامل مهاجر يشاركون بشكل مباشر في بناء الملاعب الثمانية وباقي منشآت البنية التحتية المتصلة بالتظاهرة الرياضية. ويبدو أنّ قطر قد استوفت الحلول في معالجة هذه القضية من خلال استجابتها للنقد الذي انهال عليها بسبب اضطهادها للعمال، ودفْعها بسلسلة هامّة من الإصلاحات لسوق العمل وقوانينه، لكنّها فشلت عمليا في تطبيق تلك الإصلاحات على أرض الواقع ليستمر وضع العمّال على ما هو عليه دون تغيير يذكر. ويرشّح مراقبون تصاعد غضب العمّال الوافدين إلى قطر وتحديدا العاملون منهم في ورشات إقامة منشآت كأس العالم، لكون موعد النهائيات قد بدأ بالاقتراب نسبيا، ما سيعني لهؤلاء الذين تقدّر أعدادهم بمئات الآلاف المغادرة إلى بلدانهم دون أن يكونوا قد حققوا المكاسب المادية التي حلموا بها لتحسين أوضاعهم الحياتية ولتأمين مستقبل أفضل لأسرهم..
مشاركة :