يذهب القاص والصحافي السعودي حسين السنونة في مجموعاته القصصية وكتاباته السردية عامة إلى رصد ونقد الواقع ومتناقضاته وقضاياه إلى الأسلوب الساخر والمفارقة الموجعة، ففي مجموعته القصصية الجديدة يوجّه انتقادات لاذعة للسلوكيات الإنسانية المتطرّفة أحيانا في استهتارها ولا مبالاتها وأحيانا للمسؤولين غير المبالين بهموم ومشكلات المواطن، وهو من خلال ذلك لا يفرط في الأبعاد الجمالية والفنية، حيث تتجلّى الفنون البصرية عبر استخدام تقنيات السينما والتشكيل في الكثير من تكوينات قصصه للحوار بين الشخصيات وفي المشاهد التي يرصدها. من أعماله “ثرثرة خلف المحراب” و”آخرون كانوا هنا” ويجهّز الآن لإصدار روايته الأولى. في حوارنا مع حسين السنونة نتعرّف على رؤاه وأفكاره والمؤثرات التي لعبت دورا في تشكيل كتاباته. بداية يؤكد أن الكاتب المبدع سواء كان شاعرا أو قاصا أو روائيا يحتاج أن يثور على كل شيء يسبّب تأخرا في التطور والتقدّم الإنساني، هناك قيود من العادات والتقاليد تقف عقبة وقيْدا، ولكن بالكتابة والحوار والحرية تتغيّر ويتغيّر معها كل شيء، إذا كان الإنسان مهما كانت اهتمامه عليه أن يكون مختلفا وأن تكون له بصمة في الأرض قبل أن يرحل، أن تكتب، أن تصرخ، أن تبكي فأنت موجود، ولكن كل ذلك لا يكفي فلا بد أن يكون ما تكتب مختلفا وصرختك مختلفة، المشكلة الآن هي أننا نعيش في زمن خوف يمسك بالأرواح والأنفس، خاصة مع ما يحدث في العالم العربي من تخبّط واتساع رقعة الحروب والنزاعات، هناك خوف ورعب، ورغم كل ذلك سنبقى نكتبُ ونفرح ونبكي ونضحك. جزيرة الصرخة الحرة قال السنونة “أنا من مواليد 1967، عام الهزائم والكوارث والأحزان، كثير ما كنت وأنا صغير أبحث عن الشخصيات التي ولدت في مثل هذا العام، أراها شاعرا وروائية وقاصة وزعيما وحاكما، وثائرا ومناضلا، وأيضا شخصيات ماتت صغيرة وهي تحاول أن تشعل شمعة، أن تزرع وردة، وأيضا وعندما بلغت سن المراهقة تقريبا كانت أحداث اغتيال الملك فيصل الذي أحبته أمي وحزنت لرحيله، ثم حرب أفغانستان وشباب مثل الورد ذهب مع الريح، والثورة الإيرانية.تحولات دراماتيكية حدثت في جزيرة تاروت مسقط رأسي تحوّل معها الكثيرون من الفكر القومي والبعثي والشيوعي إلى الديني، بل إن صور جمال عبدالناصر استبدلت في الكثير من الأماكن بصورة الإمام الخميني، أخبار فلسطين واحتلال الجولان، وغيره من الأحداث التي جعلتني أرى جحافل من الوحوش البشرية تظلم بعضها البعض، بكل أنواع الظلم سواء كان مباشرا أو غير مباشر، سمعت صوت الشعراء أمثال مظفر النواب، أحمد فؤاد نجم يبكون ويبكون من يسمعهم، يتحدثون عن الإنسان، الظلم، الطغيان، وجدت نفسي أكتب الشعر والقصة ولكن القصة أخذنتي بقوة ففرغت بعض جنوني واعترافاتي عبر القصة القصيرة، وبشكل غير مباشر وجدت نفسي انتقد الشارع السيء، التعليم الضعيف، الصحة التي تحتاج إلى إعادة هيكلة، المسؤول الذي التصقت مؤخرته في الكرسي دون إنجاز، الوساطات التي تقضي على مستقبل شاب متفوّق وتساعد آخر تعيسا، كان لبحر جزيرتي تاروت متنفس للصراخ وتحويل الصرخة إلى نص جنوني، فكتبت نص “عندما يغني المطر” يتهكم على المثقف القشري، اتبعته بنص “أوتار القيثار المقطوعة” يتحدث عن قتل المثقف من أولئك الذين يرون أنفسهم أنهم هم الدين والإسلام ويمتلكون الجنة، حاولت أن أتحدث عن الإنسان والضياع عبر نصوص متعددة، والمفارقة أني كتبت أكثر نصوصي وأنا خائف، خائف من المجتمع، من الناس، من العادات والتقاليد، ولكني في الأخير كتبتها ومازالت أكتب، والكثير من الكتابات هي تأتي بصورة سخرية، سخرية سوداء مؤلمة للروح والنفس. ورأى السنونة أن الكتابة الساخرة في النصوص الأدبية تساعدها على الوجود والحضور، وهي تكشف الكثير من الأمور للقارئ والمطلع وللأفراد الفاشلين في مناصبهم، ولعل العالم المتوحش المخيف الذي نعيش فيه يساعدك، ولربما يفرض عليك الكوميديا الساخرة من خلال كتاباتك للنصوص، رغم أنّ الكتابة في هذا النوع مؤلمة وموجعة للنفس، الفرد كقاصّ أو شاعر أو كاتب مقال يضع يده على الخلل الموجود، يكتشف الحلقة المفقودة التي هي سبب غرق الإنسان المهاجر في البحر، والفتاة التي تبحث عن الأمان، الشاب الذي يريد وظيفة وزوجة ومسكنا وأن يعيش حياة طبيعية دون الحاجة إلى