إيران تسعى لتغذية الصراع الطائفي في الشرق الأوسط عبر دعم الميليشيات الدينية

  • 4/19/2015
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

مع انحسار دور الدولة القطرية في مناطق واسعة في العالم العربي منذ عام 2011، وما تلاه من أحداث عبر ما سمي بالربيع العربي، نمت الميليشيا العقائدية بشكل مذهل وتحولت دول كثيرة إلى مزارع وملاجئ ومفارخ لها، لكن كانت هناك دولة واحدة تستثمر فيها. إيران وعلى وقع مفاوضات الملف النووي وإغراءات الدور الإقليمي وإعادة الإمبراطورية الفارسية التي يعتبرها القوميون الفرس في طريقها إلى النهوض، استثمرت بكل ما تستطيع في الوصفة الجديدة للسيطرة على العالم العربي. قدم الخبراء الإيرانيون كل ما لديهم من إمكانات في تدريب المقاتلين العقائديين ومولت طهران قادة الميليشيا وزودتهم بالسلاح، دفعت بخبرائها وقادتها لتولي زمام الأمور، فالخبراء الإيرانيون في سوريا للحفاظ على الأسد، وفي قوات الحشد الشعبي في العراق لمواجهة تنظيم «داعش»، ومع الحوثيين في صعدة وفي صنعاء لكل شيء. الإيرانيون لا يمكنهم احتلال كل هذه المساحات الشاسعة من العالم العربي لتواضع إمكاناتهم العسكرية، لكن عبر الميليشيا يمكنهم السيطرة عليها وخوض الحروب نيابة عن نظام طهران حيث تصبح الدولة رهينة بيد الميليشيا وقادتها الذين يتلقون تعليماتهم من طهران. يقول الدكتور خالد الدخيل، أستاذ علم الاجتماع السياسي السعودي، إنها الوسيلة لبسط النفوذ والسيطرة ومدّ أذرعها خارج حدودها، ويتابع: «إيران ليس لديها القدرة على احتلال أي دولة، فهي ليست دولة عظمى، لكن الميليشيا تعطيها القدرة على مدّ نفوذها فهي تكلفها ماليا، ولكن تعطيها مكاسب سياسية، والعرب يقتلون بعضهم في سوريا والعراق واليمن». ويشدد الدكتور الدخيل على أن الدولة غير موجودة في المناطق التي تنشط فيها الميليشيا المدعومة إيرانيا. هنا يقول الدكتور أشرف كشك، وهو خبير استراتيجي في معهد البحرين للدراسات الاستراتيجية وموجه أكاديمي في كلية الناتو للدفاع في روما: «منذ الثورة الإيرانية عام 1979 وحتى الآن، قامت إيران ببناء سياساتها الإقليمية على معادلة (الصراع الصفري)، بمعنى أنها دائما يجب أن تكون الطرف الإقليمي الرابح، وما عداها خاسرون، وقد أسست تلك السياسة بناء على تصورات ثلاثة، وهي: أنها دولة شيعية، والثاني القيام بدور القوة المناوئة، والثالث التمدد في الدول الرخوة والمضطربة». يقول الدكتور علي التواتي، وهو خبير استراتيجي وعسكري سعودي، إن إيران أجادت دور صناعة الميليشيا في فترة الضياع العربي، فجمعت كل الشراذم من الطائفيين من السنة والشيعة وحولتهم من جماعات مذهبية فقط، إلى جماعات مقاتلة تنقض على السلطة، والنموذج السوري هو الأساس، و«حزب الله» في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، والحوثيون، كل هذه الجماعات كانت تسير على نهج النظام السوري الذي تحول من حزب إلى طائفة تتحكم في سوريا، لذا تصرف النظام كقوة محتلة أمام الشعب حينما خرج في احتجاجات سلمية، لذا دفعت إيران بكل قوتها لحماية النموذج. متى بدأت إيران في تأسيس وبناء الميليشيا؟ يقول الدكتور خالد الدخيل بدأت إيران مبكرا في صناعة نماذج ميليشياوية، فـ«حزب الله» أحد أقوى نماذجها في العالم العربي، دربته طهران ودعمته ونظمته قبل أن يولد الجيل الذي قام بثورات الربيع العربي، وتستثمر إيران بشكل متقن في غياب الدولة عبر افتعال مشكلة الأقليات، وهناك فراغ سياسي وآيديولوجي في العالم العربي، وهذان الفراغان تملأهما إيران والتنظيمات المتطرفة. ويتابع الدكتور الدخيل: «إيران تستخدم الطائفية من جهة البعد المذهبي، وتستخدم الميليشيا من جهة أخرى في الجانب العسكري والدولة لإيرانية مبنية على الطائفية». وشدد على أن سياسة الخارجية للدول هي امتداد لسياساتها الداخلية، وإيران دولة دينية بدستورها ومؤسساتها، وطائفيتها، وتحالفاتها. ويضيف: «جميع تحالفات طهران مع تنظيمات طائفية حتى وإن استخدمت حماس لفترة لكنها افترقت معها في الملف السوري، وإذا كان هناك نوع من التحالف بينهما فهو الاستثناء الذي يؤكد القاعدة». إيران ليست حليف للتنظيمات السنية، لأنها تعلم أنها ستختلف معها وأنها ستصل