بيروت: فيفيان حداد بعد عشر سنوات من الانتظار سيتم تطبيق قانون السير الجديد في لبنان الذي سيؤدي، حسب تقديرات القيمين عليه، إلى انخفاض عدد ضحايا السير من ألف إلى 250 شخصًا في المرحلة الأولى. هذه المرة أعلن عن البدء بتطبيقه «تدريجيا» بدءًا من 22 الحالي بعد أن كان من المقرر ذلك في 15 منه. فعدم جهوزية بعض الوزارات والإدارات المنوط بها تطبيقه، ساهم في التأجيل. ولعلّ ما حفظه اللبنانيون من جميع الحملات الإعلانية التي رافقت موعد التطبيق المنتظر، هو قيمة الغرامات المالية المرتفعة التي سيدفعونها في حالات المخالفة؛ فالعنوان العريض لهذا القانون هو أنه عندما تقود مركبتك عليك أن تركّز فقط على فعل «تقود». ممنوع مثلا على سائق مركبة نقل بالأجرة أن يدخّن أو يأكل أو التلهي بالأحاديث أثناء قيامه بعمله وإلا تكبّد غرامة بمبلغ يتراوح ما بين 200 و300 ألف ليرة لبنانية، أي ما يوازي 200 دولار. ويمنع أيضا إخراج الرأس أو أي عضو من أعضاء الجسم تحت طائلة دفع غرامة تصل إلى 150 ألف ليرة (ما يوازي 100 دولار). أما عدم مراعاة استعمال المنبّه الصوتي فتتراوح غرامة مخالفته ما بين 200 و300 ألف ليرة. أما استعمال أي جهاز اتصال أثناء القيادة فإن ذلك سيكبّد صاحبه غرامة تصل إلى 450 ألف ليرة أي ما يقارب 300 دولار. ولعلّ الغرامات الخاصة بتجاوز إشارات السير أو تجاوز السرعة المحددة، تعدّ غراماتها من العيار الثقيل بحيث تصل إلى 3 ملايين ليرة وإلى عقوبة السجن في بعض الحالات. وتطول لائحة المخالفات والغرامات في قانون السير الجديد لتطال عدم وضع حزام الأمان أو عدم صلاحيته، ونقل عدد ركاب يخالف العدد المحدد في رخصة السير، واجتياز الفاصل بين مسلك وآخر، وعدم استعمال كرسي الأمان للأطفال دون خمس سنوات، وعدم التوقف أو تخفيف السرعة للسماح بمرور المشاة والمعوقين، وقيادة مركبة تحت تأثير الكحول أو في غير الاتجاه المحدد، والقيام بحركات بهلوانية أثناء قيادة الدراجة الآلية وما إلى هنالك من مخالفات يشملها هذا القانون. ومن البنود الجديدة التي يتضمنها القانون الجديد والتي لم يسبق للبنانيين أن سمعوا بها رغم شيوعها في بلاد الغرب، هو تطبيق نظام النقاط على المخالفات، بحيث ينشأ لدى قوى الأمن الداخلي سجل مروري ممكن لكل سائق بغية تطبيق هذا النظام. وتكون الأعمال المتعلقة بهذا النظام ذات طابع إداري. يمنح لكل سائق يحمل رخصة سوق صالحة 12 نقطة رصيدا في السجل المروري. يُحسم من هذه النقاط بالتناسب مع المخالفات المرتكبة. عندما يفقد السائق مجموع نقاطه، تفقد رخصة السوق صلاحيتها وتسحب منه لمدة ستة أشهر يخضع خلالها السائق لدورة متخصصة في إحدى مدارس السوق. عند تكرار فقدان مجموع النقاط خلال ثلاث سنوات، تسحب الرخصة لمدة سنة، على أن يخضع المخالف للدورة المذكورة أعلاه، إضافة إلى إعادة امتحان السوق. أما في حال فقد المواطن 6 نقاط فقط في السنة فهو سيتلقى في المقابل 3 نقاط إضافية مكافأة له. المحامي لحود لحود المتحدث الرسمي لمؤسسة «yasa» للحدّ من وقوع حوادث السير، أشار في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الهدف من هذا القانون الذي ولد بفعل عملية قيصرية بعد جهد كبير، أن يبعث الخوف في قلوب اللبنانيين فيردعهم عن القيام بمخالفات سير من شأنها أن تفقدهم حياتهم أحيانا وأن تصيبهم بالإعاقة أحيانا أخرى. وأضاف: «هذا القانون سيجبر اللبناني على أن يقود سيارته على مهل وان يحافظ على سلامته وسلامة الآخرين، للحد من وقوع حوادث السير التي وصل معدّلها إلى وفاة 3 أشخاص يوميا». وتابع: «لقد صرنا مقتنعين بأن اتباع أسلوب التوعية وحده لا يؤدي إلى نتيجة ملموسة إلا إذا ما ترافق مع تشديد في العقوبات، وقد لمس الفرنسيون مثلا والذين طبّقوا قانونا مشابها على طرقاتهم أن التقيّد به خفّض عدد ضحايا حوادث السير من 12 ألفا إلى 3 آلاف في السنة». ورأى المحامي لحود أنه إذا ما تمّ تطبيق هذا النظام في لبنان، فإنه من المنتظر أن يخفّض عدد الضحايا في لبنان من ألف إلى 250 في المرحلة الأولية لتطبيقه آملين أن يصل إلى الصفر يوما ما. وكثرت تعليقات اللبنانيين على تطبيق هذا القانون الصارم، وعما إذا كانت الدولة اللبنانية ستؤمن لهم في المقابل طرقات آمنة وإنارة دائمة. ويرد النائب خضر حبيب عضو في لجنة الأشغال والنقل النيابية فيقول: «لا شك أننا في صدد العمل على هذا الموضوع، وقد وضعنا خطة شاملة لتنفيذه، ولكني أتساءل هنا ما علاقة تطبيق قانون السير بوضع الطرقات؟ فالحفر أو عدم وجود الإنارة من شأنها أن تحفّز المواطن على قيادة سيارته بأدنى سرعة ممكنة، وليس بسرعة قد تؤدي إلى مقتله أو وفاة آخرين، وهذا ما يجب أن يدفعه لتفادي مخالفات عدة. كما أن المجلس الوطني للسلامة العامة الذي انبثق من خلال هذا القانون سيعمل من أجل تطويره وتنفيذه. وهو يتألّف من رئيس مجلس الوزراء ووزراء الداخلية والأشغال العامة والإعلام، ومن شأنه أن يطّلع ويراقب كل ثغرة يمكن أن تصادفنا في طريق تنفيذه على الأرض بشكل شامل». ورأى النائب خضر حبيب أن قانون السير الجديد يشكّل الرادع الأفضل للحدّ من حوادث السير، وأن الغرامات المالية ليست هي الأولوية فيه.ومن المنتظر أن تخصص وحدة من قوى الأمن الداخلي يصل عددها إلى 1500 شرطي، تكون مسؤوليتهم توعية الناس على الطرقات ومساعدتهم في تنفيذ القانون واستيعاب بنوده بأقل ضرر ممكن. ومن الناحية التوعوية فقد بدأت حملات إعلامية كبرى في هذا الصدد موزّعة على شاشات التلفزة والمواقع الإلكترونية وملصقات الطرقات وغيرها من وسائل الإعلام لتوعية المواطن وإعطائه معلومات عن القانون الجديد. وستوزّع في موازاة ذلك 3 ملايين «بروشور» (كتيّب) على جميع الأراضي اللبنانية، ولا سيما على سائقي الأجرة والباصات لإعطاء أصحابها فكرة وافية عنه. والجدير ذكره أن لبنان يفقد سنويا عددا مرتفعا من ضحايا حوادث السير يصل إلى ألف قتيل، ارتكازا إلى إحصاءات أجرتها كل من مؤسسة «yasa» ومؤسسة الصليب الأحمر اللبناني. وعن إمكانية أن يلقى هذا القانون نفس مصير قانون منع التدخين الذي فشلت الدولة في تطبيقه على الأرض، أجاب النائب خضر حبيب: «أعتقد أن قانون منع التدخين لم يتم درسه بدقة كما هو المطلوب، وقد تسرّعت الدولة في تطبيقه قبل تعديل بعض بنوده؛ فلبنان بلد سياحي بامتياز وكان من الأفضل أن نبتكر مناطق (zones) أو أقساما في المكان نفسه تتيح التدخين أو العكس». وأضاف: «في موضوع قانون السير نحن لم نتسرّع، بل أعتقد أننا تأخرنا في تطبيقه، بل هو كان جاهزا منذ 10 سنوات وأخذنا نحو السنة لدرس فقراته وتجهيزه ليصبح صالحا لتنفيذه على الأرض». أما إحدى الثغرات الكبرى التي تشوب القانون الحالي، فهي أن عائدات الغرامات المالية ستعود إلى جيوب القضاة وقوى الأمن الداخلي. وعلّق النائب خضر على هذا الأمر بالقول: «الموضوع تمّ بحثه مع وزير المال علي حسن خليل، الذي أكد لنا أنه بصدد تقديم اقتراح قانون لتعديل هذه الفقرة، وأنه من المفروض أن يصار إلى منح هذه العائدات إلى خزينة الدولة، التي ستقوم بدورها بتوزيعها على الإدارات الرسمية الأخرى». ومن التعليقات التي شهدتها مواقع التواصل الاجتماعي حول تطبيق قانون السير الجديد، تلك التي تناولت بشكل كبير عائدات غراماته المالية؛ فكتب أحدهم على صفحته بموقع «فيسبوك» يسأل: «لو افترضنا أنه سيتم تطبيق هذا القانون، وأنا أشك بذلك، هل سيتم تحسين طرقاتنا من عائدات غراماته؟». فيما علّق آخر بالقول: «عائدات غرامات فرنسا التي تريدوننا أن نتشبّه بها، تذهب لتحسين السلامة المروريّة والبنية التحتية وتدريب الشرطة البلدية والقيام بحملات توعية وشراء رادارات وكاميرات لتعزيز قدرات مراكز التحكّم. أما في لبنان فستذهب إلى جيوب القضاة وعناصر قوى الأمن الداخلي. وأين أوجه الشبه في الموضوع؟». ونقل أحدهم صورة سيدة تنقّي البقدونس وهي واقفة في عجقة السير فكتب في أسفلها معلّقا: «في غرامات لمخالفات تنال إخراج أي عضو من أعضاء الجسم، ولكن تنقية البقدونس ما غرامتها؟»، غامزا بذلك في قناة التفاصيل الدقيقة التي تشملها غرامات القانون الجديد. وكتب أحد الشبان اللبنانيين على صفحته الإلكترونية قائلاً: «أنا فخور كوني لبنانيا، صار في لبنان قانون يعزل وزراء وشرطة ويطيّر رؤسا من مقاعدها... ويغرّم ويدخل إلى الحبس هل من المعقول أن ينفّذ؟». وغرّدت إحدى اللبنانيات بالقول: «يا شوفور دعاس بنزين عالـ199! يعني هالاغنية صار ممنوع نغنيها مع تطبيق القانون الجديد؟».
مشاركة :