علاقات ووساطات حتى يحصل على وظيفة أو منصب، ولكن المطلوب في النص الساخر أن يمتلك القوة والجمال للتأثير على القارئ ويجعله يفكر معك في المصير المشترك، وفي كيفية الحصول على هواء نقيّ وحياة بسيطة ولكن بكرامة. وأضاف “من الطبيعي أني تأثرت بكتّاب كبار أمثال التركي عزيز نيسين الذي يجعلك تضحك وتضحك وتضحك، ولكنك تبقي متسائلا عن المصير، ومن منّا لا يحب الكاتب المصري جلال أمين الذي بكيت عندما سمعت برحيله، يضعك وسط الجرح يعرّفك بالألم وكأنك تضرب رأسك بشيء صلب، وتفيق على حقائق ربما تعرفها أو لا تعرفها أو تحاول ألاّ تعرفها بسبب ما لربما الخوف، ويبقى الشاعر والمسرحي السوري محمد الماغوط الذي أضع صورته على سطح جهازي الكمبيوتر، أنظر إليه طويلا، وأرى الكثير من السخرية والمفارقة المرة على الزمان والمكان والوضع المستمر، محمد الماغوط أعتقد أنه يكتب هو يضحك بعين ويبكي بقلب، الماغوط حالة فريدة في الكاتبة السخرية التي يحتاج الإنسان كل فترة أن يعود إلى كتاباته ليكتشف شيئا جديدا كان يقصده وستبكي وتضحك. الكتابة والبصريات لفت السنونة إلى أنّ حضور الفنون البصرية في تكوينات قصصه سواء في الحوار بين الشخصيات أو في المشاهد التي ترصدها أمر طبيعيّ، وقال إنها سواء في القص أو الشعر تُضفي جمالا وروحا على النص وتفتح أفق دلالاته، وتحاول أن تجعل من الخيال لدى الكاتب منسجما مع الخيال لدى القارئ والمطلع النوعي، مما يساعد على فهم الهدف من النص المكتوب، ولكن كل ذلك بحاجة إلى قاموس لغوي قادر على السرد متعدّد الدلالات سواء عن الشخصية أو المكان أو الزمان. وربما لحرصي على مشاهدة الكثير من الأفلام السينمائية، وخاصة الأفلام الهندية وأيضا بعض الأفلام العربية، وكذلك لوجود علاقات كثيرة لي مع شباب الفنانين التشكيليين والسينمائيين أمثال محمد الباشا، محمد سلمان وغيرهما، جعلني أتأثر بمسالة الفن البصري وخاصة أثناء وجود حوار وشخصيات في النص القصصي، بكل تأكيد هناك تأثير، فالفنّ البصري متداخل ومشتبك مع كل أجناس الكتابة الإبداعية، وهو تعبير عن المهارات الإبداعية في الشكل البصري أو السمعي فيما الأدب هي أعمال مكتوبة، والأدب بكل أنواعه مهم في أي مجتمع، كما أن الفنون بكل أنواعها أيضا مهمّة ولها تأثير في تطور الوعي لدى المجتمعات، وأعتقد أن استخدام السينما والتشكيل في الحوار بين الشخصيات تأتي من تأثير المجتمع بكل هذه الفنون، واستخدام القاص لها للتأثير في وصول النص وما يهدف إليه من وعي القارئ للمشاركة في تحقيق الهدف الذي يسعى إليه الكاتب والذي يريد من القارئ أن ينتبه له ويشاركه في وضع الحلول لمشكلة ما أو حدث ما. نحن في السعودية في حاجة إلى حركة نقدية قوية تستكشف مكامن القوة والضعف في النصوص القصصية وحول الأسباب وراء قلّة إنتاجه القصصي، وهل لعبت الصحافة دورا في ذلك؟ أشار السنونة إلى أن “البعض يهتم بالكمّ والبعض يهتم بالكيف، أن أكتب مجموعتين تحتوي كل منهما على رؤى متميزة ومختلفة وجديدة في طرحها أفضل من عشرين مجموعة رؤاها مكرورة لا تطرح جديدا على مستوى الموضوع أو الشكل، الكثير من الأصدقاء يمتلكون كمّا كبيرا من النصوص ولكنهم لا يصدرون إلا مجموعة أو مجموعتين، ولكنها تحتوي على التميّز والطرح القوي، فيما لدينا أصدقاء وصلت إصداراتهم إلى الخمسين، ولكنك من أول سطر ترمي بالكتاب إلى سلة المهملات. وأشاد السنونة بالحالة الإبداعية التي تعيشها القصة القصيرة السعودية وقال “تعيش القصة في السعودية هذه الفترة مرحلة ازدهار حتى صارت تنافس الشعر، وخاصة مع وجود الأندية الأدبية التي قامت بطباعة وإصدار الكثير من المجموعات القصصية مما ساعد على انتشار الفن القصصي، وأيضا وجود مسابقات قصصية وكذلك إقامة مهرجانات خاصة بالقصة القصيرة، كل ذلك إضافة إلى عوامل أخرى ساعدت على حضور القصة القصيرة بشكل واسع وكبير. هناك نصوص قصصية تعبّر بشكل رائع وجميل عن الواقع السعودي، ولكن أعتقد أننا بحاجة إلى حركة نقدية قوية تستكشف مكامن القوة والضعف في النصوص القصصية، وهنا هي المشكلة تلك المسافة المنقطعة ما بين القاص والناقد. نحن بحاجة إلى نصوص قصصية تترك انطباعاوتأثير لدى القارئ وهذا لا يأتي إلا بحراك نقدي وطرح قضايا جوهرية وقوية وجديدة تمس القارئ من الداخل.
مشاركة :