معها إلى نقطة الخلاف، لكن مع التنظيمات الشيعية لا توجد خلافات، وإن وجدت فهي خلافات بعيدة المدى. من جانبه، يؤكد الدكتور أشرف كشك أن تمدد إيران في الدول التي تشهد صراعا بين الحكومات الوطنية والجماعات دون الدول التي تنازع الدولة الموحدة سيادتها تطبيقًا لنصوص دستورية إيرانية تارة، ووفقًا لما تقتضيه المصلحة تارة أخرى، والسياسة الإيرانية خلال أكثر من 3 عقود تجاه دول الجوار الإقليمي قد انطلقت وفق استراتيجية ثلاثية متكاملة الأركان: دعم الجماعات لوجستيا، ودعم الجماعات الدينية دون الدول، وتقديم الدعم العسكري للجماعات المتطرفة، وربط بؤر الصراع. ويعتبر الدكتور علي التواتي، الإيراني يتولى التوجيه المعنوي والعقائدي، ولا يأتي للتدريب الفني والتقني فقط، وإنما للتأثير المعنوي والعقائدي وتوجيه القوة في حرب طائفية، والهدف واحد هو بناء مجد فارس بدم عربي وأموال عربية وعلى الأرض العربية. الأرض الخصبة غياب الدولة هو حجر الزاوية هنا وإيران تستثمر الدم العربي، فهي كما يؤكد الدكتور خالد الدخيل، لا تسمح بانضمام الفارسي لهذه التنظيمات إلا كخبير أو مدرب أو قيادي. ويشير الدخيل إلى أن عدد هذه التنظيمات العقائدية المسلحة ما زال في طور النمو وحتما سيكون أكثر من الدول، فالعراق وحده يضم نحو 50 ميليشيا حتى الآن. يقول الدكتور أشرف كشك، في ظل غياب الدولة وعدم قدرتها على القيام بدورها بشكل مباشر وضعف سيطرتها على حدودها، خصوصا البحرية منها، ومن تلك الدول اليمن، قد مكن إيران من تقديم أسلحة ثقيلة متنوعة لجماعات وتنظيمات عقائدية مسلحة كـ«أنصار الله»، الأمر الذي جعلها تناوئ الحكومة المركزية سلطتها، وتجدر الإشارة إلى تصريح وزير الخارجية الأميركي جون كيري أخيرا، كان واضحًا في هذا الشأن عندما قال إن الولايات المتحدة تعلم وجود الدعم الإيراني داخل اليمن وأن واشنطن لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ما يهدد الاستقرار الإقليمي. ويتابع: تعمل إيران على ربط الجبهات على التصعيد في جبهة ما والتهدئة في أخرى، وفقًا لمتطلبات الصراع بحلقاته، سواء داخل الدولة المعنية أو على المستويين الإقليمي والدولي، والأدلة على ذلك كثيرة، فعلى سبيل المثال، يلاحظ في الوقت الذي تحقق فيه المعارضة السورية مكاسب على الأرض، فإن إيران تسعى لتعويض تلك الخسارة من خلال زيادة نفوذها في العراق، وأيضا في ظل خسارة إيران في اليمن، فإنها تسعى لفتح جبهات أخرى، وما بين هذا وذاك، هناك هدوء على جبهة «حزب الله» – إسرائيل، حتى لا تكون هناك جبهة جديدة ستكون نتائجها المزيد من الخسارة للمحور الذي تقوده إيران. بدوره، يقول الدكتور التواتي، إن اليمن قبل الحوثيين، كان أرضا خصبة للصراعات، كذلك انتشار السلاح، حيث يصنف الفرد اليمني في المرتبة الثانية عالميا لناحية حصته من السلاح، كما أن الجيش اليمني الذي استولت على أسلحته ميليشيا الحوثي كان في المرتبة الخامسة عربيا. ويضيف، حاولت إيران دعم ميليشيا «أنصار الله» عبر الجسر الجوي، لكن العرب، والسعودية على وجه الخصوص، لم يتحملوا هذا التصرف وهدمت هذا النموذج على رؤوسهم. حماية اليمن يقول الدكتور خالد الدخيل إن التدخل السعودي في اليمن حقق هدفين: الأول، منع الإيرانيين من العبث به. والثاني، قطع الطريق على التنظيمات المتطرفة التي تسوق نفسها كحامية لأهل السنة والدفاع عنهم. ويعتبر الدكتور كشك أن استمرار الانخراط الإيراني في تلك الصراعات بشكل متزامن ومحاولة إرسال لكل الأطراف الإقليمية والدولية مفادها أن إيران هي جزء من المشكلة وجزء من الحل متى أرادت، يعني أن ذلك ليس سوى حديث نظري، والواقع أن هناك استنزافًا للقوة الإيرانية، وهو ما يفسر سعي إيران لرفع كل العقوبات الاقتصادية، كشرط أساسي قبل توقيع اتفاق نووي نهائي، حتى يمكنها تعزيز قدرتها التمويلية لتلك الجماعات من ناحية، ودعم الحرس الثوري من ناحية ثانية. وأشار الدكتور كشك إلى أن السياسة متغيرة بينما الجغرافيا ثابتة، بما يعني حتمية بناء العلاقات مع دول الجوار وفقًا لتوازن المصالح وليس توازن القوى. ويشير الدكتور علي التواتي إلى أن كل المعونات التي قدمتها السعودية كانت تستخدم في بناء قوة خارج الشرعية.

مشاركة :